تسربت إلى الوعي الاجتماعي صورة فظيعة عن الإسلام لا وجود لغيرها في أذهان الناس في المشارق والمغارب بسبب ممارسات طائفة من المسلمين اعتقدوا اعتقاد العقل والعين بقدوم نهاية العالم التي تسود فيها الخلافة الإسلامية, كما وعد بها الرسول في حديث من الأحاديث. هذه الممارسات هي الإعدام والذبح والقتل بالرصاص والحرق والسطو على الأملاك وسبي النساء والنخاسة ونكاح الغلمان والحبل على الجرار. ومنذ سنة واحدة وبضعة أشهر غيرت هذه الطائفة اسمها من «داعش» إلى «دا»؛ أي الدول الإسلامية فحسب بالاستغناء عن العراق والشام، ومعنى ذلك أنها لم تعد محصورة في المكان، لأن غاياتها تمتد بامتداد الأرض والبحر؛ فالخلافة الموعودة يجب أن تشمل العالم برمته، والسيف الحاد يجب أن يكون الحكم في كل خلاف، وذبح الأعناق ملكا لكل خارج، وغزو أرض الصقيع لكل جاحدي الملة. وقد انتهى تأثير داعش بعد أن كان مجرد حركات داخلية في العراق أو في سوريا إلى نتيجة مهولة عندما استجابت الدولة المصرية لاستفزازه لها بذبح عدد من الأقباط المصريين، وتمثلت هذه الاستجابة في قصفها لدولة أخرى هي ليبيا، ما جعل الأمور تبدو على غير حالتها، إذ جرت العادة أن يتلقى المصريون قصفا من داعش، التي سترد حالما تستطيع. فلمن تُقرع الأجراس؟ إنها الحرب أيها الإخوة. إن المصريين بدفاعهم عن الدولة المدنية -أي أن المصري يظل مصريا مهما كان دينه- يجرّون أنفسهم إلى حرب في مرحلة حساسة ما زال فيه الإخوان يهددون باستقرار البلاد. ورغم أنهم يقدمون خدمة جليلة للعلمنة، إلا أنهم يجب أن يدركوا أن الخدمات التنويرية ليست بالمجان. ومهما يكن من أمر، فخطورة داعش لا ينكرها إلا من كان منهم، لكن المشكلة التي تشغلنا هنا تكمن في أن الناس لم يدركوا أن داعش تتعشش في مدارسهم عبر ما يدرس لأطفالهم من نصوص تحرض على القتل، أو في القنوات الدينية الغفيرة التي يُعلّم فيها الأطفال أدبيات الجهاد والاستشهاد، والتي تستقطب ملايين العقول وتستهوي الكثير من البشر بأساليب انفعالية وحماسية ذات قدرة كبيرة على التأثير، أو حتى في ما يقرأونه هم أنفسهم قبل يغمضوا جفونهم. أضع بين يدي القارئ الكريم هذه النصوص ولنا بعدها تعليق: «واقتلوهم حيث وجدتموهم» سورة النساء. «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» سورة الأنفال. «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» سورة الأنفال. «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» سورة محمد. «ألا تقاتلوا قوما نكثوا إيمانهم» سورة التوبة. «اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» سورة التوبة. «يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال» سورة الأنفال. «وقاتلوا المشركين كافة» سورة التوبة. «فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم» سورة التوبة. «وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم و ديارهم وأموالهم» سورة الأحزاب. «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزيهم» سورة التوبة. «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» التوبة. «جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم» سورة المائدة. إن معاني ودلالات هذه النصوص لا تخفى، وتحريضها على العنف ظاهر للعيان، وغيرها مما لم تصل إليه يداي جم وكثير، ولا مناص من القول بأن سلوكات داعش ما هي إلا صورة عاكسة لهذه الآيات، إننا نحس أثناء قراءتنا لهذه النصوص أننا أمام داعش نفسها، ولهذا اخترنا «براءة داعش» عنوانا لهذا المقال إشارة إلى أن هذه الطائفة من الشرسين نتيجة مباشرة لمعاني هذه الآيات. فما العمل؟ أخشى أن القول بصلاحية هذه النصوص لزمانها وعدم صلاحيتها لزماننا هو كفر في نظر آليات التحليل الأصولي، فكل رفض لمضامين آية من الآيات السالفة يعتبر كفرا. مما يعني أن إعادة النظر قد تطال دلالات بعض النصوص، ولكنها يجب أن تهم آليات التحليل والتفسير المعتمدة على مدى 1400 سنة، إنها تحتاج أكثر من غيرهما إلى نقد علمي صارم. إن وجهة نظري تتمثل في أن تلك النصوص كانت وليدة أسباب نزول محددة لا يمكن تعميمها على أزمان وأمكنة أخرى، ولتسويغ ذلك في أذهان الناس يكفي أن نوضح لهم أن هناك قاعدة في التفسير هي تقييد الأحكام وتعميمها، وأن هذه القاعدة ما هي إلا إنتاج لواحد من الفقهاء القدماء، وأن النص الديني إن كان مقدسا فهذا لا يعني أن الفتاوى والتفاسير مقدسة، بل إنها مجرد اجتهادات بشرية تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب. لقد حان الوقت ليُفتح النقد على مصراعيه للمفكرين والدارسين، وكان يجب لهذه المرحلة الداعشية أن تستقطب الأقلام الجديدة والجادة من كتاب وكاتبات متمرسين على آليات تحليل الخطاب، فقد رحل عنا أقطاب كبار لا شك أن حضورهم كان سيلفت الانتباه إلى أماكن جديدة لم يطرقها الكثيرون؛ يتعلق الحديث بنصر حامد أبو زيد ومحمد أركون والعشماوي وغيرهم. لنفتح باب النقد، فالإسلام الجميل لا يمكن أن تنال منه مقالة أو كتاب أو رواية، بل سيظل موجودا ما دام يخدم الإنسانية، ولابد أن يجحده الناس إن كان لا يزرع سوى البغضاء والعنف.