تتسم الظروف الحالية التي تمر منها بلادنا بالمميزات التالية: هناك اعتراف إقليمي ودولي واسع بأن المغرب قطع أشواطا طويلة في مجال ترسيخ حقوق الإنسان، ما خلف احتراما لبلدنا أصبحت بعض الدويلات تحسده على ذلك، فشرعت في التعبير عن كراهيتها له عبر الانخراط في مؤامرات ضدنا. كما تحقق إجماع وطني على السياسة الحكيمة للدولة في اتخاذ قرارات وإجراءات استباقية سديدة لمواجهة انتشار وباء كوفيد 19، حيث انخرطت الدولة والمجتمع صفا واحداً في محاربة هذه الجائحة. وقد نجم هذا الإجماع عن انحياز الملك إلى جانب الشعب، عبر دفاعه المستميت عن حق الإنسان المغربي في الحياة، ما قدره المغاربة حق تقدير، فانخرطوا جماعيا في تطبيق توجيهات الدولة لإنجاح الحجر الصحي وتجنب كوارث هذا الوباء، فالتحموا بالملك، فلاح الأمل في الأفق، وأصبحنا اليوم مقتنعين بأننا سننتصر على هذه الجائحة وسنتجاوز هذه الأزمة متفائلين بالمستقبل…. كما تميزت هذه الظروف بانخراط كبير لمؤسسات الدولة في هذه المعركة، حيث انخرط بتفان كبير الأطباء والممرضون المنتمون إلى القطاع العام المدني والعسكري، وكذا إلى القطاع الخاص، ما ساعد بلادنا على الصمود في وجه عاصفة هذه الجائحة. كما سهرت السلطات المحلية وقوات الأمن والدرك والقوات المسلحة الملكية ورجال الوقاية المدنية على حسن سير عملية الحجر الصحي. وهذا ما ساهم بقسط وافر في إيقاف زحف هذا الوباء وارتفاع عدد المتعافين من المصابين به… إضافة إلى ذلك، لقد قام الملك بتأسيس صندوق مكافحة كورونا وساهم فيه بقسط مهم من ماله الخاص. وقد أقدم على ذلك بهدف اقتناء الأدوية والأسرة والمعدات الطبية. كما أن نسبة مهمة من هذا الصندوق قد خصصت لدعم المستضعفين ليمكثوا في منازلهم بهدف إنجاح الحجر الصحي. كما ساهم رجال الأعمال ومواطنون ومؤسسات عمومية وخاصة في رصيد هذا الصندوق. ويدل إنشاء هذا الصندوق والمساهمة فيه عن روح وطنية صادقة وحس اجتماعي رفيع. وقد ساهم كل هذا في خلق تضامن قوي بين الدولة و المجتمع، كما خلق ثقة بينهما، ما ساهم في تقوية اللحمة الوطنية، حيث أصبحت أكثر متانة وتماسكا، ما عمق الوحدة الوطنية. نتيجة هذه المؤشرات الإيجابية، فقد أصبح المغرب نموذجا يضرب به المثل في مختلف المحافل والبرلمانات الدولية، حيث أشاد Jean Luc Melenchon في البرلمان الفرنسي بأسلوب المغرب في تدبير الأزمة الناجمة عن وباء كرونا… إن هذه المميزات الإيجابية كلها تلمع صورة المغرب،لكن ما أستغرب له هو تداول الحكومة في إصدار القانون 20-22 الذي تضمنت مسودته ضربا لحرية التفكير والتعبير. الذي يتعارض كليا مع الدستور المغربي، كما أنه يتناقض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. إن هذا المشروع يشكل نكوصا بالنسبة للدستور والتشريع المغربيين ما سيسيئ حتما إلى صورة المغرب في الخارج كما أنه يشكل ضربة موجعة للوحدة الوطنية وللتضامن الوطني، حيث قد يخلق فتنا بلدنا في غنى عنها الآن، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل الحكومة واعية بالظرفية التي نمر منها؟ وهل تمارس السياسة فعلا بوجهها الإيجابي؟ وهل تملك حسا سياسيا؟ وهل تمتلك بصرا وبصيرة؟ و إذاكان وزير العدل قد صرح بأنه هو من وضع هذا المشروع، فإنني أتساءل كيف قبلت الحكومة مناقشته؟ حيث إننا إذا رجعنا إلى البلاغ الصادر عن المجلس الحكومي المنعقد يوم 19/03/2020 نجد أنه قد تضمن “مصادقة الحكومة” على مسودة مشروع هذا القانون، ولم يسجل أي اعتراض مبدئي من قبل أي وزير عليها، ما يعني أنهم صادقوا عليها . كما أشار هذا البلاغ إلى أن الوزراء تقدموا بملاحظات حولها و اتفقوا على تشكيل لجنتين واحدة تقنية وأخرى سياسية لإدخال هذه الملاحظات عليها. وبعد ذلك سينعقد مجلس للحكومة لاحقا للتقرير في شأن هذا المشروع قبل عرضه على البرلمان. يبدو لي من خلال بلاغ الحكومة هذا أنه لم تكن هناك أي اعتراضات مبدئية على هذا المشروع، وهذا ما يعني أنه حظي بالموافقة المبدئية من قبل جميع الوزراء. وهنا يكمن خطأ الحكومة الجسيم، لأنها قبلت الانخراط في نقاش يتعارض مبدئيا مع الدستور المغربي والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب. هكذا أرى من المشروع أن أتساءل عن دوافع انخراط الحكومة في مناقشة هذا المشروع مع أنه خارج السياق دستوريا وتاريخيا، وقد يخلق فتنا تسيئ إلى ما أنجزه المغرب في هذه المرحلة حيث توفق في كسب احترام دولي كبير نتيجة دسترته لحقوق الإنسان، ونجاحه في مكافحة جائحة كورونا، الأمر الذي لم تستطع القيام به دول عربية وإفريقية وأوروبية… وهذا ما يفرض علينا طرح السؤال التالي: لماذا انخرطت الحكومة في مناقشة هذا المشروع الآن؟ ألا تقدم بفعلها هذا خدمة لخصوم المغرب الذين عملوا على تفجير مجموعة من البلدان ويعملون على نقل التخريب إلى بلدان شمال إفريقيا وعلى رأسها المغرب. لقد عملت دويلتان من الخليج على تفجير مجموعة من الأوطان في الشرق الأوسط، حيث أنفقت جبالا من الملايير على ذلك. وكان هدفهما هو تنصيب أنظمة تابعة لهما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بهدف ريادتهما لهذه المنطقة. كما أنهما تدخلتا في تونس والجزائر بغية تدميرهما. ولم تتوقفا عند هذا الحد، بل إنهما تعملان اليوم بكل ما أوتيتا من قوة على خلق مشاكل للمغرب، حيث لجأتا إلى شن حملة إعلامية رخيصة للنيل من المغرب، لكن أنى لهما ذلك! فباسم الوحدة الوطنية، وحماية لها وصونا لصورة المغرب، ولما أنجزه من مكتسبات، أدعو الحكومة إلى سحب مشروع 20-22 الذي لا يمكنها تسويغه دستوريا، ولا حقوقيا، ولا مجتمعيا.