هناك ما يشبه القرار بالصمت في ما يخص المسألة التعليمية، في بداية الوضعية المترتبة عن وصول فيروس كورونا إلى أسوارنا، كانت هناك حركية حول المدرسة، وتواصلا يكاد يكون على رأس كل ساعة. حاليا، نكاد لا نسمع بتاتا أي حديث عن المدرسة، بكل طوابقها، أو الحياة المدرسية، أو أية حصيلة، حتى من نوع تلك المختزلة في أرقام بدون بيانات ولا شبكات قراءة. اليوم بالمغرب، وفي الوضع الحالي، يتواصل العمل بكل الإجراءات الخاصة بالعزل الصحي، وربما، نسمع يوميا تعديلات في هذه الإجراءات ومساطرها وتطبيقاتها، بل نتلمس تشديدها في المراكز ذات التوافد الجماعي، مثل الأسواق ومراكز البيع الجماعية، مع حصر التوجه إليها في مناسبة أسبوعية لا غير. بيد أننا في قضية التمدرس والمدرسة، نتصرف كما لو أن الأمر بيات دائم، لا يوجب التساؤل عما يمكن فعله من الآن في الوضع الذي نحن بصدده، ولا نفكر في معادلة التمدرس وكل ما يترتب عنها وما نفكر بخصوصه في رفع الحجر الصحي. في الدول التي نتابع أطوار سياستها، بالرغم من تفردنا واستباقيتنا النموذجية، هناك حديث متواترعن المدرسة. ونبدو، في المقابل، كما لو أننا تخلينا عن هذه الميزة الاستباقية لفائدة ركود روتيني وانتظارية بلا أفق… الحقيقة نقول إنه لا بداية يمكن أن نتصورها إذا نحن لم نفكر في المدرسة، في التعليم، في عودة التلاميذ والطلبة إلى مقاعدهم، في الظروف التي يفرضها الحجر الصحي على هذه العودة. فالحجر لن يدوم إلى ما لانهاية، وبخصوص المدرسة، تبدو البدايات عندما كانت موضوع حديث شبه يومي، بعيدة، والأرقام التي تم تقديمها عن المنصات التعليمية عن بعد، كانت بمثابة الوصفة السحرية التي لم نتحدث بعدها، ولم نتساءل ونتابع التقصي، عما إذا كانت الأوضاع تسير نحو الاتجاه الصحيح أو العكس. هناك ما يشبه الصمت حول الاستئناف العملي للنشاط المدرسي، والحال أن الحياة، لا يمكن أن ترى في الفضاء العمومي إلا بعودة التلاميذ إلى محافظهم وإلى أبواب مؤسساتهم، وإلى خروجهم الجماعي وجلبتهم في المدارس والإعداديات والثانويات، وفي حلقاتهم الطلابية. في فرنسا حاليا النقاش يكاد يكون محصورا عن المدرسة، والتي تعتبر اليوم وغدا أولوية جمهورية ومجتمعية. نحن، يبدو وكأن الحديث عن البعد الصحي يغلق الأفق كله، لم نسمع عن سيناريوهات ولا عن لقاءات واجتماعات تطرح المدرسة وظروف استئناف الدراسة، فالسنة انتهت، ولم نطرح السؤال، أي بديل زمني وأية روزنامة جديدة للتمدرس؟ ماذا سنفعل في الموسم الدراسي وماذا سنفعل به؟ في المباريات التي علقت إلى حين والتي لم نعرف بعد إن كانت ستستوجب امتحانات كتابية أو الاكتفاء فقط بالبيان التنقيطي والحصيلة المسجلة في ما تحصَّل من سالف الامتحانات قبل مارس والحجر الصحي؟ وهل يسمح للامتحانات المخصصة للوظيفة وللمسار المهني ما لا يسمح للسنوات الإشهادية، بمعنى كيف سيسمح بالتحصيل والولوج بناء على النقط في هذا المعهد ويمنع في ذاك؟ إن هذه الأسئلة مرتبطة أيضا بتصريف مجريات الحجر الصحي في ما بعد، في التعايش معه في المساحات الدراسية والفضاءات التعليمية، في وسائل النقل التي سيستقلها المتمدرسون، في المتابعة الإجرائية للإصابات والكشف عنها، في المخطط الذي يستوجب الكشف الدائم، عبر الانتقاء العشوائي للتلاميذ والأساتذة في محاولة حصر الانتشار الوبائي. كيف نتعامل مع الأقاليم التي أعلنت صفر إصابة إلى حد الساعة، أو التي خلت من الفيروس، كإيفران مثلا، وهل يمكن الإبقاء على حجر مطلق في كل ربوع البلاد، وكيف سنتعامل مع التكافؤ في الفرص في هذه الحالة؟التدرج هل سيكون بناء على درجة الخطورة، أي مناطق حمراء وأخرى خضراء، أم سيكون على مستوى وطني ، بدون تحديد ملامحه وبعض جهويته؟ الواضح أننا لا نفعل شيئا للمدرسة، وهي قطب حياتنا الجماعية، وهي نصف الجواب الذي سنقدمه لما بعد الوباء. أمامنا أسئلة، لا يمكن أن نعلقها حول عودة الدخول المدرسي، ذات الصلة باللوجستيك، كالتعقيم في المدارس والإعداديات والثانويات والمعاهد والكليات، والتفويج الذي يحفظ المسافات الآمنة، هل فكرنا في تعقيم المؤسسات نفسها وبدأنا بذلك،ونحن على بعد تاريخ 20 ماي القريب، وسهرنا على تهييئ السائل الكحولي للتعقيم والمواد الصيدلية؟ هذه الأسئلة، لا يمكن القفز عليها إلى ما لا نهاية، لأن الرفع سيكون تدريجيا وسيكون مرفوقا بالاحتياط وباستمرار مظاهره إلى حين. لقد أطلقنا خطة بديلة، نعول عليها بأن تعوض الحضور الجسدي في القسم أو المدرسة، وأطلقنا مديحا وطنيا عاتيا وشديد اللهجة في حق المعلوميات ودخولنا إلى القرن الثاني والعشرين، وقيامنا بما لم نقم به منذ عشر سنوات، سنعود إلى هذه الاحتفالية بعد الحجر ولا شك، ولم نضع، بالرغم من الرقمنة والبيانات والمنصات المستقبلية، معطيات نستطيع أن نجيب بها عن أسئلة من العصر الطباشيري الأول كيف سنتعامل مع الذين لم يستطيعوا مواكبة التعليم عن بعد؟ وكم عددهم أولا، وهل الاحتفاء الكبير الذي تمت به إعلانات التغطية العامة والدروس في التلفزيونات وغير ذلك، يمكن أن يسعفنا في أرقام التلاميذ والطلبة الذين استفادوا؟ وماذا سنفعل مع الذين لهذا الظرف أو ذاك انقطعوا عن متابعة الدرس الإلكتروني؟ هل سنتوجه إليهم، قبل غيرهم، من أجل نوع من التأهيل الجماعي، وقبل مواصلة الطريق المشترك؟ الركن الثاني في المعادلة، المدرسون كيف سيتم تقييم عملهم في المرحلة الوبائية الحجرية، وكم نسبة من حرسوا، بدون تفكير يٌعِدّ للزجر، في إنجاح العملية ومن أخطأوا لأسباب موضوعية في الغالب في إنجاحها؟ وكيف ستكون عودة الجسم التعليمي بدون دليل صحي، واجتماعي وتواصلي لم يبلور إلى حد الآن، مع تحديد الخطر الجسيم والمؤذي، الذي سمح بالانسحاب والتخلي عن المواصلة في الأقسام؟ أين نقابات رجل التعليم في تهييئ البدائل، إلى جانب جمعيات المدراء والعاملين، من الأطر عالية التكوين في التربية الوطنية والتعليم العالي القادرة على صياغة كل دليل ترتضيه الوضعية القادمة؟ الركن الآخر، في العملية التواصلية والتعليمية معا، وهو الأسرة والحيرة والتردد اللذان يستبدان بها، لم نطمئنها حول أجندة الامتحانات وضمان الشروط الأفضل لاجتيازها متى نقترح تاريخا للباكالوريا، وماذا سنفعل مع امتحاناتها، كيف سنتعامل مع مباريات الولوج إلى الكليات المهنية، كالطب مثلا؟ لقد سبق أن هز التعليم، خلال السنة الماضية، البلاد هزا، سواء في التعاقد أو في وضعية الطلبة الأطباء، وسبق له أن كان في السابق امتحانا كبيرا للدولة واستراتيجيتها، ويمكن أن نقول بخوف كبير، إن استصغار الأسئلة التي تشغل بال العائلات، هو استصغار من شأنه أن يغذي العناصر المنتجة للقلق الحي والغضب العملي، من بعد، لا قدر لله. ففي ظروف ستكون ظروف أزمة متعددة، قد يكون الوضع التعليمي مشجعا على الغضب العام، عندما نعود إلى الحياة ما بعد الجائحة…