ينهي وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازنوف زيارته المكوكية إلى الرباط وهو يشيد بجهود المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ويعلن توشيح مديرها عبد اللطيف الحموشي لتأكده من «خبرة» و«فعالية» جهازه الاستخباراتي وتوفره على كنز من المعلومات بشأن «الخلايا النائمة» ممن يشتبه في ضلوعهم في مشاريع إرهابية خاصة بعد الاعتداء الإرهابي على مقر الصحيفة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» ،واحتجاز وقتل رهائن بمتجر لبيع المواد الغذائية اليهودية بباريس. لم يكن لوزير الداخلية الفرنسي وهو القادم من العاصمة باريس للتباحث مع نظيره المغربي محمد حصاد من بد، إلا تأكيد أن دور المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني حاسم في التعاون بين الرباطوباريس في مجال مكافحة الارهاب ، وهو الأمر الذي سبق وأكده جلالة الملك محمد السادس والرئيس فرانسوا عندما أبرزا عزم الرباطوباريس على مكافحة الإرهاب سويا، وعلى التعاون التام في مجال الأمن. فبالرغم من أن التعاون الأمني والقضائي بين المغرب وفرنسا، وكذا تبادل الخبرات والمعلومات بين أجهزتي أمن باريسوالرباط لمكافشحة الإرهاب والتطرف الديني، وتعزيز التعاون في المجال الأمني، عرف «اهتزازا» كبيرا لحظة «أزمة الرباطوفرنسا» التي امتدت لحوالي السنة، لم يعترف بخطورته وضرورته، سواء وزير الداخلية الفرنسي بل رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس وكذا وزيرة العدل كريستيان توبيرا، بل أيضا الرئيس الفرنسي إلا بعد الأحداث الارهابية التي عاشتها باريس مؤخرا. كما كانت العديد من الأصوات، ضمنها سياسيون وخبراء، قد ارتفعت في فرنسا تطالب الحكومة بالسعي إلى استئناف مسلسل التعاون الأمني والقضائي مع المغرب، والذي تضرر بسبب سلسلة من الخطوات غير المحسوبة، ومن بينها حادث الشكاية التي تم تقديمها ضد المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بباريس. هكذا، فاعترافا بالدور الهام والجوهري للمغرب في المعركة العالمية ضد الإرهاب أعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف، السبت بالرباط، أن بلاده ستوشح قريبا المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي بوسام جوقة الشرف من درجة ضابط. ويشكل توشيح عبد اللطيف الحموشي بأهم وأكبر الأوسمة التي تمنحها الجمهورية الفرنسية لشخصية أجنبية، بعد أن كان ضحية واقعة قضائية غريبة في فبراير 2014، فوق التراب الفرنسي، اعترافا واضحا وصريحا بمهنية وفعالية الأجهزة والمصالح الأمنية المغربية، وخطوة تسير في اتجاه وضع حد لكل المساعي والجهود التي سعت إلى تسميم العلاقات بين فرنسا والمغرب. وتجدر الإشارة إلى أن تفاني وجدية الأجهزة الأمنية المغربية، قد حظيت في أكتوبر الماضي، بتقدير واحترام كبيرين من طرف بلد آخر صديق للمغرب، ويتمثل في اسبانيا التي وشحت المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومديرين مركزيين بالمديرية، تقديرا ل«الدور الذي يضطلع به المغرب في مجال السلم والأمن في العالم». وتأكيدا على انخراط المغرب الجدي في الدفاع عن أمنه وأمن الدول الشقيقة والصديقة، فقد ترجم كازونوف قناعة ثابتة لدى فرنسا بقوله إن «المغرب يعد شريكا أساسيا لضمان الأمن ومكافحة الإرهاب. وهو أمر ثابت بالدرجة الاولى في مجال الاستخبارات، المجال الذي يتوفر فيه المغرب على تجربة مهمة، والذي أبانت فيه مصالح الأمن عن فعاليتها من خلال تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية خلال الشهور الاخيرة». وأشار برنار كازونوف إلى أن «فرنسا سبق وأن وشحت الحموشي سنة 2011 بوسام جوقة الشرف من درجة فارس، وتعبيرا منها عن تقديرها له، ستوشحه قريبا بوسام جوقة الشرف من درجة ضابط»، مشيدا ب«خبرة» و«فعالية» الأجهزة الأمنية المغربية. فقد شكل ذلك تعبيرا من وزير الداخلية الفرنسي عن احترام فرنسا وتقديرها للمغرب ورجاله المخلصين. ويعتبر بيرنار كازنوف أول مسؤول رسمي فرنسي يزور المغرب بعد لقاء القمة الذي جمع جلالة الملك محمد السادس بالرئيس فرانسوا هولاند يوم الاثنين بقصر الإيليزيه، والذي من دون شك شكل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، وفتح آفاقا جديدة في العلاقات الرباطوباريس بعد التوصل الى اتفاق لتعديل الاتفاقية المغربية الفرنسية للتعاون القضائي، الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى من طرف وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، ووزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا، والذي توج مباحثات تم الشروع فيها قبل عدة أشهر من قبل حكومتي البلدين، من أجل إيجاد الحلول الملائمة لتجاوز هذه المرحلة من الفتور في العلاقات الفرنسية المغربية، والحفاظ على طابعها الاستراتيجي. وقال كازونوف ««نأمل مواصلة تعميق التعاون في المجال الأمني»»، مضيفا أنه اتفق مع نظيره المغربي أيضا على مواصلة العمل سويا في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والاتجار في المخدرات. وأضاف «لقد قررنا أيضا تعزيز مجال التعاون بين مصالح الوزارتين، والزيارات المتبادلة بين المنسقين ستمكن من تعميق هذه العلاقات». وحسب وزير الداخلية الفرنسي، فإن مكافحة التطرف تشكل أيضا مجالا آخر للتعاون مع المغرب، لاسيما وأن المغرب أضحى« مرجعا» بفضل الجهود التي تبذلها من أجل الترويج لصورة الاسلام المنفتح والمتسامح، سواء في صفوف مغاربة الخارج، أو في محيطها الإقليمي. ونوه في هذا الصدد بتجربة المغرب في مجال تكوين الأئمة في الخارج، مضيفا أن «أمامنا الكثير لنقوم به في هذا المجال»». ويعتبر الإسلام الديانة الثانية في فرنسا بنحو3.5 مليون مسلم اضافة الى ما بين 2300 و3000 مسجد ومصلى، إضافة الى أن فرنسا تحتضن أكبر جزء من الجالية المغربية المقيمة في الخارج ب1.3 مليون نسمة. واعتبر وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازنوف أن «الاعتداءات ضد المسلمين «غير مقبولة، مؤكدا أن الحكومة «لن تتسامح» مع مقترفي هذه الاعتداءات . ولم يفت كازونوف، خلال هذا اللقاء، أن يجدد إدانة فرنسا «القوية للاعتداءات ضد المسلمين في بلاده إثر هجمات باريس الاخيرة، معتبرا أن الاعتداء على مسلمين بسبب معتقدهم الديني، هو اعتداء على فرنسا. وبحسب إحصائيات المجموعة المناهضة للإسلاموفوبيا في فرنسا، فقد ارتفع عدد الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا بنسبة بلغت 70 بالمائة مباشرة بعد الهجمات الجهادية في أوائل يناير مقارنة مع نفس الفترة من 2014 . وقال إن «أمامنا الكثير لنقوم به مع المغرب لتفادي أي خلط بين الإرهاب والإسلام»، مؤكدا أن هجمات باريس الهمجية لا علاقة لها بالإسلام، ولا يمكن أن تنسب لأي ديانة أو ثقافة. وتعيش الرباطوباريس اليوم تقاربا كبيرا، لم يكن ممكنا قبل سنة من الآن منذ أن اندلعت يوم 20 فبراير الماضي الأزمة بين المغرب وفرنسا عندما قام سبعة عناصر من الشرطة الفرنسية بمحاولة تبليغ استدعاء قضائي إثر شكايات قضائية تم رفعها بفرنسا ضد عبد اللطيف الحموشي، بشأن اتهامات حول تورط مزعوم في ممارسة التعذيب بالمغرب، بمقر إقامة السفير المغربي بباريس، غير أن هذا التقارب الذي يرى فيه البلدان مساهمة في انفراج الأزمة السياسية والديبلوماسية ودفعة جديدة للعلاقات المتعددة بين الرباطوباريس، يجد فيه البعض مجالا لإشعال فتيل التوتر بين باريسوالرباط واستدامة الأزمة. وكان المغرب قد احتج بشكل قوي على هذا «الحادث الخطير وغير المسبوق»، مشددا على أن مثل هذا التصرف يتنافى والأعراف والقواعد الديبلوماسية المعمول بها، ومن شأنه «المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل الذي ساد دائما» بين البلدين. كما يعتبر أساسا نتيجة للاتصال الدائم بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي، وهو الاتصال الذي لعب دورا حاسما في الخروج من هذه الأزمة، ومن أجل مزيد من الهدوء في العلاقات الثنائية ضمن روح الثقة والاحترام المتبادل .