منذ تسع سنوات، تدخل الحلف الأطلسي، بقيادة من لندن وباريز في الوضع السياسي الجديد في ليبيا، ومنذ ذلك الوقت تركت القوة الغربية ، الفرقاء الليبيين أمام وضع سيء، أقل شيء فيه هو… الحرب الأهلية. واليوم يعود الغرب ، من خلال المانيا إلى واجهة المتوسط من خلال قمة برلين الدولية حول الأوضاع الحربية والمتأزمة… ولعلنا لن نبالغ إذا قلنا إن ما يحرك العواصم الغربية، ومنها فرنسا ثلاثة معطيات: 1- انتقال بؤرات الجهاديين إلى مرمى حجر من الغرب، وفي شمال المتوسط، وقد كان ايمانويل ماكرون صادقا عندما اعتبر هذا الامر أقسى ما يخافه من الوضع الليبي.. فقد قال ماكرون خلال المؤتمر «يجب أن أقول لكم إن ما يقلقني بشد ة هو وصول مقاتلين سوريين وأجانب إلى مدينة طرابلس، يجب أن يتوقف ذلك». 2 – دخول روسيا إلى معترك المتوسط، واتخاذ كل الاجراءات في الوقوف إلى جانب حفتر وجنوده.. على المستوى الاستراتيجي، يبدو للغربيين، ولجزء من نخبة شمال أفريقيا، أن تركياوروسيا تلعبان اللعبة نفسها، قد تصل إلى إقامة قواعد عسكرية، تتمّ بها محاصرة القارة الأوروبية، بعد محاصرتها من شرق المتوسط، في وقتٍ تنسحب فيه أمريكا من شمال أفريقيا. وعلى الرغم من لعبة التنافس الظاهري، حيث روسيا تتحالف مع الجنرال المتمرّد، خليفة حفتر، وأنقرة مع فايز السراج، فإنهما يضعان بيادقهما حسب منطق واحد، هو مناهضة الغرب فوق أراضٍ يمكنها أن تمنحهما «قفلا استراتيجيا» على الأبيض المتوسط وأبعد منه، على منطقة الساحل. 3 – الإصرار العام على نزع السلاح وضبطه إلى غير ذلك من بنود تتعلق بالحرب، تعبير عن خوف عميق من أن يصبح بيد الجهاديين، والكل يعرف بأن ليبيا اليوم عاجزة عجزا تاما عن الاحاطة به وبتهريبه ومنع سقوطه بأيد جهادية، تحاربها فرنسا في مالي وفي الساحل وسينضاف المعترك الليبي… وقد وعد المجتمعون باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأممالمتحدة عام 2011 على ليبيا ولكنه بقي حبرا على ورق إلى حد بعيد. وسيكون من العبث ان يتم احترام قرار مضت عليه تسع سنوات، في ظروف تميزت بخلق شروط إسقاط العقيد معمر القذافي، من طرف الغرب. بل سيكون من الوهم تلجيم القوي المتضاربة، اقليميا ودوليا واقناعها بوقف التسليح.. ومن المحقق أن الالتزام على ارض الواقع صعب للغاية، فالهدنة المعلنة هشة، خاصة وأن رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والمشير خليفة حفتر رفضا أن يلتقيا خلال هذه القمة… ، ولم يجرأ أي كان ان يصف ما وقع في برلين بالنجاح الاستراتيجي، أو النجاح الديبلوماسي.. فأقصى ما عبر عنه الروسي سيرغي لافروف هو أن هذه القمة كانت «مفيدة جد ا»، والإقرار رسميا بأن المجتمعين لم ينجحوا» حتى الآن في إطلاق حوار جدي ودائم» بين الرجلين المتصارعين.. والألمانية أنغيلا ميركل، عرابة المؤتمر المصغر قالت بأنها «خطوة صغيرة إلى الأمام»، وسط الإقرار بأنه لا يزال هناك عمل كثير ينبغي إنجازه قبل الوصول إلى السلام. إن الامر في المحصلة هو حرب نفوذ وتدبير الخوف الجيواستراتيجي من تواجد غريمين كبيرين للغرب في المنطقة، وترحيل الشرق الاوسط إلى شمال افريقيا.. ولا بد من أن نشير بأن الفاعلين الرئيسيين او الجديدين في المنطقة ، روسياوتركيا تملكان مفاتح تشغل الوضع، فهما نجحا في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ عند أبواب طرابلس في 12 يناير بمبادرة منهما .. وأقصى ما تطلبه الأممالمتحدة هو أن تعزز القمة هذا الاتفاق . لاسيما وأن عناصر كثيرة في المعادلة لما تتفق على مستقبل البلاد، وبالتالي على المنطقة، وقد دخلت في حرب باردة في ما بينها….