سكون مرتجف كمن على رأسه الطير.. وحدها القطط تموء وتقفز مداعبة الخواء. حزينة هي القطط حتى في لعبها وفرحها الناقص ونطها المقيد. أرتّب انطوائي على شكل خريطة همس أنا الذي تعودت على ضجيج الحركة.. وألفت المشي طولا وعرضا، واتخذت من عود الريح جوادا أسابق به خيالي وأقراني والجان. الدارالبيضاء الليلة تلعق جرحها الغائر وتترقب، في ذهول المبهور، ما عسى أن يجود به العد من تناقص في منسوب المرض والموت الخفيين. في الماضي كتبت عنها مسرحية أسميتها «مدينة العميان» وفي هذا الليل، اليوم، تبدو لي بعيون جاحظة.. عيون تَرى ما لا يُرى إلا الجهة التي يأتي منها الوباء تبقى مجهولة.. عيون صقرية حادة النظر ترصد كل شيء وخاصة الأرقام على الشاشات.. عدد الإصابات.. عدد الحالات الجديدة.. عدد الوفيات.. عدد وعدد. بين عماء البارحة وبصر الليلة، مسافة التاريخ والجغرافيا تحتاج إلى بصيرة.. وبين رقم ورقم ، يتسع الأمل ويضيق.. أسرح في ملكوت الرحمان وأعود إلى خلجاتي أستعرض شغب مدينة لم يبق منه غير طيش الخارجين عن الحظر والحجز والحجر، ومغامرة المجبرين من فرط الحرمان والفاقة والحاجة. أما العشوائيون والجهلة والمتنطعون، فتلك قصة أخرى. مدينتي لم تتعود على هذا السكون المريب.. هذا الصمت الرهيب.. هذا الترقب المخيف.