اعتبر كل من حضر تأبين الفقيد المرحوم محمد بلحاج منصور أن كلمة مصطفى الكثيري المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير تعتبر بحق شهادة صادقة في حق الفقيد وعملية تتبع ورصد لمسار نضاله المستميت لأجل وطنه ومما جاء فيها: «..تشاء الأقدار الإلهية أن تلبي داعي ربك وترحل عنا إلى دار الخلد والبقاء وأن نودعك في هذا المحفل المهيب وقلوبنا مكلومة من هول المصاب الجلل الذي لا مرد له ولا عزاء لنا في فقدانك سوى قول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم «انك ميت وإنهم ميتون». وهاهم إخوانك ورفاقك على درب الكفاح الوطني ومحبوك ومقدور أفضالك يحضرون ويحتشدون ليشيعوا جثمانك الطاهر إلى مثواك الأخير، تحفك العناية الإلهية ويشملك حب وتقدير كل من عرفوك وعايشوك وجايلوك سواء إبان فترة الكفاح الوطني وملحمة التحرير أو على درب البناء والنماء وإعلاء صروح الوطن غذاة الاستقلال. تغيب عنا اليوم وقد خلف هذا المصاب الجلل أسى وحسرة ولوعة الفراق في نفوس أسرتك الصغيرة والكبيرة لكنها مشيئة الله تبارك وتعالى ولا راد لقضاء الله وقدره ولا نملك إلا الإيمان والتسليم لحكمته ومشيئته سبحانه وتعالى فهو المحيي والمميت وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وليس لنا في هذه اللحظة المؤثرة ووقفة الوداع الأخير إلا أن نتوجه إلى الباري عز وجل أن يتغمدك بواسع رحمته ومغفرته وعميم رضوانه وستظل ذكراك وسيرتك الجهادية الحافلة بالمواقف الخالدة منقوشة في أذهاننا بمداد الفخر والاعتزاز أنت الوطني الكبير الذي تشبعت منذ نشأتك الأولى بالقيم الإسلامية الحقة وبالروح الوطنية الملتزمة والمواطنة الايجابية. كنت يرحمك الله من الوطنيين الأوائل ومناضل الساعات الأولى حيث التحقت بالعمل الوطني بل كنت أحد أعمدته، ونتذكر ونستحضر جهادك وادوارك في حركة المقاومة السرية والفداء حيث تجشمت عناء الاعتقال والتنكيل وكنت خير مدافع عن قضايا وطنك تجهر بالحق ولاتخاف في الله لومة لائم، ابي النفس كريم الأخلاق لطيف المعشر خفيف الظل، انخرطت في العمل الوطني بحماس وتطلعت إلى المستقبل بثقة واستطعت بفضل هذه السجايا والخصال الحسنة ان تبصم تاريخ الكفاح الوطني من اجل الحرية والاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية وعودة الملك الشرعي من المنفى . عشت مراحل حياتك النضالية بين الكلمة الملتزمة والفعل الهادف وبين العقيدة والسلوك القويم فتألق اسمك في المسيرة الجهادية التي تحقق بها عهد الحرية والاستقلال حيث بصمت بأياديك البيضاء مسيرة عملك النضالي بحكمة واقتدار واتزان وتفان ونكران للذات وبقيت على العهد إلى أن وافاك الأجل المحتوم مخلدا بخصالك وأعمالك حياة مكللة بالمكرمات وفضائل الأعمال التي ستبقى راسخة في ذاكرة كل محبيك ومريديك ينهلون من معينها النابض قيم الوطنية الحقة وأخلاقيات المواطنة الايجابية والمسؤولة والفاعلة والتشبث بالمثل العليا والذود عن المقدسات الدينية والوطنية. كنت يرحمك الله من قادة المقاومة بهذه المدينة المناضلة إلى جانب الرواد من أمثال الشهيد محمد الزرقطوني والتهامي نعمان، الحسن العرايشي وسليمان العرايشي والحسين برادة ومحمد سعيداجار بونعيلات وعبد السلام بناني وآخرون حيث كنت من الأوائل الذين كونوا الانوية الأولى للمقاومة السرية بالدار البيضاء وشارك شخصيا في تنفيذ مجموعة من العمليات الفدائية بمختلف أنحاء المدينة قضت مضجع السلطات الاستعمارية . ونتيجة لذلك تعرضت للاعتقال وذقت شتى أنواع التعذيب والتنكيل وصدرت في حقك في محاكمات مختلفة أحكاما بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة. لقد نذرت نفسك وروحك وحياتك مؤمنا بقضية وطنك ومتعلقا بمقدساته مثابرا في اتصالاتك وعلاقاتك بأقطاب الوطنية عاملا من أجل إعلاء راية وطنك وحريته ووحدته، وكنت من صفوة أعلام الوطنيين الذين يعتز بهم ويبر بهم الوطن، تجهر بالحق ولا تخشى في الله لومة لائم . ويشهد لك الجميع بصفاء سريرتك وحسن سيرتك ونبل أخلاقك وسمو مقاصدك ولطف معشرك وصدق رفقتك، كنت راسخ الإيمان قوي الصبر ورفيع القدر متشبعا بروح الإسلام الحنيف. وأذكر لك وأتذكر والذكرى تنفع المؤمنين وجهك البشوش وقلبك المفتوح ولسانك الذي يلهج بالكلمة العذبة كما اكبر فيك تواضعك وطيبوبتك واقدر التزامك ووفاءك وكلها من شيم المؤمنين الصادقين الذين اصطفاهم الله في خلقه . وقد واصلت الجهاد الأصغر التحرري بالجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي وإعلاء صروح الوطن، وانخرطت بقوة في النضال من أجل العدالة الاجتماعية وبناء المجتمع الديموقراطي الحداثي ضمن الحركة الإتحادية الوليدة، وكنت أحد مؤسسيها، وتوليت مواقع قيادية في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبعده حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وترشحت للغرفة التجارية والصناعية سنة 1960 حيث انتخبت أول رئيس لها بالمغرب المستقل. كما نلت ثقة المواطنين،وانتخبت عضوا برلمانيا عن مدينة الدارالبيضاء في الانتخابات التشريعية لسنة 1963. وصفوة القول، انك كنت من خيرة الناس ومن معدن الوطنيين الأتقياء الأصفياء الذين آمنوا برسالتهم النبيلة وأدوا واجبهم الوطني أحسن ما يكون الأداء . وعندما ألم بك السقم واشتد عليك في الآونة الأخيرة تحملت الأمر بصبر وشجاعة الصابرين وإيمان المؤمنين المحتسبين، وأثناء زياراتي وعيادتي لك بالبيت المتكررة، لكم لمست مشاعر ومظاهر التعاطف والتراحم في وجوه حشود الزوار والوافدين لعيادتك والمحيطين بك من عائلتك واهلك وذويك وكلهم أمل وتفاؤل في أن تتجاوز علة المرض الذي الم بك وألزمك الفراش، لكن إرادة الله شاءت أن تلبي داعي ربك وتلتحق بجواره، فهنيئا لك بلقاء ربك بعد حياة جاهدت فيها وأعطيت الكثير وقدمت جليل الأعمال الصالحات، فلله ما أعطى ولله ما اخذ. وسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا. والله نسأل أن يرحم روحك الطاهرة وأن يبوئك مقام صدق عند مليك مقتدر في أعلى عليين وان يسكنك فسيح جنانه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كما نسأله تعالى أن يلهم اهلك وذويك ورفاقك ومعارفك جميل الصبر والعزاء والسلوان.