من الفجر كنْتُ أسمعها من مكان آخر يدٌ في المقصورة. يدٌ بسبّابتين من فيلم الرعب. ضجيجٌ لا يُطاق يُهرّبُ العصافير من فكرة الصباح، ويقطع الحلم على بندول مُجاوِرٍ لمكتبة بأكملها. مع شيء من الضباب الذي بقي من عزم الشتاء حرّكتُ كَأْساً بالفانيلا، وأَسلمْتُ قيادَ مُخلَّفاتي للريح. في الطريق إلى (متى) مررتُ بعُمّال نظافة الأنفاق، ولوحات عملاقة تلفظ صور ما بعد الحداثة، وقططٍ مُسنّاتٍ بَرْدانات لم تجد ضالّتها أسفل الطوفان. ومن الجانب الآخر كان الترامواي يكنس وفوداً تنتظر بقلق، ناكسين رؤوسهم لفرامل تُرْوى، وبعض هؤلاء أكل الماكدونالز وُقوفاً. أنا لا أفهم حتى الساعة سبباً لافتعال الجوع؟ لم يكن بين غيمة وبلدوزر من وصلة إشهار في المسلسل الوطني الاستعجالي سوى ما كان يرِدُ على خاطري من قُصاصاتٍ لمراسلين تبرقُ من واجهاتٍ تعرض هدايا الكريسماس. مع ذلك، لا يهمّ إن كان مثل هذا الجُبْن يكفي مؤونةً في طريق الآلام. دخلْتُ المتحف، ووجدتُهُمْ سبقوني إليه: أحافير كريان سنطرال، الوجوه المتعبة لناس الغيوان، "لِحى الثورة يعلوها الشّيْب"، عيون من الغد تشعُّ بأشواك الصُّبّار، كاسات أحمد المجاطي، شروح "سلاماً وليشربوا البحر" بلا طائل، ريش الحمام الذي قضى في ساحة الأممالمتحدة، مرجوعات الميناء من جزر الوقواق. وفي غرفة الانتظار، جلس لِوَحْده وقُبالته جرد حساب ومواعيد متفحّمة الشّعْرُ المغربي في القرن الواحد والعشرين. وأنا أرجع أدراجي، لاحَتْ خطواتي صكوك اتّهام في سجلّ شارد بين الأقدام، واصطبغت الشمس بالدّم والساعات وهي تجنح إلى المغرب.