لم يكن ينقص عبد الإله بنكيران سوى دليل واحد على سلامة القاموس الذي يستعمله في الخطاب السياسي، وقد قدمه له مشكورا اقتصادي لامع وسليل عائلة عريقة في السياسة الوطنية قبلها، هو عادل الدويري. فقد ردد عبد الإله بنكيران مرارا أن «حزبه هدية من الله لهذه البلاد»، وكانت آخر مرة، إذا لم تخن الذاكرة صاحب هذه السطور في يونيو من العام الماضي في أحد اللقاءات الحزبية التي جمعته مع برؤساء الجماعات الترابية لحزبه بالرباط.. وبما أن الحزب هدية من الله، وليس إنتاجا سياسيا ومجتمعيا وثقافيا وإيديلوجيا، فإن الرئيس يكون فرحا عندما يقول خريج أحسن وأفضل الجامعات الدولية بأن الهدية تلقت هبة من الخالق. وبعدها لا يمكن أن نحاسب «الهدية« إن هي لم تستغل «الهبات»، لأن الأشياء مقدرة في السماء. قال الوزير السابق، خريج ثانوية سانلوي في باريز والمدرسة الوطنية للهندسة والمهندس اللامع أن بنكيران «حصل على 3 هبات إلهية، وعليه أن يحسن استغلالها».. ماهي هذه الهبات التي لم يكن يحلم بها الرئيس، كما يكون حالنا جميعا مع الهبات الإلهية وفاجأت الوزير حتى حسبها كذلك؟ قال السيد الوزير إن أولاها هي انهيار أسعار البترول في فترة ستة أشهر، حيث انتقل من 110 دولارات إلى حوالي 50 دولارا للبرميل الواحد. ولنا أن نسأل هل تفسير ذلك يعود إلى علماء الدين والفقهاء، أم يعود إلى خبراء الاقتصاد والسياسة والاستراتيجيات وموازين القوى؟ هو سؤال يحمل، ولا شك، جوابه في طياته، لأن الأسعار وقوانينها محكومة بمنظومة الاقتصاد لا بمنظومة التأويل والكرامات.. وثاني الهبات الإلهية، هو الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج، التي قادها الملك، والتي تمكن المغرب من الحصول على 45 مليار دولار، خلال خمس سنوات.. ولا نعتقد بأن للأمر علاقة بمفاجأة تقودها السماء ورب العالمين، بقدر ما هي نتيجة موضوعية لتراكم ناتج عن خصوصية في علاقة الملكية المغربية مع دول الخليج، ولربما كانت الظروف التي عاشتها الدول العربية منذ أربع سنوات قد شكلت الوقود catalyseur، لكن لا نعتقد بأن تفسير ذلك يعود إلى علماء التفسير، بقدر ما هو من اختصاصات علماء السياسة، وأيضا من اختصاص المطلعين على تحولات الدول في شرق المتوسط وفي غربه.. الهبة الثالثة، تتمثل في ما أوردته الصحافة عن السيد عادل الدويري« إعلان المركز الأوروبي خلال شهر يناير 2015، عن تبنيه السياسة المالية للبنك المركزي الأمريكي، حيث سيضخ 60 مليار أورو من السيولة الإضافية كل شهر في البنوك وفي خزائن الدول، وهو ما سيساعد، بشكل تدريجي، على تسريع وتيرة النمو في أوروبا، وبالتالي الرفع من رقم معاملات المغرب بالعملة الصعبة عبر السياحة والصناعة والأوفشورينغ».. يمكنني شخصيا، أنا القادم من العلوم التجريبية إلى الأدب، ثم إلى الكتابة، أن اعتبر، بالفعل، أن هذا الكلام يدخل فعلا في علم اللاهوت، وذلك لسبب أنني لا أفقه كثيرا في قضايا المال والإعمال..اللهم إذا كانت شاقة .. ومع ذلك، لا أعتقد بأن رئيس البنك المركزي الأمريكي يفكر بأن الأمر يتعلق فعلا بهبة إلهية، جاءت خصيصا وبالبريد المضمون للمغرب، وللسيد رئيس الحكومة شخصيا. النزوع إلى تكريس العقيدة في الاقتصاد والسياسة والمعاملات البورصوية ومصالح العباد .. لم تكن في حاجة إلى من يغني قاموسها، من بعد أن أصبح القاموس اللاهوتي جزءا من خطاب السياسة في العالم الإسلامي، ومنه المغرب، وأصبح له نحاته ولغويوه ومنظروه، واللجوء إلى السماء لتفسير الظواهر الاقتصادية الواردة في محكم العقل البشري.. في سياقنا الوطني قد يغلق باب الفهم، بل حتى المحاسبة السياسية،كيف نحاسب من هو هدية من الله عز وجل، وقد أعطاه الله سبحانه وتعالي هبات عديدة من الخليج إلى الولاياتالمتحدة، مرورا ببواطن الأرض وما تختزنه؟ هل كان الذين سبقوه في غير موقعه لكي تشملهم هبة الله؟ ربما يشعر أعزاؤنا في الاستقلال بأننا نبالغ، ولكن الموضوع يستحق منا أن ننبه إلى «حرب أولها لغة».. لقد جاء في سياق بدأه رئيس الحكومة عندما قال لنا إن الله سبحانه وتعالى (ربنا لا تؤاخذنا بما ننقله من كلام) فاعل أساسي في السياسة، وها هو يواصل الدعوة بالقول إن الحزب الذي هو رئيسه، هبة من الله. وعندما يقول الوزير اللامع أن الله وهبه 3 هبات، فإننا لم نخرج من السياق اللغوي والمفاهيمي. جديا ، هذا كلام خطير، يعني أن الأحزاب الأخرى لا ترضي الله، وأن حزب الله هو حزب العدالة والتنمية ، وأن الباقي محسوب على أعداء الله، حتى لا نقول الشياطين. وأن الله اختار التدخل في السياسة الوطنية، بمساعدة دول الخليج والبنك المركزي. في حقيقة الأمر كان السيد الرئيس يعتقد جازما بأن العناية الإلهية لها دخل في السوق السياسي المغربي، فنحن نعتقد بأن صفاء الايمان من صفاء العقل، وأن إدراج المعطيات الاقتصادية في تحليل لاهوتي لن يفيدنا، ونحن نصنع السياسة البشرية، والله غالب أمره.