كيف تناست دول العالم صراعاتها لمواجهة صراعها من أجل البقاء؟وهل وحدت الخسائر الاقتصادية والبشرية الجميع ووضعت العالم أمام حقيقة خطر وجودي على بقاء الانسان على هذه الأرض؟ كيف تتنحى الصراعات جانباً وتصغر وتضمحل أمام الخطر الوجودى الجمعي؟ وهل نكون نحن البشر أكثر انسانية وتضامنا عندما يوحدنا خطر تهديد البقاء؟ أسئلة عديدة طرحتها الأزمة البشرية الحالية فى مواجهة فيروس كوفيد 19 أو كما يعرف بالكورونا؛ فبين عشية وضحاها أغلقت معظم دول العالم مطاراتها وموانئها البحرية والبرية منعا لانتشار الفيروس؛ وملايين من البشر أصبحوا فى حالة حجر صحي في انتظار القادم المجهول، وتبقى البشرية بأسرها مستنفرة خائفة بل مذعورة فى انتظار الأسوأ. لقد باغت هذا الفيروس العالم بنسخة متطورة جينيا حدثت نتيجة طفرة ما فى هذا النوع من الفيروسات؛ فكوفيد 19 ينتمي إلى عائلة الكورونا أو الفيروسات التاجية كالسارس والميرس والتي فتكت بالبشرية في ما سبق؛ إلا أن الكوفيد 19 أصبح لديه القدرة على التخفي من أجهزة المناعة لكثير من البشر، واكتسب قدرة فائقة على استخدام آليات استنساخ الحمض النووى للخلية البشرية عبر آلية معقدة من التحايل على جهاز المناعة؛ وبالتالي أصبح أكثر فتكا بضحاياه، ورغم أن نسبة الوفيات من المصابين لا تتعدى 4% من المصابين؛ والذين زاد عددهم عن 100 ألف مصاب إلا أن الذعر الحقيقي من هذا الفيروس يكمن فى سرعة انتشاره وسرعة فتكه بضحاياه الذين يتمكن منهم؛ وكذلك فى قلة المعلومات الإكلينيكية عن كيفية تصرف هذا الفيروس بعد الطفرة الجينية التي حدثت له مما يجعل إيجاد لقاح مضاد أو علاج له مسألة تستغرق بعض الوقت. هذا الفيروس الذى كان قبل تلك الطفرة الجينية يصيب الحيوانات فقط لا يتعامل مع أجهزة المناعة البشرية بأسلوب واحد؛ فثمة مرضى أصيبوا بهذا الفيروس وفتك بهم خلال أيام، وثمة من أصيب بالفيروس ولم تتعد الأعراض التى ظهرت على المصاب أعراض الانفلونزا العادية وشفي منه؛ وثمة آخرين أصيبوا بالفيروس ومر عليهم مرور الكرام وشفوا منه دون أى أعراض، وكذلك لم يكن لعمر المصاب أية علاقة بتطور الحالة. من هنا يتضح أن هذا الفيروس يتعامل مع الجسم البشري طبقا للخارطة الوراثية للبشر وبتمييز واضح وهو ما يعزز لدى البعض فرضية أن هذا الفيروس كان نتاج تسريب خاطئ من مختبرات أبحاث بيولوجية؛ وأن هذه الطفرة فى الحمض النووي للفيروس لم تكن طفرة طبيعية بل كانت بفعل خبراء بيولوجيين؛ وعندما نتحدث عن تسريب خاطئ فهذا أمر بديهي لأنه ليس من مصلحة أي كان بدء حرب بيولوجية لأنه وبكل بساطة من سيبدأها لن يكون هو قطعا من سينهيها؛ وعندئذ فهو كمن يطلق النار على رأسه وليس قدميه ؛ خاصة أن العالم اليوم هو بمثابة جسد واحد يسري فيه دم واحد محمل بكرات دم اقتصادية واحدة تسري فى كل أجزائه، ورأينا مطلع الأسبوع الماضي حالة الانهيار فى البورصات العالمية فى أوروبا والولايات المتحدة واليابان والصين نتيجة الوضع الحالي الذى يعيشه العالم جراء انتشار الكورونا. يتوجب على العالم استخلاص عدة دروس من الأزمة الحالية:- – أولاً : أن البشرية بكل ما تمتلك من مقومات تراكمية من العلوم التجريبية ومن تطبيقاتها التكنولوجية ضعيفة جدا كطفل لايزال في مهده ليس له من أمره شئ فى مواجهة أضعف الكائنات الحية كالفيروسات التى تصنف فى علم الأحياء بأنها عتبة الحياة باعتبارها حلقة الوصل بين الجماد والكائن الحي. – ثانياً: يجب على العالم الانتباه للموازنات المخصصة للأبحاث العلمية فى جانب مكافحة الفيروسات والبكتيريا؛ وخاصة تلك التي تستند إلى الخرائط الجينية؛ وزيادة موازنات تلك الأبحاث التي لا يقارن الإنفاق عليها بالإنفاق العالمي المفرط على تطوير تكنولوجيا التسلح التقليدي وغير تقليدي . وفى الختام وبعد متابعتنا للعالم وكيف يبدي قدرا كبيرا من التضامن في مواجهة الفيروس؛ وكيف أصبح الجميع أكثر إنسانية في مواجهته كونه خطرا وجوديا على حياة البشرية، فيا حبذا لو تقربنا مثل تلك الأزمات من إنسانيتنا كبشر بعيدا عن قومياتنا ومعتقداتنا وانتماءاتنا الضيقة التي تكمن فى وجودها انتمائنا الإنساني الذي توحدنا فيه آلامنا كما آمالنا ليتأكد لنا أنه بعيدا عن كل الانتماءات ثمة انتماء فطري أسمى وأكبر اسمه الانتماء للإنسانية . أستاذة علوم سياسية