شيعت عصر يوم الاثنين جموع غفيرة المقاوم المجاهد محمد منصور إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء، حيث ووري الثرى بحضور ثلة من المعارف والأصدقاء والمقاومين والسياسيين والنقابيين والمجتمع المدني.. وبحضور أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتقدمهم الكاتب الأول إدريس لشكر، وابن المرحوم المقاوم محمد منصور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مصطفى الكثيري ، حيث قال في حق المرحوم « تشاء الأقدار الإلهية أن تلبي داعي ربك وترحل عنا إلى دار الخلد والبقاء، وأن نودعك في هذا المحفل المهيب وقلوبنا مكلومة من هول المصاب الجلل الذي لا مرد له « وأضاف « هاهم إخوانك ورفاقك على درب الكفاح الوطني ومحبوك .. يحضرون ويحتشدون ليشيعوا جثمانك الطاهر إلى مثواك الأخير، تحفك العناية الإلهية ويشملك حب وتقدير كل من عرفوك وعايشوك وجايلوك سواء إبان فترة الكفاح الوطني وملحمة التحرير أو على درب البناء والنماء وإعلاء صروح الوطن غداة الاستقلال « وختم مصطفى الكثيري، المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير« نسأل الله أن يرحم روحك الطاهرة وأن يبوءك مقام صدق عند مليك مقتدر في أعلى عليين وأن يسكنك فسيح جنانه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كما نسأله تعالى أن يلهم أهلك وذويك ورفاقك ومعارفك جميل الصبر والعزاء والسلوان «. وقد خبرته السلطات الاستعمارية رجلا مقداما لا يخاف في حب بلاده وثوابتها لومة لائم، ومقاوما مجبولا من تربة الأبطال الأفذاذ، حوكم بالإعدام في زمن المقاومة، واشتهر بكونه المجاهد ذي القبرين،لأن الراحل محمد الخامس طلب الاحتفاظ بالقبر الذي أعدته السلطات لدفنه بعد إعدامه. بعد الاستقلال، سارع مع ثلة من الوطنيين، إلى خدمة البلاد من موقع المسؤولية ، حيث تولى مهمة عامل إقليمالحسيمة، قبل أن تطارده السلطات وآلة الاستبداد، بسبب مواقفه من الحكم، وبسبب آرائه، التي التقى فيها مع آراء المقاومين من رفاق السلاح والمثقفين التقدميين والطبقات الشغيلة في الدعوة إلى مواصلة تحرير الإنسان والأرض. وقد دفع الفقيد الكبير ثمن مواقفه بالغالي والنفيس، لكنه استطاع، رحمه الله، أن يثبت صلابته النموذجية والفريدة في مواجهة كل الإعصارات السلطوية، وانخرط في استراتيجية النضال الديموقراطي بكل جوارحه، وظل وفيا لاختيارات الاتحاد الاشتراكي ورموزه وقيمه ونبله، بعيدا عن الأضواء، بقوة الأبطال الكبار و لا يحمل سوى قلبا يضخ دما ينبض بحرارة المغرب وأبناء المغرب. لقد فقد الوطنيون والمناضلون من كل الأعمار رجلا نموذجيا ومقاوما فذا ومجاهدا ورجلا صبورا وعقلا راجحا مزج بين صلابة الموقف وواقعية الحركة والفعل، ثابت ثبات المؤمنين الصامدين والأوفياء.. بقي منصور هو منصور، رجلا وفيا لسيرته الوطنية وصار من أقرب المقربين للقائد الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، وانتخب عضوا بالمكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي للقوات العشبية بعد المؤتمر الاستثنائي في 11 يناير 1975، إلى جانب الشهيد عمر بنجلون ومحمد اليازغي والمرحومين الدكتور عبد اللطيف بنجلون والمفكر محمد عابد الجابري. إلى أن طاله الاعتقال مرة أخرى سنة 1981، في شتنبر، بعد بلاغ المكتب السياسي الشهير للإتحاد ضد فكرة الاستفتاء بالصحراء المغربية التي قبلها الملك الراحل الحسن الثاني في القمة الإفريقية لنيروبي، حيث قضى فترة بسجن لعلو بالرباط إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد الحبابي ومحمد الحبيب الفرقاني قبل صدور الحكم بسنة على بوعبيد واليازغي والحبابي وإطلاق سراحه هو رفقة الفرقاني. وبقي عضوا بالمكتب السياسي بعد كل المؤتمرات الاتحادية، إلى أن استقال منه بعد استقالة اليوسفي الاحتجاجية بعد تزوير الانتخابات غير المباشرة لسنة 1993، وإفشال مشروع التناوب الأول، تضامنا مع رفيقه الكبير سي عبد الرحمان اليوسفي، ولم يستأنف مهامه في قيادة الحزب سوى مع عودة اليوسفي من منفاه الاختياري بفرنسا سنة 1995. وبقي تيرمومتر تفاعله الحزبي والسياسي مرتبطا بترمومتر اليوسفي، عنوانا لجيل سياسي مغربي، بأخلاق سياسية ونضالية وطنية رفيعة، عنوانها النزاهة ونظافة اليد وجرأة الموقف، إلى أن لقي ربه فعليا، راضيا مرضيا، كما تعلمنا الآية القرآنية الكريمة.