احتضنت الدوحة يومي 16 و17 فبراير مؤتمرا دوليا قارب إشكاليات مطروحة اليوم على الجسم الاعلامي في علاقته مع وسائل التواصل الاجتماعي ..وتلك الفورة التكنولوجية التي رسمت الفجوة بين الصحافة الكلاسيكية والإعلام الرقمي ..بما أنتجته اليوم من فروق جعلت الصحافة.. والورقية على الخصوص تعيش وضعا أقل مايمكن أن يوصف به ..أنه وضع مأزوم لايزال المهنيون في داخله يبحثون عن أجوبة معلقة ومقلقة ..في المقابل تظهر الهيمنة الواضحة للوسائط الجديدة التي لاتعير اهتماما للمهنية ولالأخلاقياتها ..وحتى للكفاءة والتكوين الرصين ..ماساعد على انتشار الاخبار الزائفة وتوجيه عملية الاخبار الوجهة التي يقف وراءها متخصصون ومستفيدون من هذا الوضع الذي لم يتوقف عند تتفيه النقاشات وتعميم الرداءة ..بل بات يهدد لحمة المجتمعات وتاريخها وأنظمتها السياسية .. المؤتمر المذكور ناقش الحاضرون فيه.. الممثلون لأكثر من 300 منظمة وجامعة ومؤسسات فكرية وصحفية وشبكات اجتماعية كبرى ونقابات عمالية من دول عربية وأفريقية وأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا وأمريكا اللاتينية..»وسائل التواصل الاجتماعي ..التحديات وطرق تعزيز الحريات وحماية الناشطين»… يونس مجاهد، رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، نيابة عن 600 ألف صحافية وصحافية حول العالم ..تدخل بصفته تلك ..مؤكدا أن « التكنولوجيات ساهمت في تطوير النضال الديمقراطي، خاصة في البلدان التي لا تتوفر فيها صحافة حرة ، غير أن النشطاء السياسيين و الحقوقيين أصبحوا يتعرضون للتضييق والاضطهاد، مما يستوجب التقدم في وسائل حمايتهم، واعتبار هذه المسألة حيوية وذات أولوية لدى كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصة نقابات الصحافيين مضيفا في معرض حديثه :»إننا نتطلع لأن تكون الخلاصات في هذا الملتقى، مساعدة على التقدم في احترام حرية الصحافة والحق في التعبير…ولأهمية كلمة الزميل يونس مجاهد ..ننشرها في الجريدة بقليل من التصرف … يشرفني أن أشارك اليوم في هذه الجلسة الافتتاحية، باسم الاتحاد الدولي للصحفيين الذي يضم نقابات وجمعيات المهنيين في الصحافة والإعلام، عبر العالم، والذين يقدر عددهم في اتحادنا بحوالي 600 ألف صحافية وصحافة.. من الواضح من تركيبة اتحادنا، أننا ننظم نقابات الصحافيين، وأن عملنا في مجال حرية الصحافة والإعلام ، يرتكز بالأساس على الأدوار المتعددة التي تقوم بها هذه النقابات في مجتمعاتها، سواء من حيث تنظيم المهنيين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، أو في حماية الصحافيين وكل العاملين في قطاعات الإعلام تجاه ما يتعرضون له من اعتداءات وتعسفات ومضايقات أثناء ممارسة واجبهم المهني. كما اننا نعتبر أن الدفاع عن حرية الصحافة ركن من أركان عملنا ، لأنه لا يمكن تصور أي مجتمع ديمقراطي ، دون وجود صحافة وإعلام مستقلين عن نفوذ السلطة والمال، لذلك نرافق ونقود مع تنظيماتنا عبر العالم، نضالات متواصلة لتغيير القوانين التي تحد من حرية الصحافة ونسعى إلى أن تكون كل وسائل الإعلام، سواء كانت مملوكة للقطاع الخاص أو الدولة، في خدمة التعبير الحر والحق في الاختلاف والتعدد ، وأن تقوم بواجب الخدمة العامة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية و أخلاقيات مهنة الصحافة . إننا نعتبر أن ممارسة حرية الصحافة جزء أساسي من حرية التعبير، بمفهومها الشامل، التي تعني حق كل مواطن في اعتناق الآراء وتلقي الأخبار والأفكار ونشرها وبثها… لكن ممارسة حرية الصحافة تقتضي كذلك الخبرة والكفاءة والمهنية. غير أنه إذا كان في السابق أمر ممارسة حرية الصحافة عبر النشر والبث ، محدودا في الوسائل التي أصبحت تسمى اليوم كلاسيكية، فإن حق ممارسة حرية التعبير والنشر والبث أصبح متاحا لكل مواطن، و ذلك بفضل التطور الهائل الذي تشهده تكنولوجيات التواصل الحديثة. و يمكن أن يعد هذا ثورة كبرى مشابهة لتلك التي أحدثها اكتشاف المطبعة ، في مسار وتاريخ البشرية. لقد فتحت هذه الثورة إمكانيات كبيرة لتطور حرية التعبير ، وسمحت لكل من يرغب في المشاركة بالنشر والتعليق ونقل الأخبار والأحداث والمواقف ، ولذلك شكلت فتحا هائلا لصالح النشطاء السياسيين الحقوقيين وغيرهم من الذين يرغبون في التعبير عن أفكارهم وتصريفها، ورغم التحديات التي خلقتها للصحافة الكلاسيكية ، فإنها أتاحت لها إمكانيات جديدة في وسائل وطرق عملها. وقد كنا مدركين في الفيدرالية الدولية للصحفيين لهذه التحديات، لذلك خصصنا لها دراسة دولية من خبراء عبر العالم، وعرضنا خلاصاتها في مؤتمرنا الذي نظمناه في مدينة كاديس الاسبانية سنة 2010 ، حيث اعتبرت الدراسة أن تكنولوجيات التواصل الحديثة، تشكل فرصة لتطور الصحافة والاعلام، لكنها في نفس الوقت تطرح مشاكل بنيوية، مرتبطة بطبيعتها سواء في المنافسة القوية للإعلام الكلاسيكي، وخاصة الصحافة الورقية، وكذلك تقليص حصة الإعلانات في هذه الصحافة، وخطورة سيطرة الشركات الكبرى على الفضاءات الصحافية والاعلامية، وسيادة سلطة المال على هذا المجال، مما يهدد استقلالية الصحافة والديمقراطية. وأكدنا آنذاك أن الوعي بهذه التحديات يستوجب العمل الجماعي، لحماية مهنة الصحافة، لأن صحافة المواطن لا يمكن أن تشكل بديلا عن العمل المهني، الذي يعتمد على الخبرة والكفاءة والخضوع لمعايير المهنة والأخلاقيات المتعارف عليها في الصحافة. كما اعتبرنا أن تقوية العمل النقابي في مجالات الصحافة والإعلام لحماية مهنة الصحافة، ضروري لأن المجتمعات ، لحد الآن، لا يمكنها الاستغناء عن هذه المهنة، كما أنه من واجب الحكومات التدخل للحد من سيطرة المال واحتكارات الشركات الكبرى للحفاظ على استقلالية الصحافة والإعلام. الآن، وبعد مضي عشر سنوات على مؤتمر كاديس، يتوضح بما لا يدع مجالا للشك أن لهذه الأسئلة راهنيتها، لكن في سياقات جديدة وتطورات متسارعة ، مازالت متواصلة، بل ربما تتعقد أكثر من السابق. لقد ساهمت هذه التكنولوجيات الحديثة في التواصل، لتطوير النضال الديمقراطي، خاصة في البلدان التي لا تتوفر على صحافة حرة وعلى تجارب ومؤسسات ديمقراطية، غير أن النشطاء السياسيين الحقوقيين الذين استفادوا من هذه التكنولوجيات ، أصبحوا يتعرضون للتضييق والاضطهاد، مما يستوجب التقدم في وسائل حمايتهم، واعتبار هذه المسألة حيوية وذات أولوية، لدى كل المدافعين عن حقوق الإنسان، و من بينهم، خاصة نقابات الصحافيين، التي ينبغي أن تساهم بدورها في تعزيز حرية التعبير. غير أنه بالإضافة إلى لجوء بعض الحكومات لأساليب التضييق والقمع، للحد من قوة وانتشار الأخبار والأفكار المناقضة لسياستها، فإن العديد من الحكومات ومجموعات الضغط والمصالح أصبحت تلجأ كذلك لأساليب أخرى في استعمال سلبي لحرية التعبير عبر الوسائط الرقمية، وذلك بتمويلات ضخمة لتمرير دعايتها، عبر استعمال العديد من التقنيات لتضليل الرأي العام وإغراق الفضاء الرقمي بالدعاية والإشاعة، وأحيانا مهاجمة المعارضين، باستعمال مكثف لهويات مزيفة وللجيوش الإلكترونية والروبوت وغيرها من وسائل التأثير الاصطناعي. بالإضافة إلى كل هذا ، فإن المنصات والشركات الكبرى في مجالات التواصل الرقمي، أصبحت تنتج مختلف الوسائل لتسهيل هذه العمليات، ولا يهمها سوى ما تحققه من أرباح. لقد سمح هذا الوضع بتطور ما يسمى بالفايك نيوز والمحتويات السيئة في التعبير والنشر والبث ، كما تم استغلال هذا التطور في التكنولوجيات الرقمية ، من طرف الجماعات المتطرفة لنشر خطاب الكراهية والعنصرية وغيرها من المضامين التي تناقض حرية الرأي والحق في الاختلاف والتعددية والمساواة. بل أكثر من ذلك، فقد تم استغلال الوسائط الرقمية لتمرير خطابات السب والقذف والتجسس على الحياة الخاصة للناس ، وهي ممارسات أصبحت مقلقة، تتضاعف آثارها المدمرة باستمرار. وإذا كان من الضروري أن نؤكد على ضرورة حماية الحق في التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، فإننا مطالبون كصحافيين ونشطاء ومسؤولين في منظمات بأن ندرك الأهمية القصوى، التي تكتسيها مسألة مواجهة الأضرار الجانبية للتكنولوجيات الحديثة في التواصل، وأن تلعب أدوارا طلائعية في ذلك، ولا يمكن أن نقبل استغلال الأضرار الجانبية، كمبرر يتيح لبعض الحكومات التراجع عن الحريات أو تكريس سياسة التضييق عليها لكل تقنية ميتافيزيقية، أي أبعادها الفلسفية والأخلاقية وتأثيراتها على السلوك البشري وعلى العلاقات الاجتماعية، وهو ما يحصل مع الثورة الرقمية، لذلك فنحن مطالبون بالتعامل معها، والمساهمة في حملات تخليق استعمال هذه الوسائط، والبحث عن سبل التقليص من هذه الأضرار الجانبية، وإصلاح الأخطاء، وتطوير الصحافة والمضامين ذات المصداقية، كما من واجبنا أن نعتبر التربية على الإعلام حقا من حقوق المواطن ، في عالم تتطور فيه التكنولوجيات الرقمية بشكل لا يمكن التنبؤ بما سينتج عنها. وعلى الصحافة الجيدة أن تلعب دورها في تعزيز حرية التعبير والمساهمة الفاعلة في الفضاء الرقمي، أي مرافقة التحولات والمساهمة الإيجابية فيها…..