بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، احتضنت مدينة مراكش لقاءا تشاوريا مع الجمعيات المشتغلة في مجال الإعاقة حول القانون الإطار رقم 97/13 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة، أطره عبد الرزاق الحنوشي مدير ديوان رئيس المجلس الوطني ، و حضرته تمثيلية عن اللجن الجهوية الثلاث والجمعيات العاملة بجهات أكادير، بني ملالومراكش . اللقاء الذي تميز بحضور كمي ونوعي كان مناسبة لاستحضار الإشكالات المرتبطة بمجال الإعاقة والإنصات الرصين للأشخاص المعاقين وأسرهم ولمختلف الفاعلين الجمعويين العاملين في المجال .. النقاش لم يقف عند عتبة النصوص القانونية والتعديلات المطلوبة، بل تجاوزه ليصبح لحظة مؤثرة لتقاسم معاناة هذه الفئة الصحية والمادية والاجتماعية.. اللقاء كانت فيه أحيانا دموع الأمهات درسا بليغا للقيمين على شأننا العام .. مطالب وانتظارات طرحت في ذات اللقاء، وآمال وضعها المعاقون على عاتق المجلس الوطني من أجل الترافع والإنصاف .. اللقاء التشاوري الذي جرى نهاية الأسبوع الماضي ، افتتحه الأستاذ مصطفى لعريصة رئيس اللجنة الجهوية لآسفي مراكش ، والذي استحضر أمام الحضور سياق هذه اللقاءات التشاورية التي أعطى انطلاقتها المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون الإطار رقم 13.97 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، مبرزا أن اللقاء بين جهات سوس بني ملال وآسفي مراكش هو لحظة أساسية لإشراك الجمعيات المعنية بقضية الإعاقة والإنصات المباشر لانتظارات الأشخاص المعاقين، منبها إلى أن القانون الإطار تمت صياغته دون إشراك المعنيين بالأمر، لذلك ارتأى المجلس إغناء الرأي الاستشاري بالتفاعل المباشر مع ذوي المصلحة، وأشار في ذات السياق إلى أن المغرب مطالب بملاءمة ترسانته التشريعية مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها بلادنا، انسجاما مع مقتضيات الدستور التي كرست الانتصار للمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، والمبنية على مناهضة كافة أشكال التمييز .. من جانبه استعرض عبد الرزاق الحنوشي مدير ديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في مداخلته التأطيرية للقاء التشاوري، الأبعاد الحقوقية المؤطرة لموضوع الإعاقة، مشيرا إلى أن جميع اللجن الجهوية تعرف نقاشا عموميا حول مشروع القانون الإطار رقم 97.13 بمشاركة الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال الإعاقة. وذكر الحنوشي الحاضرين بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبطلب من مجلس المستشارين ، طُلب منه إبداء رأيه في مشروع القانون الإطار قبل المصادقة عليه وهي مبادرة تندرج في سياق ملاءمة ما يصدر عن مؤسسة البرلمان من تشريعات مع الاتفاقيات والمعاهدات التي صادق عليها المغرب.. وانطلق الحنوشي من فرضية أن اللقاء هو لحظة أساسية لتقاسم المعلومة والمعطيات، مذكرا أن المجلس يقوم بمساهمة ولا يدعي أنها ريادية أو كاملة ، لكنه يشتغل بهدف الارتقاء بمقاربة وضعية المعاقين بمرجعية حقوقية تقطع مع المقاربات السابقة الإحسانية أو الاجتماعية أو الصحية التي أبانت عن عدم جدواها أحيانا .. مشيرا إلى أن المجلس اختار أن يكون من بين أعضائه أشخاص معاقون باعتبارهم أصحاب حق وأصحاب مصلحة .. وعرج الحنوشي على مختلف الدراسات والتقارير التي أنجزها المجلس المتعلقة بظاهرة الإعاقة ، لذلك يضيف فإن الاهتمام بمجال الإعاقة في دينامية المجلس هة مسألة ذات أولوية لأنها تتعلق بحقوق الإنسان أولا .. وأثار في معرض حديثه البون الشاسع بين الإطار المعياري والممارسة على أرض الواقع ، ذلك أنه رغم مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الأشخاص المعاقين ، فإن الترسانة القانونية والتشريعية ظلت برأيه شحيحة جدا ، إذ لم تتجاوز إحداث قانون الرعاية الاجتماعية للمكفوفين، وقانون الرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين وقانون الولوجيات ، هذا الرقم الضعيف يبين برأيه الخصاص الكبير للتشريع المغربي في مجال الحماية والحقوق لفائدة الأشخاص المعاقين . وأشار في ذات السياق الى أن الدستور المغربي جاء بالعديد من الإشارات التي تؤكد على حقوق هذه الفئة إلى جانب مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية ذات الصلة والبروتوكول الاختياري المرفق بها ، وبذلك أضحى المغرب مطالبا بملاءمة قوانينه وسياساته العمومية مع مضامين الاتفاقيات الدولية ، وفي مقدمة هذه الخطوات المطلوبة يأتي إصدار هذا القانون الإطار .. واستحضر في ذات السياق الرأي الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الإعاقة وكذا التفاعل الإيجابي الذي وقع في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان من خلال النقاش الذي عرفته ورشاته حول موضوع الإعاقة والذي ترجمه مضمون التقرير التركيبي للمنتدى حول الإعاقة وحقوق الإنسان، والتقرير المتعلق بالتمييز المزدوج للنساء في وضعية إعاقة ثم الإعلان الختامي المتعلق بالإعاقة وحقوق الإنسان .. وهي خلاصات مهمة وأساسية في الترافع والدفاع عن حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ببلادنا. واعتبر الحنوشي أن إنتاج رأي استشاري حسب فلسفة ومنهجية المجلس الوطني لا يمكن أن يكتمل إلا بإشراك أصحاب المصلحة وأصحاب الخبرة وصناع القرار . وشدد على ضرورة وجود أثر لهذا الرأي الاستشاري لدى صناع التشريع في المؤسسة البرلمانية، مذكرا بأن المجلس يضع باستمرار خبرته وإمكاناته في كل المبادرات الترافعية من أجل التأثير الإيجابي على القرار التشريعي ، ودعا إلى انفتاح أكبر في المجال الحقوقي من أجل مقاربة شمولية لحقوق الأشخاص المعاقين ، مشيرا إلى أن الدستور يؤكد على عدم التمييز، إلى جانب الحاجة إلى التعاطي مع قانون الإعاقة بطريقة عرضانية وأفقية، وإدماج حقوق هذه الفئة في جميع التشريعات منبها، على سبيل المثال ، الى أن بُعد الإعاقة غير حاضر في القوانين الانتخابية مثلا . وعن القانون الإطار أكد عبد الرزاق الحنوشي أن لهذا القانون قيمة معيارية أساسية يريد من خلاله المشرع أن يعطي مصداقية أكبر لهذا العمل تجاه المنتظم الدولي، مشيرا إلى أن القانون الإطار هو إعلان مبادئ ، يمهد بالضرورة لتشريعات جديدة وسياسات عمومية جديدة. وذكر الحنوشي بالتزامات المغرب الدولية، مبرزا أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يشتغل في هذا الصدد على البحث عن آليات ناجعة للدفاع عن الأشخاص في وضعية إعاقة .. واستعرض الحنوشي في سياق تدخله مضامين مشروع القانون الإطار الذي يتوفر من الناحية الوصفية على 26 مادة و9 أبواب ، مسجلا أن هذا القانون يحدد الأهداف الأساسية لكن تعتريه العديد من النقائص في مقدمتها التباين الواضح ما بين الضمانات الدستورية التي كرسها الدستور كحقوق لجميع المواطنين دون تمييز، والالتزامات المدرجة في القانون الإطار غير المدققة من الناحية العملية والإجرائية من طرف مختلف السلطات العمومية . كما أن القانون الإطار لا يبلور استراتيجية وطنية مندمجة للتكفل بالأشخاص في وضعية إعاقة .. هذا إلى جانب الصياغة التي دبجت بها مواد هذا القانون الإطار، والتي تترك المجال الواسع للتأويل والقراءات المتعددة ولا تحدد المسؤوليات بشكل دقيق .