عراقجي في الجزائر .. هل تُخطط إيران للهيمنة على شمال إفريقيا عبر قصر المرادية ؟    تفكيك لغز جثة سد أسمير بالفنيدق.. وفاة بسبب جرعة زائدة وتوقيف 5 مشتبه فيهم    توقيف "فسي".. سقوط أحد أبرز مروّجي الكوكايين بين طنجة وتطوان    طعنة في القلب تنهي حياة مراهق بطنجة    ابتدائية تمارة تصدر حكمها في حق المتهمين في قضية "صفع قائد"            المنتخب المغربي يتأهل لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا لاقل من 17 سنة بفوزه على جنوب إفريقيا    المغرب يواصل تألقه السياحي: 4 ملايين زائر في 3 أشهر فقط والطموح يصل إلى 21 مليوناً    الأحرار ينوه بمبادرة تشكيل مهمة استطلاعية حول استيراد الأغنام ويعبر عن رفضه القاطع لكل محاولات تهجير الشعب الفلسطيني    سفير مصر بالمغرب يشيد بدور جلالة الملك في دعم القضية الفلسطينية    "الكاف" تختار زياد باها أفضل لاعب    تنسيق أمني يُجهض محاولة تهريب دولي ل25 طناً من مخدر الشيرا بسيدي قاسم (صور)    بايتاس: آلية الرقابة شأن برلماني    شركة Balearia تُطلق خطا بحريًا جديدًا بين طريفة وطنجة المدينة وتُخطط لأول ممر أخضر" بين المغرب وإسباني    فضيحة للوزير السكوري.. خبير سيبراني حذّر من ثغرة خطيرة بموقع وزارة التشغيل قبل "تسريبات جبروت" بخمسة أيام        بايتاس: الهجمات السيبرانية على مؤسسات حكومية "إجرامية" وتستهدف التشويش على نجاحات المغرب الدبلوماسية    زيدان: دعم المقاولات موجه للمشاريع التي لا تفوق قيمتها الاستثمارية 50 مليون درهم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    لليوم الثالث... آلاف الطلبة يتظاهرون دعما لغزة ورفضا للتهجير    تورط ديبلوماسي جزائري في فرنسا بمحاولة اغتيال معارض بارز يحمل صفة لاجئ سياسي    10 حقائق عن استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية والاجتماعية!    حقائق بخصوص عمليات استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية    أكثر من نصف الأمريكيين ينظرون سلبيا لإسرائيل.. استطلاع جديد يكشف تداعيات حرب غزة    الصحافة والثقافة        أمطار قوية تصل إلى 70 ملم مرتقبة بعدد من الأقاليم الجمعة والسبت    مسؤول إسباني .. التقارب الثقافي وسيلة ممتازة لتعزيز العلاقات المغربية الإسبانية    الدار البيضاء تحتضن الدورة الثانية من المسابقة المغربية لأفضل أصوات الكورال العربي        توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    أسود الفوتسال يكتسحون الصين بثمانية أهداف ويحافظون على الصدارة الإفريقية في تصنيف الفيفا    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    تحليل | لماذا فرض ترامب على المغرب رسوما جمركية أقل من الجزائر؟    لامين يامال يحقق رقما قياسيا في دوري الأبطال    طنجة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فيوجن المغرب 2025    باختياره المغرب ضيف شرف، يحتفي مهرجان باريس للكتاب ب "قوة" و"حيوية" المشهد الأدبي والنشر في المملكة (رشيدة داتي)    لقاءات مغربية-ألمانية في برلين حول فرص الاستثمار في المغرب    المغرب والفليبين يحتفلان بنصف قرن من العلاقات الدبلوماسية    ماكرون: فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو    مظاهرة حاشدة أمام السفارة الجزائرية في باماكو    "الهاكا" تلزم "دوزيم" ببث الأذان صوتيًا    روبيو يجدد تأكيد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ويؤكد "قوة" الشراكة بين الرباط وواشنطن    توقيع اتفاقية شراكة بين الجامعة الملكية المغربية للشطرنج والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدرالبيضاء سطات    ليفربول يتقدم في التفاوض مع صلاح    مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    المغرب يحفز نقاشات أكاديميين أفارقة وأمريكيين حول "آداب الاغتراب"    شباب قسنطينة: مواجهة بركان صعبة    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة حقيقية على هامش «الربيع العربي»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 02 - 2015


ذات مساء ربيعي هادئ جدا
« عوض أن تلعن الظلام أوقد شمعة «
- مثل صيني
كنت أجلس في مشربي المعتاد ، وعيناي على شرفة النزل المقابل للنافذة ، محاولا إلهاء نفسي عن التفكير في ما يجري حولي من فوضى سائبة ومن عبث في التسيير والتدبير والعيش أيضا ، أحلم بسفرة طويلة / ذهاب بدون إياب ، أنا أعرف وجهتي ، وأقول لنفسي : « لا عليك ، اعتبر نفسك سائحا أعمى وأصم ضاع منه جواز سفره ، ولا تبال « ، أقول ذلك وأضحك من نفسي ،،، وإذا بأحد « رفاق الأمس» اقترب مني وحياني بمودة فائقة ثم طلب مني أن أنضم إلى طاولة «الرفاق الجدد «، هكذا قال . اعتذرت له وسألته عن غيابه الطويل ، لم نكن قد تراءينا منذ حوالي ثلاث سنوات ، فأصر على أن ألتحق بهم ، فأعدت الاعتذار وتمنيت له شربا لذيذا ، وعدت بعيني إلى شرفة النزل ، لكنه ظل واقفا وعيناه اللتان تقدحان بالسكر مغروستان في رأسي ، ثم قال وكأنه يتقيأ : « الشارع يناديك «، وحين بدا له أني لم أدرك قصده أضاف بنفس اللهجة : « كفانا من العدمية ومن ثقافة الصالونات ، انتهى زمن البرجوازية الصغرى ، الشعب في حاجة إليك وإلى أمثالك « ، يا إلهي ، من أكون حتى يكون الشعب في حاجة إلي ؟ و من يكون هذا التروتسكي الغيفاري الماوي - الذي كانت قدرته على الجهر بآرائه في سنوات الرعب والفوبيا أينما حل وارتحل - تحيرنا وتدفعنا إلى الاحتراس ؟ احتسيت كأسي على مهل ورفعت رأسي إليه وابتسمت مكرها ، هو يعرف هذه الابتسامة التي كان يعقبها دائما غضب جارف ، ولذلك ربت على كتفي وقال بابتسامته الشبيهة بابتسامة كلاوس كينسكي الكلبية : « اترك كأسك في مكانها وتعال اجلس معنا قليلا ، فأنت رفيق رغم كل شيء « ،،، جلست إليهم : كانوا يشربون النبيذ وكأنهم يشربون الشاي البارد المتبقي من الأمس،يدخنون دفعة واحدة وملامح الاستياء بادية على وجوههم ، كأنهم يستلذون الألم والمرارة واليأس وما بعده ، ولم أكن أطيل النظر إليهم حتى لا أحرجهم ، وكانوا من حين لآخر يهمون بمساءلتي ثم يقمعون هذه الرغبة التي كانت نظراتهم المرتبكة تفضحها ، ولذلك استفرد «رفيق» الأمس بالحديث عن متطلبات المرحلة وضرورة النزول إلى الشارع ، لأن الوقت يمضي بسرعة و «علينا أن نعجل قبل أن يسترجع النظام أنفاسه «، ولم يكن حديثه «الفوري « هذا يحرك لدي نفس المخاوف القديمة ، ثم التفت إلي وقال : « ما رأيك ؟ « قلت : «في ماذا ؟ « شعر بالإهانة وصرخ حتى أثار فضول الزبناء المجاورين : « هل تسخر مني ؟ أنا أسألك رأيك في ما يحدث الآن وفي هذه الثورة الشعبية التي يخوضها شباب الحركة وأنت لست هنا ، ألا ترى ما يحدث في الشارع العربي ؟ « ، قلت له إني أتتبع ذلك عبر القنوات التلفزيونية العالمية ، ولم أقل له إني أتتبع ذلك أيضا مباشرة في شوارع بعض المدن المغربية : أقف كسائر الواقفين على رصيف المظاهرة وأحاول أن أقرأ الشعارات المرفوعة وأسمع الشعارات المرددة ، وأقرأ حتى وجوه المتظاهرين الغامضة ( معظمهم شباب ) ، لكن شيئا واحدا يظل يحيرني : « ما سر هذه اليقظة المفاجئة لشعوب ورعايا أدمنت الطاعة والتبريك والتقرب إلى أولي الأمر بكل الوسائل واستجداء الحقوق ومعاداة العقل ومساكنة الخرافة وما جاور ذلك من شوائب ؟ من أثارها ومن حركها ومن سماها ؟ هل أثارها موت ذلك البائع التونسي المتجول الذي لا يعلم أحد بالدافع الحقيقي لسلوكه ؟ أم أثارتها عوامل سياسية واقتصادية أخرى ؟ ولماذا تواقتت هذه الانتفاضات في أكثر من بلد عربي بنفس الشعارات والمطالب وآليات التحرك والتواصل ( الفيسبوك والتويتر) ؟ أم إن أيادي خفية هي التي وضعت السيناريو بأكمله ومهدت لتدابير تنفيذه في أماكن وأوقات محددة وفق أجندة بعيدة المدى وضمن مخططات جيوسياسية مرسومة ؟ وأي ربيع هذا الذي تقطف فيه الأرواح بالجملة ؟ لم أقل ل « رفيق» الأمس هذا ، ولم أسمع ما كان يلغو به طوال جلوسي شاردا بينهم ، وحين وقفت مستأذنا في العودة إلى طاولتي أمسك بيدي شاب نحيف تغزو وجهه شعيرات لحية غير مكتملة وبادرني بالسؤال : « وما رأيك أنت كمثقف في حركة 20 فبراير ؟ «، ثم شرب كأسه جرعة واحدة وأخرج سيجارة أشعلها بأصابع مرتعشة وهو ينتظر مني جوابا ، لكني لم أقل له إني لست مثقفا مسلحا بنظرية جاهزة ،بل أنا مجرد كائن طاطاوي فاسي جرماني تستدرجه أحلامه المستحيلة إلى ما لا تحمد عقباه فلا يندم على شيء ، ولم أقل له إن أجمل ما حققته هذه الحركة على نحو غير مباشر هو مساهمتها في تشغيل المعطلين المعتصمين بكيفية وقائية استعجالية عملت على تمييع الوظيفة وشروطها ومقتضياتها من كفاءة وتمرن وجاهزية بما سينعكس سلبا في المستقبل ( في مجال التعليم بوجه خاص) على جيل بأكمله ، ولم أقل له إن الحركة قد أصابتها ، منذ اندلاعها ، الهجانة والاندفاع الهستيري والرفض المطلق ، وتسبيق الفعل على التفكير والتأمل والتخطيط ، والزعامات الطارئة والانشقاقات الغامضة والتكتلات الضيقة وسيل من الاجتهادات التي لا تثبت على حال ، لعدم وضوح رؤاها وافتقارها إلى أرضية إيديولوجية شمولية لديها ( على غرار ما سبقها من حركات نضالية سابقة ك» 23 مارس» و» إلى الأمام» بفصيليهما الطلابيين الطلائعيين : القاعديين والديمقراطيين )، واتخاذها من طرف البعض مطية لإثارة الشغب المجاني أو موضة احتجاجية لا علم لها بمستلزمات القانون ولا بأخلاقيات النضال المنظم ( ولو في السر) ، ولم أقل له على سبيل الختم إن الحركة الآن ، حسبما يبدو من خلال الأنشطة السوسيو ثقافية التي يمارسها داخل الأوساط الشعبية من أسميهم ب « حكماء الحركة» ، قيد التطور من حركة احتجاجية جرفتها موجة « الغضب العربي» إلى قوة فاعلة على المستوى التثقيفي والفني والبيداغوجي ، بعد اقتناعها بأن المرحلة السياسية الحالية التي يعيشها المغرب هي مرحلة تستوجب استثمار « النوايا « الديمقراطية وتحويلها بالتدريج إلى حقوق ثابتة توفر للجميع فرص الاستفادة من خيرات البلاد الطبيعية والحضارية ، والتعبير عن الرأي بصواب دونما خوف ولا تزلف ، والمساهمة المواطنة في تيسير اليوم وتهييء الغد ، واعتماد مبدأ التعايش والتشارك والتكافل والتشاور ميثاقا مجتمعيا غير قابل للانتهاك ، ولهذه الغاية يحتاج هذا الشعب الذي يحلو للجميع أن يتحدث باسمه إلى تربية ثقافية تؤهله ، قبل أن « ينزل إلى الشارع « ، إلى الإلمام بحاجياته المادية وغير المادية وشروط تحقيقها وفق ما تمليه جدلية الحق والواجب ، وفي غضون هذا التمرن السوسيوثقافي يتشكل الوعي السياسي الحضاري الذي يؤهل الفرد لاكتساب قدرة على التفكير والتأمل والتعبير والدفاع عن حقوقه والالتزام بواجباته . لكني حين لاحظت ما هو عليه من انتظار للإجابة قلت له مازحا : « كيف تسألني عن حركة 20 يبراير ونحن في شهر ماي ؟ « ، ثم تركت المكان أمام دهشة « رفيق « الأمس الذي ارتسمت على وجهه بوادر الإغماء ( كان مصابا بداء السكري) وأنا اردد في نفسي : ياله من مساء ربيعي هادئ جدا...
عزيز الحاكم
(شاعر/ سينمائي/ كوريغراف)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.