بعد سنتين ونيف على مقتل ابنها ضابط الصف المظلي عماد ابن زياتن في مدينة «مونتوبان» جنوبفرنسا، برصاصات غادرة من «الذئب» الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح، الذي أرعب فرنسا بكاملها بعد سلسة اغتيالاته لأبرياء مسلمين ويهود، تستحضر الدارالبيضاء روح الفقيد عماد وتستعيد مع والدته لطيفة ابن زياتن شريط فاجعة الفقدان وألم الفراق. يغتال «الذئب» محمد مراح ضابط الصف المظلي عماد ابن زياتن، الذي أضفت عليه الحكومة الفرنسية صفة «متوفى من أجل الأمة» ومنحته وسام جوقة الشرف من درجة فارس، غير أن الفارس عماد سيظل، كما تردد ذلك والدته غير ما مرة في محافل متعددة، سيظل «فخورا بخدمة بلده» فرنسا. تنتزع حمامة السلام، التطوانية لطيفة إبن زياتن صفة «متوفى من أجل الأمة» من الحكومة الفرنسية، التي شكلت منطلقا للاعترافا الرمزي والمستمر من الجمهورية الفرنسية بإبنها عماد وبزملائه جواد وأبيل الذين قضوا معه بسبب بالرصاصات غادرة من «الذئب» مراح لتواصل استحضار روحه أينما حلت وارتحلت. تختار لطيفة ابن زياتن، الأم المفعمة بالأمل التي لا تفارقها القبعة العسكرية لإبنها، أن تواصل المسير إلى «الأمام» وتنضم إلى صف «الآخرين» الذين لم يحظوا بالحب وبالتربية والتأطير اللازمين كي لا يخطئوا الطريق ويتحولون إلى «ذئب قاتل» مثل محمد مراح، رافضة الاستسلام واختارت الانتقام من الجهل والظلامية بأنبل الوسائل. فبعدما أقدمت على تأسيس «جمعية عماد ابن زياتن للشباب والسلام» تتحول لطفية إبن زياتن، السيدة التطوانية ووالدة عماد، إلى شخصية عمومية لتقرر الخروج إلى العلن والحديث أمام الجميع، شخصيات فرنسية ودولية، وتحاور الشباب في كل المدن الفرنسية، كما لو أنها تردد بداخلها «أريد شيئا يجعل إبني يظل معنا على الدوام وأن لايطاله النسيان، أريد أن أراه يكبر معنا.». تنتقل السيدة التطوانية، التي تمتلك من الشجاعة ورباطة الجأش، من ربة بيت لا تخالط الناس إلا لماما، إلى شخصية عمومية تتحدث بعبارات واثقة ومفعمة بالأمل كلما التقت الشباب للحديث عن الارهاب وضحاياه، عبارات نافذة مثلها مثل التي ضمتها في دفتي كتابها «موت من أجل فرنسا» تضمنه تجربة فقدانها فلذة كبدها عماد الذي اختطفه منها «التطرف الديني». وتتساءل ابن زياتن من خلال كتابها المجتمع والسياسات الفرنسية، وتطرح من خلال قصة استقرارها بفرنسا وتربيتها لابنها، يوميات الهجرة والاندماج بكل ما تفرضه من أسئلة وإشكاليات، خاصة كيف يمكن جعل الأبناء مواطنين فرنسيين دون القطع مع أصولهم، وكيف يمكن ممارسة الشعائر الدينية دون المساس بأسس الدولة. وهكذا، تتحول حرقة فراق لطفية إبن زياتن لإبنها عماد بسبب الموت إلى فسحة أمل من أجل الحياة، عازمة بالرغم من هول فاجعة موت مفاجئ «أفقدها ابنا وصديقا» أن تواصل الصمود رفقة أسرتها وزوجها أحمد، نشر قيم السلم والتسامح ونبذ الارهاب والتطرف . فمنذ مقتل عماد، لم تتوان، لطيفة ابن زياتن، التي غادرت المغرب في سن ال19، عن النضال من أجل تحسيس الشباب المنحدر من الهجرة بانحرافات التطرف الديني، حيث ذهبت للقاء الشباب في الإعداديات والثانويات لتنقل لهم رسالتها للسلام والتسامح. فخلال تقديم كتابها بالدار البيضاء أمام حضور كثيف أبدى اهتماما كبيرا بقصتها، قالت حمامة السلام التطوانية، لطيفة بن زياتن، وهي تتحدث بنبرة حزينة عن تجربتها في فقدان ابنها، «"أشكر جلالة الملك محمد السادس لدعم جلالته ورعايته السامية ومساعدته المهمة التي مكنتني من التماسك لمواصلة معركتي من أجل ذكرى ابني"» لتضيف "«أشكر بلدي العزيز، المغرب، الذي لم ينسني في هذه اللحظات العصيبة» قبل أن تخلص الى القول "«المغرب أمي لي ولداتني وفرنسا بّا لي رباني"». يموت ضابط الصف المظلي عماد ابن زياتن، الذي افتقدته فرنسا كما المغرب، رحمه الله فتولد امرأة لم يخبرها الفرنسيون من قبل كواحدة من أبناء الجالية المغربية في فرنسا، سيدة جدت واجتهدت في تربية أبنائها على حب الوطن والآخر.