ندرة المياه تجاوزت الخطوط الحمراء ونصيب الفرد تراجع من 2500 إلى 650 مترا مكعبا ضرورة بعث الروح في جسد «المجلس الأعلى للماء» الذي لم ينعقد منذ 2001 شكلت الوثيقة التحذيرية التي أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول ندرة المياه التي يشهدها المغرب، ناقوس خطر نبه الحكومة إلى ضرورة الإسراع في التعاطي بشكل أكثر جدية وصرامة مع هذا التهديد القادم في صمت. وسرعان ما تفاعلت الحكومة مع تحذيرات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من خلال اجتماع اللجنة الوزارية للماء، المنعقد يوم 25 دجنبر الأخير، والذي خصص للاطلاع على مختلف محاور ومكونات مشروع المخطط الوطني للماء للفترة 2020 – 2050 من أجل تجويده وإغنائه، في أفق عرضه على المجلس الوطني للماء. وتقول هذه الوثيقة التي أصدرها المجلس على شكل « نقطة يقظة» إنه عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب للفرد سنويا فإنه يعتبر في وضعية خصاص في الموارد المائية. أما في المغرب، فان الوضع قد أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960 ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، وتشير بعض الدراسات الدولية إلى أن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى فقدان 80 في المئة من الموارد المائية المتوفرة في بلادنا خلال السنوات ال 25 المقبلة. واعتبر المجلس أنه بالرغم من ندرة الموارد المائية، فإنها لاتزال تتعرض للاستهلاك المفرط والهدر، لاسيما المياه الجوفية، دون تقيد صارم بما يقتضيه القانون لاستغلال الموارد المائية، فضلا عن الضعف المسجل على مستوى فعالية آليات المراقبة. وقد شهدت بعض المدن المغربية في السنوات الأخيرة احتجاجات الساكنة المحلية بسبب تواتر ظاهرة العطش وصعوبة الولوج إلى الماء الشروب، وفي وقت يستمر فيه في مدن أخرى استخدام المياه الصالحة للشرب لسقي المساحات الخضراء وبعض المشاريع السياحية، ناهيك عن استمرار بعض الزراعات التي تستهلك الكثير من الماء. ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى اتخاذ تدابير استعجالية لضمان الحق في الماء، والأمن المائي. كما دقّ المجلس ناقوس الخطر، بسبب الاستغلال المفرط للموارد المائية، مؤكدا أن الطلب على الماء في المغرب أصبح اليوم أكبر من الكميات المتوفرة سنويا من الموارد المتجددة من المياه العذبة. وتؤكد المعطيات، الصادرة عن المؤسسة الدستورية، أن الوضع المائي في المغرب دخل مرحلة الخطر. وقال المجلس، وهو مؤسسة دستورية، إن «الأمن المائي أصبح اليوم أولوية بالنسبة للمغرب وللسنوات المقبلة، ومن الضروري وأمام عدم الاستقرار الاجتماعي والتفاوتات المجالية، تقديم أجوبة سياسية عاجلة تنبع من سياسة تحمي وتثمن الموارد وكذا تكون مبتكرة ومستلهمة». وكجواب على هذه التحذيرات تتجه الحكومة ضمن المخطط الثلاثيني 2020-2050 إلى تنفيذ مشاريع مائية بقيمة 40 مليار دولار، لمواجهة شح المياه، لاسيما وأن النمو الاقتصادي بالمملكة يبقى مرهونا في جزء كبير منه بالتساقطات المطرية. غير أن الجواب السياسي الملح في هذا الملف المركب، يقتضي بعث الروح في جسد «المجلس الأعلى للماء والمناخ»، الذي أصبح مؤسسة دستورية منذ 1995 في إطار قانون الماء رقم 10-95، وحظي بدعم قوي من جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، غير أن هذا المجلس دخل في سبات عميق ولم ينعقد منذ سنوات. وتعكف الحكومة حاليا على إعادة تشكيل هذا المجلس الذي سيعهد إليه بوضع التوجهات العامة للسياسة الوطنية في مجال الماء وإبداء رأيه حول الاستراتيجية الوطنية لتحسين المعرفة بالمناخ والمخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية بالأحواض المائية. وقد أعطى المشرع الإمكانية لتبدي هذه الهيئة رأيها في مواضيع أخرى لها صلة بالسياسة المائية بالمغرب. وقد أفرجت الأمانة العامة للحكومة عن مرسوم جديد يهم المجلس الأعلى للماء والمناخ، بهدف الإسراع في إرسال هياكل المجلس وبيان اختصاصاته التفصيلية، في ظل أزمة الماء المتنامية في مناطق عديدة بالمغرب، وكذا مواجهة تهديدات التغييرات المناخية، ونشر الوعي تجاهها. ويتكون المجلس من 13 وزيرا، والمندوب السامي للتخطيط، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومديري وكالات الأحواض المائية، علاوة على 12 رئيسا للجهات، و4 خبراء، و14 ممثلا للجمعيات العاملة في مجال الماء والمناخ، ورؤساء مجالس الأحواض المائية، و12 جامعيا، ورؤساء جمعيات مستعملي المياه، وممثلي قطاعات وزارية.