تصوير: عبد المجيد رزقو «هذه حكومة لا يهمها النمو والتشغيل، ما يشغلها هو التحكم في عجز الميزانية». لا يعدم عادل الدويري، وزير السياحة السابق، ورئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، الحجج من أجل دعم دعواه تلك، فهو يؤكد أن النمو الاقتصادي في الثلاث سنوات الأخيرة، لم يتعد في المتوسط السنوي 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في الوقت نفسه، لم يتعد المتوسط السنوي لمناصب الشغل المحدثة 9000 مناصب في ظل حكومة عبد الإله بنكيران. ما الذي يفسر هذه الخلاصة التي انتهى إليها تشخيص رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، التي تضم الخبراء الاقتصاديين لحزب الاستقلال؟ يعتبر الدويري أن حكومة بنكيران مسكونة بهاجس اختزال الاقتصاد في التحكم في العجز الموازني والنظر إلى الاقتصاد من زاوية القطاع العام، الذي لا يمثل سوى 10 في المائة من الاقتصاد ويفسر تراجع النمو وضعف مناصب الشغل بكون الحكومة أطفأت كل محركات النمو بالمغرب، فقد قلصت نفقات الاستثمار العمومي، بل إن الإنجاز لا يتعدى 64 في المائة من الالتزام برسم ذلك الاستثمار، زيادة على ذلك كفت الحكومة عن تشجيع استهلاك الأسر وأمعنت في رفع الضرائب، ولم تأخذ مبادرات من أجل حفز تراجع الإقراض والادخار، ناهيك عن عدم سعيها إلى إعطاء دفعة جديدة للمهن العالمية للمغرب، التي تساهم في التصدير في وقت تراجعت فيه الأزمة الاقتصادية العالمية، كما لم تبحث عن معالجة الركود الذي يعاني منه إنجاز السكن الاجتماعي. مشكل رئيسي كان الدويري يتحدث، خلال الندوة، التي عقدها المجلس الوطني للرابطة بالدار البيضاء أول أمس السبت، بلغة لم تخل بين الحين والآخر من تعليقات قوية، تخرج عن سياق التحليل الاقتصادي الهادئ، فعندما تحدث عن قطاع البناء والأشغال والعمومي، أكد أنه عندما تستمر أزمة ذلك القطاع عدة سنوات، يجب التدخل، قبل أن يعلق «إلا إذا كنا مكلخين». جاء ذلك في معرض تأكيده على فشل الحكومة في تدبير الاقتصاد الوطني. ذلك الفشل الذي يرد إلى عدم وجود مدير للاقتصاد الوطني، فكل واحد يشتغل بمفرده، مشبها ذلك بفريق كرة قدم يلعب فيه كل لاعب، كما يوافق هواه دون تنسيق مع الآخرين. ليس ذلك السبب الوحيد للفشل، فوزير السياحة السابق، يؤكد على أن المشكل الرئيسي، الذي يعاني منه المغرب لا يتمثل في عجز الميزانية، بل في عجز الحساب الجاري، الذي يتفاقم دون أن يبادر إلى معالجته، غير أن الدويري يرى أن معالجة هذا المشكل يتمثل في دعم البنيات التحتية التصديرية، التي يمكن توفيرها في تصور رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، عبر تعبئة 3 في المائة من نفقات الاستثمار العمومية، التي تصل إلى 100 مليار درهم. فتعبئة تلك النسبة ستمكن، في تصور الرابطة، من حل مشكل عجز الحساب الجاري، الذي يصل إلى 7 في المائة. هبات وفوائد لكن ثمة ثلاثة أخبار سعيدة تراها كفيلة بإنعاش الاقتصاد الوطني، إذا ما واكبتها إجراءات تحفيزية وتوفير قيادة واضحة للقرار الاقتصادي. فالدويري يتحدث عن ثلاث هبات إلهية تستفيد منها الحكومة في العام الحالي. تكمن الهبة الأولى في تراجع سعر البترول من 110 دولارا إلى 50 دولارا في ستة أشهر، وتتجلي الهبة الثانية في هبات دول الخليج، التي وصلت في 2013 إلى 5 ملايير درهم، وفي 2014 إلى 13 مليار درهم، وهو المبلغ نفسه، الذي ينتظر أن يتلقاه المغرب من تلك الدول في العام الحالي، وتأتي الهبة الثالثة من قرار البنك المركزي الأوروبي القاضي بضخ 60 مليار يورو شهريا في بنوك وخزائن البلدان الأوروبية، ما سينعش طلب ذلك الفضاء الذي سينعكس إيجابا على السياحة والصادرات المغربية. ما التأثير المباشر لتلك الهبات على المغرب؟ تؤكد الرابطة أنها ستفضي إلى ضخ السيولة في الاقتصاد الوطني بما بين 20 و30 مليار درهم، ما سيخفض العجز التجاري، الذي يصل إلى 100 مليار درهم. لكن ليست هذه الفائدة الوحيدة التي سيجنيها المغرب من الهبات الإلهية، فالدويري، يوضح أن تراجع فاتورة مشتريات البترول من الخارج، سيساهم في رفع النمو الاقتصادي بما بين 0.5 و1 في المائة، ودعم القدرة الشرائية للأسر بفعل تقليص كلفة المحروقات، وزيادة الصادرات، وهو ما سيحفز قرار البنك المركزي الأوربي، الذي سيرفع النمو في ذلك الفضاء من 0.5 في المائة إلى 1.5 في المائة. تكاثف هذه الفوائد، يدفع الدويري إلى توقع معدل نمو في السنة غير بعيد عن 5 في المائة، وتراجع عجز الحساب الجاري من 7 في المائة إلى 4 في المائة، ناهيك عن تقليص عجز الميزانية. خارطة استقلالية الدويري يتصور أن تلك الهبات يمكن أن تساهم في إنقاذ الحصيلة الاقتصادية للحكومة، غير أن ذلك يقتضي في رأي الرابطة رؤية واضحة عبر تعيين منسق للقرارات الاقتصادية يساعد على مواجهة الصعوبات في تنفيذ القرارات، حيث يعتبر أن رئيس الحكومة يمكنه لعب ذلك الدور، لكن في حال استحال عليه ذلك، يمكنه تعيين من يتولى تلك المهمة بمرسوم وزاري، على أن يكون ذلك الشخص من الوزراء الاقتصاديين، حيث سيتولى تذليل الصعوبات اليومية التي تحول دون عملية إعادة تشغيل محركات النمو من أجل تقليص معدل البطالة. وكي تشغل محركات النمو، يفترض الدويري، منح إعفاءات جبائية للاستثمار، وسداد الدولة والمقاولات العمومية للمتأخرات، التي تراكمت لديها تجاه الشركات الخاصة، وتعبئة 3 في المائة من نفقات الاستثمار من أجل دعم المشاريع التصديرية وتجاوز الوضع الذي يواجهه قطاع البناء والأشغال العمومية، ناهيك عن الإجراءات الرامية إلى دعم القدرة الشرائية، والتي يوجد في القلب منها خفض الضريبة على الدخل. ومن جهة أخرى، تدعو الرابطة إلى الانخراط في حوار اجتماعي هادئ، خاصة أن الهبات الثلاث أعطت للحكومة هامشا للاستجابة لبعض مطالب النقابات، عبر استلهام منهجية الحوار التي اتبعها إدريس جطو وعباس الفاسي، حتى يتم ضبط إصلاح نظام التقاعد في جو من التوافق. ويطالب بضمان استقرار الميزانيات العامة في المستقبل، والتوجه نحو مساعدة الفلاحين والمنتجين لتعويض استعمال غاز البوتان المدعم في الإنتاج بحلول أخرى مثل الطاقة الشمسية.