صادق المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 19 فبراير 2015 على مشروع قدمه ووقعه وزير الصحة يتعلق بمزاولة مهن التمريض بالمغرب، والذي يحمل رقم 13 43 . ومن وجهة نظر أولية وإجمالية، وتحديدا من حيث الشكل، فإن المشروع المصادق عليه قدّم في 13 صفحة، قسمت إلى خمسة أقسام مفصلة، حددت لأول مرة ما للممرض وما عليه، وذلك في 50 مادة قانونية يتوفر عليها النص. فالقسم الأول تطرق للأحكام العامة، والثاني لشروط مزاولة مهن التمريض بالقطاع الخاص، ثم القسم الثالث الذي تحدث عن النظام التمثيلي، بينما تناول القسم الرابع الأنظمة الزجرية والعقوبات في حق المخالفين. والقسم الأخير الخاص بالأحكام المختلفة والانتقالية. المطالع للقانون الجديد سيجد أن وزارة الصحة قدمته بديباجة اعتبرت أن مهن التمريض عرفت تطورا منقطع النظير في جميع أنحاء العالم بسبب بروز اختصاصات جديدة وتطور المستجدات العلمية في مجال التمريض خاصة، والعلوم الصحية بصفة عامة، واعترفت الوزارة كذلك لأول مرة أن المهن ظلت تزاول وفق مقتضيات ظهير شريف يعود إلى 19 فبراير 1960 ، والمتعلق بحمل صفة ممرض، والذي أصبح حسب نفس المذكرة التقديمية غير ملائم ولا يساير التغيير والتطور الحاصلين في هذا المجال. لذلك كان من الضروري أن تقنن مهن التمريض بكل أنواعها وفئاتها حماية لصحة المواطنين وضمانا لجودة الخدمات المقدمة لهم كما هو الشأن بالنسبة للمهن الصحية الأخرى المنظمة. قبل الخوض بتحليل هذا النص القانوني الجديد الذي ينظم لأول مرة في تاريخ المغرب مهنة يزاولها حوالي 32 ألف ممرض وممرضة بمختلف فئاتهم، والذين يقدمون خدمات جليلة، جد حساسة ودقيقة تتعلق بحياة ومصير المواطنين كلهم. فلا يعقل أن أحدا منا لم يكن في حاجة إلى ممرض أو ممرضة في يوم من الأيام، ( قبل الخوض) وجب علينا استذكار مقتطفات من تاريخ هذه المهنة النبيلة بالمغرب، وهي التي صنفها المجمع الأمريكي للبحوث العلمية كأنبل المهن لسنة 2014 في الولاياتالمتحدةالأمريكية. مهنة ظلت تكابد النسيان والتيه طيلة عقود دون إطار قانوني أو مرجع محيّن تستند إليه، وذلك رغم تطور عدد المزاولين لها وتعدد تخصصاتهم وكذا تزايد عدد الممرضين والممرضات المتابعين قضائيا بسبب غياب نص قانوني يحدد مهامهم، وما هو منوط بهم بالتحديد. إن الدارس والمتمعن في الصيرورة التاريخية للممرض المغربي وماهية تواجده في المنظومة الصحية منذ فجر الاستقلال يجد نفسه أمام تحولات كبيرة طبعت تواجده ومزاولته لمهامه، لن يسعنا مقالنا هذا لاستعراض كل تجلياتها وتمظهراتها، لكن يظل الطابع الأساسي الذي ميز هذه المرحلة الممتدة من 1960 إلى 2015 هو غياب ولو فقرة واحدة قانونية تحدد بشكل مدقق من هو الممرض أو الممرضة المغربية الذي والتي من المستحيل ألا تجمعنا بهم ذكرى واحدة. نعم المشرع المغربي لم يصل إلى تعريف الممرض إلا في هذا القانون الذي نحن بصدده. تصوروا معي جيدا أن القانون الذي كان يضبط ويحدد صفة الممرض أي الظهير الشريف رقم 1-57-008 الصادر في 21 شعبان 1379 الموافق ل 19 فبراير 1960 المتعلق بحمل صفة ممرض ومزاولة مهنة التمريض، قيّد ممارسة الممرض القانونية في عدد جد محدود من المهام تعد على رؤوس الأصابع، أهمها هي تحضير عدة العمل، مواكبة الوصفة الطبية، والسهر على تقديم الدواء لا أقل و لا أكثر، بينما ساد العرف الذي سار قانونا مع الوقت، في ظل غياب محددات مدققة لما هو منوط بالممرض القيام به الذي جعل الممرض يقوم بأنشطة ويقدم خدمات ليست من اختصاصه. فعلى سبيل المثال لا الحصر و ضدا عما جاء في قانون 1960 ، يقوم الممرض إلى يومنا هذا ، بمهام قياس الضغط الدموي، الجبيرة، الحقن الوريدية، الغرز إلى آخر لائحة الأعمال الطويلة، والتي تعتبر كلها مهام طبية. أما فيما يخص المولّدات فليس من حقهن حسب نفس القانون الذي يعود إلى 55 سنة خلت، مباشرة التوليد الطبيعي إلا تحت إشراف مباشر من قبل الطبيب. أما ممرضو الإنعاش و التخدير فلم يكن لهم الحق في عمليات التخدير دون تواجد الطبيب المختص. بينما تقنيو الأشعة لم يخول لهم قانون 1960 مطلقا مباشرة أعمال السكانير... هذا غيض من فيض مما كان الممرضون يعانونه من قانون أكل عليه الدهر وشرب، قانون التناقضات، ففي ظاهره ممنوع بالقانون، وباطنه الواقعي يحتم عليه العكس، الشيء الذي عرّض مرارا و تكرارا على مدار عشرات السنين الممرضين والممرضات للمتابعة والمساءلة القضائية، بدعوى القيام ومزاولة مهام ليست من اختصاصهم. وفي هذا الصدد يشهد التاريخ الحديث جدا على واقعة محاكمة قابلتي ورزازات الشهيرة التي تفجرت في سنة 2012 عقب متابعة إحدى الأسر لممرضتين قابلتين بمستشفى الدراك بورزازات، اللتين بلغتا من السن والتجربة والتضحية في قطاع الصحة وخدمة المواطن سنوات طوال لم تشفع لهن، حيث كانتا قد قامتا بالإشراف على توليد امرأة في سنة 2008 بنفس المستشفى، وكانت عملية الولادة جد عسيرة وخطيرة وظروفها كانت جد سيئة، مما تسبب في إصابة المولود بإعاقة على مستوى إحدى يديه، وقد فصلت المحكمة في القضية ابتدائيا بقبول الدعوى القضائية المقدمة شكلا ومضمونا، و مؤاخذة القابلتين بتهمة ممارسة أنشطة مهنية لا تدخل ضمن نطاق اختصاصهما، وحكمت بمتابعتهما أربعة أشهر نافذة وغرامة 900 ألف درهم، فانفجر قطاع الصحة بعده غضبا وسخطا، إذ نفذ التنسيق النقابي في ورزازات إضرابا مفتوحا عن العمل بمستشفى الدراك حيث كانت تعمل القابلتان، وكذا العديد من الوقفات الاحتجاجية اليومية على مدار شهرين أو أكثر. أما وطنيا فقد كانت الدعوة للإضراب الوطني الإنذاري لمدة 72 ساعة مقسمة على اضراببن، وجهتها 4 مركزيات نقابية كبرى بقطاع الصحة. بعدها اعترفت وزارة الصحة بمسؤولياتها وتم التدخل على أعلى مستوى، حيث حكمت محكمة الاستئناف على القابلتين في 2014 بشهرين موقوفة التنفيذ وتثبيت الغرامة المالية التي تكلفت وزارة الصحة بدفعها عن الممرضتين تفعيلا للفصل 19 من قانون الوظيفة العمومية. هذه شهادة بسيطة من بين العديد من القصص المؤلمة التي عاشها ممرضون مغاربة وجدوا أنفسهم غير ما مرة خلف القضبان وفي ردهات المحاكم متابعين لا لذنب أو معصية قانونية أو جرم قضائي اقترفوه ولكن بسبب قانون لا ينصفهم و لا يتماشى مع متغيرات الزمان و المكان، بالإضافة إلى منظومة صحية لا تأخذهم بعين الاعتبار. فالممرض قبل هذا النص القانوني الجديد كان بين مطرقة جنحة مزاولة مهام ليست منوطة به، وسندان جناية عدم تقديم مساعدة لشخص في وضعية خطيرة. فإن هو قام بمهمة ليست من مهامه حسب قانون 1960 ، فالعقوبة تنظره لأنه زاول أنشطة غير التي يؤدى عنها، وإن امتنع ووقع مكروه للمريض سار مجرما لم يقدم الإسعاف لشخص في وضعية خطيرة. و لكم أن تتخيلوا المأزق والضغط الرهيب الذي كان يمارس فيه الممرض المغربي مهامه. إصدار وزارة الصحة لقانون مزاولة مهن التمريض لم يمله فقط تطور المهنة وبروز تخصصات جديدة لم يكن يشملها القانون السابق، ولم يكن فقط جوابا من الوزارة عن كثرة الطلب على مزاولة التمريض في القطاع الخاص، بل كان بالأساس نتيجة الحراك الذي عرفه المشهد التمريضي والضغظ الكبير الذي مارسه الشارع، حيث أن موضوع استحداث قانون منظم لمهن التمريض كان موضوعا أساسيا ومحوريا في محضر اتفاق 5 يوليوز 2011 الموقع بين 4 نقابات قطاعية بقطاع الصحة هي، النقابة الوطنية للصحة العمومية ( ف د ش)، النقابة الوطنية للصحة ( ك د ش)، والجامعة الوطنية للصحة ( ا ع ش م ) والجامعة الوطنية بقطاع الصحة (ا و ش م)، ووزارة الصحة من جهة أخرى في شخص الوزيرة السابقة ياسمينة بادو، حيث أقرّ واعترف الجميع في حينه بضرورة تغيير وتتميم مواد قانون 1960 و ملاءمتها مع التطور التاريخي لمزاولة مهن التمريض عبر العالم وما يتماشى مع مكانة والأدوار الطلائعية للممرض داخل المنظومة الصحية المغربية. إن فئة الممرضين التي تعتبر من أكبر فئات موظفي وزارة الصحة عددا وكذا أكثرها تقديما للخدمات الصحية بما قدرته الوزيرة السابقة ياسمينة بادو ب 80 في المئة من الخدمات، ظلت تزاول لعشرات السنين مهام غير تلك المنوطة بها قانونا، وظل الممرض يقدم خدماته للمواطن "في يد الله" تصيب ويشكر أو تخيب فيتابع في المحاكم، إلى أن عكفت وزارة الصحة على إعداد أولى مسودات القانون التي توصل بها ممثلو المهنيين بنقاباتهم الجادة والمسؤولة بحر السنة الماضية، إذ خضعت المسودة الوزارية لتنقيح و إضافات نوعية كانت موضوع اشتغال لجان بين الوزارة والنقابات القطاعية، وذلك تحت ضغط الشارع التمريضي الذي لم يهدأ له بال في ظل غياب قانون مزاولة المهنة حديث مواكب للقرن الواحد و العشرين. إن القانون 13 43 بمثابة قانون مزاولة مهن التمريض، لا يمكن في أي حال من الأحوال، إلا أن نحيي عاليا قدومه والمصادقة عليه، وهو الذي انتظرناه بشوق ورغبة كبيرة لتطوير والنهوض بمهنة لا ينكر اثنان الأدوار الهامة والأساسية التي تلعبها والأهمية القصوى والكبيرة جدا داخل النسيج المجتمعي. إن لنص القانون الجديد مزايا عدة وحسنات كثر حيث انتقل بنا لأول مرة في التاريخ من مفهوم مهنة ممرض واحدة، إلى مفهوم مهن التمريض المتعددة التي تبلغ في الواقع 21 تخصصا، بعضها ليس له مما نستحضره في مخيلتنا عن الممرض غير الخير و الإحسان. قانون انتقل بنا من جماد سابقه الذي عفا الله عن منطلقاته القانونية منذ أمد بعيد إلى منظومة قانونية عصرية متكاملة إلى حد ما. كما يمكن القول بأن نفس القانون قد حقق نقلة نوعية في مجال التمريض، أهمها تعريفه للممرض لأول وهلة في تاريخ المنظومة الصحية، حيث اعتبر ممرضا كل شخص يقدم خدمات، حسب الشهادة أو الدبلوم الذي يؤهله لذلك، ويقدم علاجات تمريضية ووقائية وإشفائية أو ملطفة. كما اعتبر نفس القانون أن الممرض يقدم في إطار دوره الخاص علاجات تهدف إلى حفظ صحة المريض وراحته، بالإضافة إلى المشاركة في أعمال التخطيط و التأطير والتكوين والتدبير والبحث في مجال العلاجات التمريضية. كما تحدث ولأول مرة كذلك عن الدور الخاص بالممرض على غرار الأدوار المنوطة بالطبيب مما سيفسح المجال أمام تحديد أعمال خاصة جد محددة بمهن التمريض في مصنف تضعه الإدارة بعد استشارة ممثلي الممرضين. يشار كذلك في هذا الباب إلى أن القانون الجديد حصر ممارسة مهام الممرض حسب الدبلوم أو الشهادة المحصل عليها من قبل المعني وفي حدود المؤهلات المكتسبة خلال التكوين الأساسي أو المستمر، مما سيضع حدّا لبعض التجاوزات التي كان تعرفها مزاولة بعض الممرضين الذين كان يتم إكراههم على انجاز أعمال لا تدخل في نطاق ما تم تكوينهم عليه لمدة 3 سنوات. ومن المستجدات التي طبعت إصدار هذا القانون الجديد هو حصره لأول مرة كذلك المقصود بالمعنى الحرفي للممرض حيث حدده في 5 تخصصات هي " الممرض متعدد التخصصات" ، "الممرض في التخدير والإنعاش"، " الممرض في الأمراض العقلية" ، "الممرض في أمراض الشيخوخة"، "الممرض في المستعجلات والعناية المركزة" . وبهذا يكون النص قد وضع أولى لبنات الفصل بين ماهية وأدوار الممرض، و تقنيي الصحة إسوة بباقي بلدان العالم، وتحديدا فرنسا التي اتخذت من قبلنا منذ عقود نفس النموذج في التقسيم. أما فيما يخص باقي التخصصات التي تعد الآن ب 16 تخصصا، فقد تم تصنيفها إلى 3 فئات : أولا القابلات اللواتي صادق نفس المجلس الحكومي المنعقد في 19 فبراير الجاري على قانون مزاولتهن، ثانيا فئة تقنيي الصحة وتشمل العدد الأكبر من التخصصات كتقنيي الأشعة، وتقنيي المختبر، وتقنيي صيانة الأجهزة البيوطبية، وتقنيي الحفاظ على البيئة، وتقنيي الإحصائيات والمساعد الاجتماعي، حيث من المنتظر أن تصادق الحكومة على مشروع القانون الجاهز في غضون الأيام القادمة. أما الفئة الثالثة فهم فئة أخصائيي الترويض وإعادة التأهيل التي تضم أخصائيي الترويض الحركي، أخصائيي الترويض في النطق، أخصائيي الترويض النفساني الحركي، أخصائيي الترويض البصري، أخصائيي تقويم وصناعة الإطراف، وفي الأخير أخصائيي مقوم الأقدام، والتي ستخضع قوانينها المعدة والجاهزة جميعا لمسطرة المصادقة في المجلس الحكومي أيضا. أما مهام كل مهنة على حدة فستصدرها الوزارة لاحقا فيما اسماه قانون مزاولة مهن التمريض في مصنف الأعمال التمريضية حسب كل تخصص، سيكون في اغلب الظن عبارة عن مراسيم وزارية. ليبقى القاسم المشترك بين جميع الممرضين هو التسمية الإدارية والرقم الاستدلالي للوظيفة العمومية الذي يصنف الجميع كممرضين مجازين من الدولة من ثلاث درجات تبتدئ من الدرجة الثانية ثم الأولى فالاستثنائية، حسب الأقدمية وتدرج كل ممرض في أسلاك الوظيفة. التحديث و العصرنة شمل كذلك تحديد أشكال مزاولة مهن التمريض في القطاع الخاص التي قيدها القانون الجديد، إما بالمزاولة بصفة حرة بشكل فردي أو في إطار الاشتراك أو بصفة أجير في مؤسسة صحية خاصة، باستثناء مهن ممرض في الإنعاش والتخدير والأمراض العقلية والمستعجلات والعناية المركزة الذين لا يمكن لهم المزاولة في القطاع الخاص إلا في إطار الإجارة، أي العمل بالمصحات والمؤسسات الصحية الخاصة وليس بشكل فردي. وقد قيّد نفس القانون ممارسة مهن التمريض في إطار الإجارة وشدّد على شروطها بمجموعة من الضوابط لأول مرة، واضعا بذلك حدا لحالة التسيب والفوضى اللاقانونية و العشوائية التي كانت تمارس فيها هذه المهن، خاصة بالمصحات والمؤسسات الصحية الخاصة، و تحديدا فيما يتعلق باشتغال الممرضين الدائمين وديمومة حقوقهم ومستحقاتهم القانونية، حيث أخضعها جميعها لقانون الالتزامات والعقود ومدونة الشغل. قانون التمريض الجديد وضع كذلك شروطا جديدة متعلقة بإنشاء محل مهني لمزاولة إحدى مهن التمريض حيث ضبطها في الجنسية المغربية، دبلوم التمريض المسلم وفق المساطر القانونية الجاري بها العمل، وكذا خلو ذمة الممرض من أحكام قضائية سالبة للحرية، بالإضافة إلى إدلائه بشهادة طبية تثبت القدرة البدنية والعقلية على مزاولة المهنة. أما فيما يخص الأجانب فقد اشترط القانون أن يكونوا مقيمين بصفة دائمة وقانونية على التراب المغربي، وأن يكون انتماؤهم إلى إحدى الدول التي أبرمت اتفاقية مع المغرب تسمح للممرضين من مواطني كل دولة بمزاولة التمريض فيها بالقطاع الخاص. إلى ذلك، فالنص القانوني الجديد بمثابة قانون مزاولة مهن التمريض وضع قواعد جديدة ترمي إلى مراقبة مزاولة المهنة بالقطاع الخاص، حيث أوكل المهمة للجنة محلفة خاصة تحت إشراف وزارة الصحة تعمل دون إشعار مسبق، و تهدف إلى التأكد من احترام الشروط القانونية والتنظيمية المطبقة على استغلال العيادة التمريضية والسهر على حسن تطبيق القواعد المهنية الجاري بها العمل، مخولا بذلك للوزارة الوصية إذا ماعاينت مساسا بصحة و سلامة المواطن أو هما معا، أن تطلب من المحكمة المختصة إصدار أمر بإغلاق المحل. من جهة أخرى، فقد اشترط القانون أيضا على من يريد من الممرضين الاشتغال الحر عدم ممارسة أي نشاط مهني آخر كيفما كان نوعه، ولو كان حاصلا على شهادة أو دبلوم يخول له ذلك، مانعا الجمع بين مزاولة التمريض كعمل حر أو أجير والتعيين في منصب عمومي، و محددا من جهة أخرى أن قائمة الأدوية والمستلزمات الطبية أو المنتوجات الصيدلية غير الدوائية التي يمكن استعمالها من قبل الممرضين سيصدر في شأنها نص تنظيمي حسب كل مهنة على حدة. إن ما ميز كذلك قانون مزاولة مهن التمريض الجديد الذي يحمل رقم 13 - 43 أنه ضم فصلا كاملا هو الثالث تحت مسمى النظام التمثيلي، حيث تحدث عن ادوار الجمعيات المهنية في انتظار إحداث الهيئة الوطنية للممرضين والممرضات، محددا انه و بصفة انتقالية يجب على الممرضين الراغبين في المزاولة في القطاع الخاص ان ينتظموا في جمعية مهنية وطنية تخضع لاحكام الظهير الشريف الخاص بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات. تخصص هذه الأخيرة في ضمان صيانة المبادئ والتقاليد التي يقوم عليها شرف المهنة، وكذا احترام أعضائها للقوانين والأنظمة والأعراف التي تخضع لها. بالإضافة إلى التنسيق والعمل المشترك مع باقي الأجهزة الأخرى المختصة على تنظيم دورات التكوين المستمر، على أساس أن يعرض النظام الأساسي للجمعية الوطنية على وزارة الصحة من اجل مطابقته مع أحكام هذا القانون. هذا القانون الذي يعد سباقا من حيث اشتماله على قسم خاص بالعقوبات الزجرية، مرسيا بذلك أولى لبنات نسق أساسه الالتزامات، من خلال الفصل بين الحق و الواجب، بالمحاسبة والعقاب بالنسبة للمخالفين الذين لا يلتزمون ببنود هذا القانون، حيث اقر مجموعة من العقوبات الحبسية التي تصل إلى سنتين حبسا نافذا و غرامات مالية تصل إلى 20 ألف درهم.. في هذا الباب نص القانون على معاقبة كل ممرض بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية مابين 5000 درهم و20000 درهم في حق كل من ثبت في حقه ممارسة أعمال التمريض دون الحصول على شهادة او دبلوم يسمح بذلك، أو دون الحصول على اذن المزاولة بالقطاع الخاص، او الاستمرار في المزاولة بعد سحب الترخيص، وكذا استئناف العمل دون اذن. كما يعاقب بنفس العقوبة كل ممرض استمر في مزاولة المهنة بشكل حر او بالقطاع الخاص بعد تعيينه في منصب عمومي. و ينضاف في هذا الباب كل ممرض ثبت في حقه ممارسة أعمال غير تلك المنوطة به. من جهة اخرى يعاقب بالحبس من شهر واحد الى 3 اشهر و بغرامة تتراوح بين 5 و 10 آلاف درهم كل ممرض يغير شكل مزاولته للمهنة دون الحصول على إذن كما هو منصوص على طريقته بنفس القانون، وايضا كل ممرض قام بأعمال النيابة دون احترام المسطرة المنصوص عليها في المادة 37 من القانون. كما يعاقب بنفس العقوبة كل ممرض قام بتسيير محل مهني دون الحصول على الإذن المسبق المنصوص عليه. ونصّ القانون على تجريم مزاولة الممرضين الموظفين مع وزارة الصحة لأعمال مهنية بالقطاع الخاص إذ اقر غرامة مالية قدرها مابين 10 و 20 ألف درهم. علاوة على ذلك، يمكن للمحكمة التي أحيلت عليها القضية أن تقرر في الحالات السابقة المنع من مزاولة مهنة التمريض لمدة لا تزيد عن سنتين. وفي حالة العود إلى ارتكاب إحدى المخالفات المنصوص عليها في هذا القسم يضاعف مبلغ الغرامة و لا يمكن للعقوبة الحبسية أن تقل عن ستة 6 أشهر. وبغض النظر عن الجديد وما ذكرناه سابقا حول النقلة النوعية ، التميز الذي يطبع المصادقة على قانون مزاولة مهن التمريض، تظل للمهنيين بعض الملاحظات و كذا المؤاخذات على القانون التي كانت موضوع تعاليق ومحادثات فيما بينهم طيلة هذه المدة. فرغم الترحيب به لأنه أصبح للممرض المغربي قانون، حسب تعبيرهم يحميهم و يحمي مهنتهم، لكنهم اعتبروا أن القانون ناقص من حيث التعاريف، إذ لم يعرف المهن الخمس به إلا في سطر ونصف تاركا للتأويلات والاستنتاجات مساحة كبيرة، معاتبين في نفس الوقت على النص انه افرد حيزا اكبر للتحدث عن شروط وقواعد المزاولة بالقطاع الخاص على حساب التعريف الذي لم يرق بعضهم الذي تركه للنص التنظيمي الخاص بمصنف الأعمال الذي سيصدر لاحقا. كما انتقد جزء من الجسم التمريضي ، النص ومن خلاله الجهات الوصية، تعاملها مع الممرض على أساس انه أداة تفعيل وأجرأة وليس مهنيا مسؤولا بكفاءات معينة، كما اعتبروا أن القصور في التعاطي مع التطورات التي عرفتها مهن التمريض جعل هذا القانون يأتي بخلط بين المفاهيم من شأنه ان يعطي لبسا بين مسؤولية الطبيب والممرض، ناهيك عن كيفية تعاطي الممرض المزاول في المناطق القروية التي ليست بها كلها تغطية طبية، معبرين عن تخوفهم من إعادة تكرار سيناريو قانون 1960 ووقوع الممرضين مرة ثانية في سنة 2015 بين مطرقة القانون وسندان التعامل مع الحالات الانسانية. ومن هنا فإن إصدار القانون المنظم لمهن التمريض على أرض الواقع يعبر عن حماية حقوق الممرضين من جهة و المواطن من جهة أخرى تحت شعار ما هو "لك وما هو عليك". فقد ولّت الأيام التي كان فيها الممرض يشتغل دون قانون منظم للمهنة، حيث كان المواطن غافلا عن ادوار و مهمات أصحاب الوزرة البيضاء من الممرضين. وأخيرا و ليس آخرا، يبقى هذا القانون قيد التطبيق في انتظار المصادقة على باقي القوانين المنظمة للتخصصات التمريضية الأخرى، وإصدار المراسيم التطبيقية الخاصة بمصنف الكفاءات والمهام المدققة والمضبوطة لكل تخصص على حدة.