يمحو مبنى المركز الثقافي المغربي أمستردام الهولندية آثار الاستيطان التي طالته بغير موجب حق قبل سنة ونيف، بعدما لحقه النسيان لتكسوه من جديد حيوية ويستعيد حياة جديدة وطابعه العلمي، بعدما كان ملتقى للعلم وسط أعرق الأحياء الثقافية بمدينة أمستردام، ليتحول إلى منارة للعلم تتربع في قلب الأراضي المنخفضة ويشع نورها كل الأرجاء.. من المتوقع أن تفتح أبوابها في ماي المقبل. يعرف المركز الثقافي المغربي أمستردام «دار المغرب،» وهو مبنى لا تسمح بلدية أمستردام كما غيره في حي «بلانتاج» العريق، الذي شهد النور سنة 1658، بخدش جزء من جماليته أو إدخال تعديلات هندسية عليه، كونه جزءا من تراث معماري تاريخي يعود إلى العصر الذهبي لمدينة تضم عشرات من القنوات المائية، ربعها عائم، يعرف حركية عمال، مثل جيش من النمل، لا يتوانون في بناء صرح ثقافي جديد يجمع بين البعد العصري الضارب في الحداثة، والبعد الأصيل الذي ينهل من عبق التاريخ المعماري لمدينة أمستردام. هندسة ومعمار يوجد المركز الثقافي المغربي أمستردام «دار المغرب»، الذي أسبغ عليه عمال صناع تقليديون مغاربة الطابع المغربي تتناغم فيه فنون العمارة المغربية العريقة والهندسة المعمارية الهولندية، في حي يمتلك مجموعة متجانسة من المباني المزينة برقة عالية يكسو جنباتها لون الخريف حوّل ممراتها المحاذية له إلى لوحة فنية تصافح عين الزائر لمبنى «دار المغرب». تجد نفسك وأنت تخطو إلى بهوها [أثناء زيارة «الاتحاد الاشتراكي» ورش مشروع» «دار المغرب» ] قد انتقلت إلى الماضي الهولندي المعماري الجميل، من خلال العوارض الخشبية التقليدية المنتشرة فوق سقوفه وحول نوافذه. يختزن مبنى المركز الثقافي المغربي أمستردام ما يكفي من أسرار علمية وحكايات قديمة لضعاف البصر، فواجهته وأعلى مدخله الرئيسي ما يزال يحتفظ باسم يحيل على مهمة المبنى الأولى، وهي مهمة اجتماعية ل«جمعية إسعاف ضعاف البصر المعطلين وذوي الحاجة». فإلى حدود منتصف القرن الماضي، كان المبنى، الذي تحول اليوم إلى «دار للمغرب» ، دار كانت ملاذاً يلتئم فيها ضعاف البصر منذ 1896وتقدم خدمات للمعطلين منهم ذوو الحاجة.. مثلما انتشرت بجانبه مؤسسات اجتماعية وخيرية متعددة، قبل أن يتحول مقر «جمعية إسعاف ضعاف البصر المعطلين وذوي الحاجة» سنة 1962 إلى يضم المئات من أنواع الحشرات ويضم العشرات من أمهات الكتب العلمية ذات الصلة بالمجال. ويعد المركز الثقافي المغربي في أمستردام الذي يقع في وسط أحد أعرق الأحياء الهولندية في مدينة أمستردام والذي سيستفيد منه أزيد من 82 ألف شخص من أفراد الجالية المغربية المقيمة أمستردام وأيضا سكان مدينة أمستردام التي تضم أكثر من 180 جنسية، الثانية ضمن مجموعة من المشاريع المماثلة التي أنجزت أو توجد قيد الإنجاز في ست من كبريات المدن العالمية (مونريال، بروكسيل، أمستردام، طرابلس، تونس، مانت لا جولي). وتنتصب هذه المؤسسة، التي تستحق أن تكون منارة للثقافة والعلوم والفن، بعدما تعود إليها توهجها بعد الانتهاء من أشغال البناء والترميم، في قلب مدينة أمستردام بحي «بلانتاج» الذي تستمد منه طابعها التاريخي الذي جعل منها : مصنفة في الفئة الثانية من بنايات المدينة المعمارية التاريخية. وهو الحي العريق، الذي كان جزءاً من مخطط التوسعة الرابع الذي عرفته مدينة أمستردام غير بعيد من الحديقة البلدية الأقدم في هولندا، وكذا على بعد أمتار من مسرح هولندا واستوديوهات أمستردام وبوابة العصر الوسيط والحديقة البلدية الأقدم من نوعها في العالم والحديقة النباتية. إن المركز الثقافي المغربي «دار المغرب»، الجاري ترميمه في أمستردام، والذي يعد الأول من نوعه في هولندا، يعتبر منارة ثقافية تكرس قيم التعددية والانفتاح والتسامح تروم التعريف باللغة والثقافة المغربية، كما ستعكس «دار المغرب» بفضل موقعها الاستراتيجي في قلب مدينة أمستردام، غنى وتفرد الصناعة التقليدية والثقافة المغربية، كما من شأنها أن تساهم في الترويج التعريف بالنموذج المغربي القوي والغني بفضل الإصلاحات العميقة التي أقدم عليها المغرب والأوراش التنموية الكبرى التي يقودها في كل المجالات.. فضلا عن الرصيد التاريخي للمغرب كبلد للانفتاح والتسامح وفضاء لتعايش وتفاعل الحضارات والثقافات. ارتباط ثقافي ويحرص طلال الجنان، القنصل العام للمغرب بمدينة أمستردام، بتنسيق مع الوزارة المكلفة بالمغاربة القاطنين بالخارج وشؤون الهجرة، على الإشراف على متابعة تفاصيل أشغال بناء وترميم المبنى، تجسيدا للعناية السامية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس إلى الجالية المغربية المعنية في الخارج وهو الحرص ذاته الذي سبق وعبر عنه جلالة الملك محمد السادس قبل سنة ونيف في الرسالة الملكية الموجهة إلى سفراء المغاربة في الخارج، حين أكد جلالته على الاهتمام أكثر ب«الديبلوماسية الثقافية وإعطائها ما تستحق من دعم وتشجيع» وقال جلالته: «أما بخصوص الدبلوماسية الثقافية، فينبغي إعطاؤها ما تستحقه من دعم وتشجيع، وخاصة من خلال إقامة دور المغرب، والمراكز والمصالح الثقافية بالخارج، وتكثيف الأنشطة الفنية، وتنظيم المعارض، للتعريف بالرصيد الحضاري والثقافي العريق للمغرب، وتعزيز إشعاعه دوليا، والتعريف بهويته الموحدة الأصيلة، والغنية بتعدد روافدها». ويروم المركز الثقافي المغربي «دار المغرب»، كما شبكة المراكز الثقافية التي يعتزم المغرب إنشاءها «توطيد أواصر ارتباط مغاربة هولندا بوطنهم الاصلي» لضمان «الحفاظ على هويتهم الوطنية» من خلال منهم فضاء متجددا قادرا على احتضان الأنشطة الثقافية والتربوية وإبداعات الشباب الفنية حتى يصير جسرا للتلاقي والحوار بين الأفكار والثقافات التي تزخر بها مدينة أمستردام. وقد صادقت الحكومة المغربية الأسبوع الأول من شهر دجنبر الماضي على مشروع مرسوم يقضي بإحداث وتنظيم مراكز ثقافية بالخارج، يحمل كل واحد منها اسم «المركز الثقافي المغربي دار المغرب». ويندرج هذا المشروع، الذي تقدم به الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أنيس بيرو، في إطار تنزيل الفصل 16 من الدستور الذي ينص على أن المملكة المغربية تعمل على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج وتحرص على الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم، ولاسيما الثقافية منها، وتعمل على تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية. ويتضمن المشروع مقتضيات تتعلق بكيفيات إحداث وتنظيم وسير هذه المراكز الثقافية، وكذا المهام التي تضطلع بها فيما يخص صيانة الهوية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج والمساهمة في التعريف بالثقافة المغربية بمختلف روافدها. كما ينص المشروع على تحديد المهام التي يضطلع بها مدير المركز، وعلى إحداث لجنة وزارية تتولى تحديد التوجيهات العامة لعمل هذه المراكز والإشراف عليها وتتبع وتقييم حصيلة أنشطتها. ومن شأن المركز الثقافي المغربي، الجاري ترميمه في أمستردام، والذي يعد الأول من نوعه في هولندا، أن يشكل واجهة جيدة للمغرب في جميع الأوجه الأصيلة والحديثة ويعكس المبنى الجديد غنى وتفرد الصناعة التقليدية والثقافة المغربية لجعل السياح الأوروبيين يزورون المغرب، وسيساعد، أيضا، بفضل موقعه الاستراتيجي في قلب مدينة أمستردام، المدينة العالمية التي تعرف كل سنة تدفقا كبيرا للسياح، في إشعاع المملكة وتعزيز ثقافتها وتقاليدها والروابط بين الجالية المغربية والوطن، كما سبق وأن قال أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة بمناسبة زيارته في وقت سابق ورش هذا المشروع . وتضم هذه المؤسسة الجديدة، التي بلغ الغلاف المالي لإنجازها أزيد من نصف مليون درهم على مساحة 3000 متر مربع وتم تشييدها وتجهيزها وفق نمط يعكس الفن والثقافة المغربيين و وفق رونق معماري يجمع بين المقومات التقليدية للتراث الثقافي المغربي والتطور العصري المعماري الهولندي والموزعة على مستويين يشملان قاعات متعددة الاستعمالات، وقاعة للعروض، ومكتبة، وخزانة متعددة الوسائط، وفصولا لتدريس اللغة العربية والتاريخ والفن والحضارات، وفضاءات للأطفال وأخرى للاجتماعات وفضاء التوثيق والانترنيت وفضاءات للفنون، والموسيقى ومبنى الإدارة . ويندرج إحداث «دار المغرب» في إطار سياسة المملكة الرامية إلى النهوض بالثقافة والحضارة المغربيتين عبر ربوع العالم، وتشجيع اندماج المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج في مجتمعات دول الاستقبال، مع المساهمة في تمتين روابطهم ببلدهم الأصل. وللإشارة قد عاش المغرب في إطار نفس الدينامية تجربة إطلاق المركز الثقافي الافتراضي الذي ويهدف إلى توفير قاعدة تجعل الجالية المغربية على ارتباط دائم بوطنها، إذ يعرض المركز برمجة متعددة الاختصاصات تضم التراث الثقافي، وتشمل معطيات تاريخية، وما قبل التاريخ، والجغرافيا والموسيقى، وكذا الفن التصويري، والتصميمي والحكايات. كما ستقدم القاعدة بانتظام الإصدارات الجديدة والمهرجانات والمعارض، وغيرها من التظاهرات الفنية والثقافية المستجدة بالمغرب. تعبير وتواصل وأوضح عزيمان، أن المركز الثقافي الافتراضي، سيمكن مبدعين وفاعلين ثقافيين آخرين من التعبير والتواصل حول الفن، والأدب، والسينما، من خلال التحاليل والأخبار، وورشات التبادل والتشارك، مضيفا أن المركز سيقدم، أيضا، لوحات وتصاميم كبيرة، لإبراز إنجازات ومسالك وتجارب فنية مهمة، ورواقا افتراضيا لمعارض ينجزها فنانون مغاربة مقيمون بالخارج، ليشكل جسرا بين الفن والثقافة بالمغرب وبين إسهامات مغاربة الخارج. وهي التجربة التي قال عنها أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، جاءت لتعزز المبادرات الحكومية الرامية إلى الحفاظ على الوشائج الإنسانية مع المغاربة المقيمين بالخارج، لاسيما الثقافية منها، ويقوي مجهودات الحكومة من أجل تنمية الأواصر الإنسانية مع الجالية المغربية، وصيانة هويتها الوطنية. وأبرز بيرو أن الفصل 16 من الدستور ينص على أن المملكة المغربية تعمل على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج وتحرص على الحفاظ على الوشائج الإنسانية لاسيما الثقافية منها، وتعمل على تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية، وأن الحكومة صادقت على مشروع مرسوم ينص على إحداث وتنظيم مراكز ثقافية مغربية بالخارج، يحمل كل واحد منها اسم «المركز الثقافي المغربي-دار المغرب». ويتضمن المشروع، حسب بيرو، مقتضيات تتعلق بكيفيات إحداث وتنظيم وسير هذه المراكز الثقافية، والمهام التي تضطلع بها في صيانة الهوية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج، والمساهمة في التعريف بالثقافة المغربية بمختلف روافدها. وأوضح أن المركز الثقافي الافتراضي يستجيب لتطلعات الجالية المغربية بالخارج، خصوصا الجيل الرابع، لارتباطه بالوسائل التكنولوجيا الحديثة، وكذا للتحولات، التي يشهدها العالم.