تعتبر الروائية القاصة الدكتورة عزة رشاد من المبدعات اللواتي رسمن بثبات لمسار كتابة نسائية جادة سواء في الرواية أو القصة ومازالت تكرس نفسها كروائية في المشهد المصري والعربي ولعل تتويجها بجائزة الدولة التشجيعية في القصة عام 2010 لم يأت بالصدفة وإنما بحضورها الإبداعي المتميز والذي توجته مؤخرا بإصدار روايتها شجرة اللبخ ،التي حظيت بالمناسبة بمتابعة نقدية وإعلامية متميزة ،هذا علاوة على ترؤسها في المدة الأخيرة مجلة" الرواية قضايا وآفاق" كمدير تحرير . والاستثناء في المبدعة عزة رشاد أنها من طينة الأدباء الأطباء الذين أثمرت علاقتهم بالطب أعمالا أدبية رائدة . في نظرة عجلى على المجموعة القصصية الأخيرة للدكتورة عزة المعنون ب "بنات أحلامي" أثارتني مجموعة من القضايا الفنية أولا والمجتمعية المتصلة بالأحلام والتخيلات التي لا يتقن القبض عليها وتطويقها وصياغتها في قالب إبداعي رائع إلا كاتب أو كاتبة أروع / التوليف المشهدي لمسمار تشيخوف.ومن بنات الأفكار إلى بنات الأحلام عادة ما تصطدم بنات أفكارنا على صخرة الواقع ،الذي دأبنا على وصفه بالمرير،أما الأحلام فتجنح بنا إلى عوالم مدهشة وفسيحة عوالم الجمال والسعادة .غير انه في اعتقادي حتى أحلامنا هذه تجهض وتموت في الهزيع الأخير من عتبات التحقق.فعوض أن تجنح بنا إلى/ وفي مواضيع عميقة وكبيرة تجنح بنا -كما في بنات أحلامي - مع سبق الإصرار والترصد من ساردة ماردة - إلى التيه في أمور تبدو للعاديين أمورا بسيطة وعادية ، لندرك مع الأسف ، وفي نهاية المطاف، أنها هي الأصل لا الفرع.على هذا المنوال تأخذ الساردة بألباب القراء في تمحيص وإعادة تشكيل التفاصيل الهامشية التي تغدو مع تسلسل قفزات الأحداث وتدحرج كرة السرد هي الأصل ، ففي قصة غزوة الأزرق مثلا يتداخل الحلم بالواقع وتزدحم أحداث بسيطة كنا اعتقدناها بداية ، ثانوية فتجرنا الساردة جرا خلال أحداث القصة ، عبر الذبابة الزرقاء التي جاءت طارئة في اعتقادنا بادئ الأمر من سقف القصة وذلك في سياق الحدث الرئيس ألا وهو حفل استقبال الضيوف والاستعداد له بما يليق من الحفاوة والظهور في أجمل وأزهى حلة ، فإذا بالساردة تخوض بنا في أعماق الأحداث حتى منتهى البطن ..الذي أضحى فضاء رحبا لمتابعة عناد وتعنت الذبابة الزرقاء وتنطعها واحتلالها غير الشرعي لا لفضاء المنزل فحسب، بل تنتهك خصوصية الفرد والقصة أيضا ،وتحتل كيان السارد والمتلقي على حد سواء. وحسبي أن الكاتبة رامت التعبير عن أشياء هلامية تقع للإنسان في حياته لا يعرف كنهها ، عبرت عنها بهذا اللون الأزرق الدال على الأحلام والملتبس من الأشياء أيضا وكذا اختيارها لهذه الحشرة غير المرغوب فيها للترميز لفئات من البشر التي لا تكتفي بامتصاص دم البشر ،بل احتلال كيانه رغما عنه. ففكرة الذبابة في الحقيقة ليست، كما يبدو، عارضة آو طارئة على النص القصصي كما يبدو للقارئ أول وهلة ،بل جاءت لتخدم النص ككل، بل هي المبتدى والمنتهى .ويذكرنا هذا التوظيف الذكي للذبابة بمقولة المسمار الشهيرة لشيخ القصاصين أنطوان تشيكوف الذي قال إذا ظهر مسمار في بداية القصة فيجب على البطل أن يعلق عليه حبلاً ويشنق به نفسه في نهايتها!بهذا تكون الكاتبة عملت بمبدأ التدرج في سرد الأحداث ونموها وترابطها للوصول إلى غاية معينة دونما مبالغة في وصف أو حشو زائدين . ففي نهاية كل قصة من قصص المجموعة تبدو الساردة أنها فعلا تحاول ترميم الأحلام التي تبدو تارة زرقاء وضبابية ورمادية / ما استطاعت لذلك سبيلا /قصة :عن ترميم الأحلام ص .25 و لا يفوتني أن أبدي ملاحظة حول المعجم المعرفي الدال على مهنة الكاتبة حيث ترددت الكثير من العبارات الدالّة على الطب والتي تدخل طبعا ضمن اختصاصها وتخصصها، حيث تشرئب المصطلحات العلمية بأعناقها مع استرسال السرد، لكن في المواقع التي حيث يجب فعلا أن تكون كمثال لا الحصر : المرضى /المستشفى /المطهرات /ندف القطن /الدواء/إبرة جهاز المحلول الوريدي ص 94 /العصارة المعدية ومن بعدها الصفراوية/بروتين وألياف/ كما نعثر على جملة على هذا النحو : ومن الناحية العلمية ذكرت نفسي فهي محض بروتين وألياف ا/أكسجينها وكربونها ونيتروجينها/التجربة العلمية /كل هذا في قصة غزوة الأزرق ص63.كما يمكن للقارئ اللبيب أن يستشف ذاك النسيج القوي المتين بين الخيال والواقع أو ما هو متخيل وما هو مأمول وأحلام وما هو واقعي، ومهارة المبدعة في خلق التوتر والحركية الداخلية التي تزيد القصة حرارة وإرباكا للمتلقي وجعله متوغلا وفاعلا منفعلا مع حدث القصة الرئيس. وأجمل ما يشد القارئ في المجموعة القصصية بداية هو التقديم الذي تصدر الصفحة الأولى ل ثناء أبو الحمد الذي أشار إلى علاقة الطب بالأدب وما ""قدمت لهم تجاربهم العملية للكشف عن كوامن النفس الإنسانية التي قدموا لها دواء للجسد ولنا دواء للروح من خلال أعمال أدبية جميلة تصف لنا مشاعر عميقة قد لا نتعرف عليها " . *قاص وروائي مغربي