لا يختلف إثنان أن المسؤول عن المرسومين كانت نيته صادقة من أجل إصلاح منظومة التربية والتكوين، وبما أنه فكُر في إصدار هذا المرسومين إلا وأنه وضع في باله المدرسة العمومية، لكن الطريقة والتوقيت والمنهجية عليهم مجموعة من الأسئلة كان بودنا أن نتجنبها لو كان عكس ذلك. الأسئلة المطروحة بكثرة وباستمرارية؛ لماذا المرسومين؟ وما أهدافه؟ هل لخوصصة التعليم بالمغرب؟ هل طريق لرفع الدولة يدها عن التربية والتكوين؟ هل لتنزيل توصيات النقد الدولي؟ أم لإرجاع التعليم العمومي إلى سكته الصحيحة؟... صعب أن نحسم في جواب هذه الأسئلة، للمسؤول جواب وللمتعلُم جواب، خطان متوازيان لا يلتقيان، فلا يمكن أن نعتبر المرسومين خال من أي خطأ، ولا يمكن أن نقول هما الخطأ بعينه، لكن القليل من التحليل، أرى أن المرسومين ولو كانا بدون أخطاء ولهم أهداف ملموسة تحسن من وضعية التربية والتكوين، يبقى التوقيت الذي شرع فيه المسؤول بتنزيل مخططه غير مناسب، حيث جاء في العطلة الصيفية، لم يكن بالإمكان إدلاء بأي رأي معارض له، حيث لا يوجد فضاء يجمع المعنيين آنذاك، فكيف يمكننا الحديث عن رفض المرسومين قبل إصدارهم في الجريد الرسمية، فتحْت أي إطار يمكن التعبير؟ هل من داخل الجامعة ونحن في العطلة الصيفية؟ أم داخل المراكز التي تجمع الأساتذة المتدربين؟ فالمكان الأول غير ممكن، والثاني هو الوحيد الممكن، فبذلك لا يمكن أن نحاجج الطلبة بأنهم على علم ، ولماذا لم يرفضوا من قبل؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، المنهجية المعتمدة غير سليمة، فلا يمكن في ظرف بضع أيام، أن يحسم النقاش في المرسومين، وهما يقطعان مع كل التصرفات الماضية، فالإصلاح يكون بتدرج، لا يمكن تنزيله برمشة عين. أما بخصوص الحسنات والدواعي لذلك، فهما كثيرة طبعا، لا ينكرها إلا الناظر بنظارات سوداء، حيث في السابق، لا يجتاز للمراكز سوى العدد المقترح لمناصب الشغل في قانون المالية، ويكون ذلك يُغْلق الباب أمام العديد من الطلاب الراغبين في التكوين، باعتبار أن الطاقة الاستيعابية والطاقم الإداري والتربوي للمراكز الجهوية تفوق بكثير العدد المعلن عنه للتوظيف، ومن زاوية أخرى، فصل التكوين عن التوظيف، سيضع حدا للتهاون الموجود لدى العديد من الأساتذة وعدم حرصهم بجدية عن التكوين والحضور، مما أثر سلبا على جودة التعليم بالمغرب، لأن الأستاذ هو المحور الأساسي والمحرك الحقيقي للقسم، فمتى كان الأستاذ صالح تكون المنظومة على الطريق الصحيح، فكيف نطلب من التلميذ الجد والإجتهاذ إذا كان الأستاذ غير ذلك، صحيح بأن الأستاذ ليس الوحيد المسبب في الأزمة، كل له دوره، للوزارة مسؤوليتها، وللمفتش وزره، وللمنظومة التربوية أخطاءها، وللمربي داخل المراكز تهاونه، إلا أن الأستاذ هو الذي يغير عقليات التلاميذ، فقد تكون كل الوسائل والظروف مناسبة، لكن إذا كان المعلم والأستاذ ليسا بأكفاء، سيترجم ذلك في سلوك وتفكير الطفل والتلميذ، وقد يكون العكس. فأكيد أن المرسومين في نظري، لو كانوا بمنهجية سليمة، خصوصا المرسوم المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف، هما باب من أبواب فتح النقاش الحقيقي في المنظومة التعليمية، فلو أُستُغِلا في طرح هذا النقاش، لكان الفوج الحالي موفق في طرحه، بدل أن يتمسك بإسقاط المرسومين فقط، فماذا بعد إسقاطهما والتراجع عنهما، هل سنكون أصلحنا التعليم؟ أم فقط سنوظَف ونعود إلى نفس الطريقة القبلية، وأيضا تطبيق المرسومين بوحدهم لا يمكن أن يحدثا طفرة حقيقية في المنظومة، لأننا سنسقط في عدة إشكاليات اجتماعية، مثلا، أن يكون الشخص قد يمارس وظيفته من قبل أن يجتاز الإمتحان الكتابي والشفوي، فإذا نجح الشخص ودخل إلى المركز، فهل يغادر وظيفته أم ماذا؟ فماذا سيكون لو غادرها ولم ينجح في امتحان التوظيف، فأكيد سيكون من أكبر الخاسرين، فلا هو توظف عند الدولة ولا هو حافظ على وظيفته الأولى، فهنا ينبغي على الحكومة أن تدخل في الإصلاح الشامل للمنظومة، وتفرض على التعليم الخاص شروطها، وأن تضمن لمثل هاته الحالات على الأقل الرجوع إلى وظيفتها الأولى، لكي تكون فعلا نيتها صافية تجاه هذه الشريحة. بعيدا عن جوهر المرسومين قليلا، إلى إشكالية العنف المستمر تجاه الأساتذة، هذا الأمر يجعل الجميع يتساءل؟ ما علاقة موضوع المشروعين بالعنف، أنا أتحدث بالتأكيد عن الذي يحترم القانون، فلو كانا المرسومين دون أخطاء تذكر، لا يسمح للمس بالحريات النقابية تحت أي ذريعة كانت، مادام الأمر تحت طاولة المسطرة المتَبعة في التجمهر والاحتجاج، ومن خرج على القانون لهذا الوضع مسطرته معروفة على المستوى العالمي والدولي، فبهذه الطريقة والمنهجية المعتمدة من طرف وزارة حصاد تكون الحكومة أخطأت الطريق والطريقة المطلوب أن تتعامل بها مع الحركات الاجتماعية الاحتجاجية، هذا لن يزيد إلى القضية سوى المزيد من الاحتقان والتجذر في الخطاب عند الأساتذة، وقد يصلوا بهم الحال إلى رفع شعارات راديكالية تجاه الدولة بأكملها، فالظغط لا يولد سوى الانفجار، ولا يخلق سوى المزيد من المؤيدين للمظلوم، فمزيدا من الحكمة وإعمال العقل تجنبا للفوضى؛ إلى الحكومة أقول، لقد أخطأت وأصبت، وللأساتذة أصبتم وأخطأتم، توافقوا يرحمكم الله، واستقبلوا المصلحة الوطنية حفظكم الله، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، ولا تقولوا لي تريث واهدأ إذا اشتعلت، فإذا اشتعلت لن يهنأ البال إلا إذا احترقت.