أكثر عمدة مدينة الدارالبيضاء في بداية ولايته الحديث عن موضوع البيئة وأعلن في لقاءات عديدة ومتعددة ، أن مجلسه سيزرع مليون شجرة لفائدة ساكنة المدينة بحكم ان العقارات أضحت غير متوفرة بالشكل المطلوب وبالتالي يصعب إحداث حدائق جديدة ، بالعين المجردة لم نلاحظ إلا اقتلاع الأشجار بدل زرعها بدءا بأهم شارع يتواجد بتراب منطقة اسباتة وهو شارع الشجر، الذي اقتلعت أشجاره بعدما كان يسمى بإسمها مرورا بشارع ابن تاشفين وصولا إلى شوارع كبرى أخرى على رأسها شارع مولاي يوسف، عدا ما أعلنه العمدة لاتتوفر الدارالبيضاء على أي مشروع بيئي ،باستثناء محاولات من جمعيات بشراكة مع مقاطعات أو برنامج التنمية البشرية ، تقتصر على إحداث حدائق صغيرة تنمحي بمجرد خلاف بين أعضاء مكاتب تلك الجمعيات.. موضوع الحدائق الكبرى تكون منتزها بمواصفات عالية توقفت منذ القديم، فمعضم المجالس المتعاقبة لم يكن لها هذا الهم بل أجهزت عن سبق إصرار على ساحات كان من المفروض أن تفي بهذا الغرض ، وفوتتها لمنهشين عقاريين حولوا العاصمة الاقتصادية إلى غابة من الإسمنت. منذ الحماية ليست هناك بصمة في هذا الباب، لتبقى أهم حديقة شيدت هي حديقة الجامعة العربية، التي أحدثها ليوطي وسميت على إسمه في تلك الفترة، ليتغير إسمها خلال الاستقلال وهي حديقة اختير لها موقع ممتاز يجاور كل الإدارات الأساسية في تلك الحقبة وأيضا كل المراكز المهمة تجاورها الكنيسة وتحيط بها المطاعم والمقاهي ودور السينما وغيرها، تتوزع أشجارها المختلفة وأغراسها على مساحة 30 هكتارا ، حيث صممها المهندس الفرنسي ألبير لابراد في العشرية الثانية من القرن العشرين على طراز الحدائق الفرنسية، ظلت متنفسا ومنتزها للساكنة وزوارها ومازالت إلى حدود الآن نقطة جذب للسياح.. قبلها وبالضبط في سنة 1907 كان الفرنسين قد أنشأوا حديقة مردوخ وهو إسم يعود لأحد التجار الإيطاليين «مورضاك»، وشكلت منتزها لساكنة تراب مرس السلطان رغم أن مساحتها لا تتجاوز الهكتارين ، أعيدت تسميتها في سنة 2006 حيث أطلق عليها إسم الإيسيسكو، عندما تمت إعادة هيكلتها بعد تدهور دام لسنوات طويلة، أعقبه تنديد واسع من لدن المواطنين ومنظمات المجتمع المدني وحافظت عملية إعادة التأهيل على الهندسة التي تركها مصممها المهندس الفرنسي ألبير تاغديف . حديقة أخرى بنيت في عهد الحماية وتعد متنفسا لساكنة درب السلطان وبوشنتوف والحياء المجاورة هي حديقة لارميطاج، التي توزعت على مساحة 17 هكتارا ووضع تصميمها في سنة 1917 المهندس هنري برويست، وإذا ما قمنا بقراءة في تواريخ الإحداث سنجد أن الإدارة الفرنسية كانت لها رؤية متكاملة لأن فترات إحداثها متقاربة، بل كانت هذه الحدائق هي المدخل لتصاميم باقي المنشآت التجارية والخدماتية وغيرها. شامة بنت امسيك ربما تأثرت بالنظرية المعمارية لليوطي وبما أن عائلتها كانت من أعيان العاصمة الاقتصادية في فترة من فترات تاريخ المغرب، أهدت المدينة هكتارات شاسعة بغية تشييد مقبرة للمسلمين وبالقرب منها إنشاء حديقة ومنتزه ينفس على الساكنة، بالفعل أحدثت المقبرة وهي المعروفة لدى أبناء الدارالبيضاء باسم الروضة المنسية، المجاورة لطريق أولاد زيان، لكن المسؤولين كانت لهم نظرية أخرى بخصوص الهكتارات التي ستشيد فيها الحديقة حيث ستبني فوقها محطة أولاد زيان بالإضافة إلى مشروع سكني أودى بمن أودى إلى السجن بعد اختلالت عرفها المشروع وأغنى من أغنى ، ولمكر الصدف ارتأى المسؤولون إحداث محطة طرقية لن تكون إلا ملوثة للبيئة، عكس ما سعت إليه من وهبت الأرض لمشروع صديق للبيئة، مفرقة غريبة خاصة أن المقررين يعلمون أكثر من غيرهم أن العقارات التي تدخل في نطاق الهبة يجب أن تحترم بنود ما وثق في الهبة، وإلا من حق الواهب استرجاع ملكه الذي وهبه لغرض ذي نفع عمومي، وبناء على هذا فإن مشروع المحطة الطرقية تعد مداخيله المالية على الجماعة الحضرية للدارالبيضاء باطلة لأن العقار لا تمتلكه وبالتالي لا يحق لها إصدار أي مقرر بشأنه وتلك حكاية أخرى ، حكاية رسمت معالم خريطة انتخابية على مر سنين. بالعودة إلى الروضة المنسية فإن أجل الدفن فيها انتهى منذ أكثر من 40 سنة، أي من حق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تتخذ الإجراءات الشرعية وتفتي بتحويلها إلى أرض عادية قابلة لأي مشروع خدمة للعموم، وقد سهل تصميم التهيئة هذا الأمر في سنة 2014 حينما حعل في مخططه الروضة المنسية قابلة لأن تتحول إلى متنزه كبير خاصة وأنها تنتشر على مساحة 10 هكتارات، المثير في الأمر أن مجلس المدينة لم يفعل أي إجراء لتحقيق هذا المبتغى، لتظل الروضة المنسية مرتعا للمشردين والفارين من العدالة وملاذا للمجرمين ومرتعا خصبا لبيع ساعت هوى بعيدة عن الأعين المتلصصة، وقبلة للمهاجرين الأفارقة، وشاهدة على تقاصيل حياة أخرى لا يعلم بها إلا من فتح شرفته من ساكنة المباني المطلة عليها، أمام كل هذا نجد العمدة يهرب إلى الأمام ويعدنا بمليون شجرة، بدل الانكباب على مشروع حقيقي بخصوص هذا العقار الفسيح، قد تتنفع به الساكنة خاصة أن موقعه استراتيجي يجمع بين مناطق عديدة كالحي المحمدي والصخور السوداء ومرس السلطان والفداء وسيدي عثمان، وسيكون مدرا للربح بالنسبة لخزينة المدينة التي تعيش حالة إفلاس غير معلنة، ولمكر الصدف دائما مجلس المدينة في الوقت الذي يتلكأ فيه لمباشرة الإجراءات بهذا المشروع البيئي قبل وضع مافيا العقار يدها عليه، نجده يركب صاروخ السرعة للسماح لشركة ألزا المدبرة للنقل الحضري بأن يتجول سائقوها على متن 400 حافلة قادمة من خردة المدن الأوربية لتزيد المدينة تلوثا على تلوث.