المتتبع لمسار وزارة الصحة في عهد وزيرها البروفسور الوردي لا يمكن إلا أن يبكي حرقة وألما، وهو يعاين كيف تعتقد بأنها نجحت وبالتباس في أن تكون وزارة متضامنة، في باب أضعف الإيمان، أي بالاقتصار على القول لا الفعل، فهي حتى في التضامن الذي لن يكلفها الشيء الكثير تعاملت بسياسة الكلام وقرأت على مهنيي الصحة السلام. وزارة الصحة، التي ظلت سياستها مثار انتقاد من لدن أغلب الفاعلين في المجال الصحي، سيما على مستوى البنيات الصحية المهترئة، والخصاص المهول في الموارد البشرية، وكذا التشريعات التي يؤكد المختصون بأنها سترفع من منسوب المعاناة عند المواطنين، والتي سوّقت صورة وردية للمغاربة جعلتهم يعيشون وهم يعانقون بطاقة «راميد» كل الأحلام الوردية، قبل أن يستفيق السواد الأعظم منهم في المستشفيات مكتشفين أن كل ذلك ليس سوى أوهام، وبأن الإسعاف لم يتحقق في الأرض فكيف له أن يتحقق في السماء؟ وزارة الوردي التي تخصصت في بلاغات التعزية، والمواساة والتضامن، مع الأسرة الطبية وشبه الطبية في مصابها الجلل حين وفاة أحد مكوناتها، أو تعرضه لحادث، جعلت من هذا الأمر سنة «حميدة» تحاول من خلالها أن تبدو أكثر إنسانية علّها تتمكن من تخفيف حدة الغضب حيالها، ما دام الأمر لايتجاوز بضع كلمات مخطوطة على ورق يتم تعميمه على مختلف الفاعلين، لكي تبدو حنونة، طيبة، تتقاسم مشاعر الألم مع المنتسبين إلى جسمها العليل، الذي هو اكبر محتاج للتشخيص وللعلاج، كيف لا وهناك مراكز للصحة تفتقر لأبسط الأشياء من قبيل الماء! أوجه عديدة للتضامن ومن بينها ذلك الذي يكون عقب كل اعتداء على أحد مهنيي الصحة في هذا المركز الصحي أو تلك المؤسسة الاستشفائية المعطوبة، التي تعاني اختلالات عدة، حيث جهاز السكانير معطل لو توفر، والتحاليل لايمكن القيام بها لانعدام «الرياكتيف»، والأدوية لاتمنح، و»الديفيبرلاتور» غير موجود، وغيرها من الأساسيات المنعدمة في الطب الاستعجالي الذي يعدّ فيه وزير الصحة متخصصا ومحنّكا فيه، ومع ذلك ترك وضعه عليلا، شأنه في ذلك شان اختصاصات أخرى، تدفع المواطنين للاحتجاج المعنوي أحيانا، وقد يكون ماديا في أحايين كثيرة، يذهب ضحيته هذا الطبيب أو تلك المولّدة، أو ذاك الممرض، الذين ينعتون بأقبح النعوت، ويتم وصفهم بأبشع الأوصاف، لا تقبل منهم تبريرات بعطل جهاز أو انعدام آخر، ما دام وزير الصحة يؤكد على أن كل مواطن هو بإمكانه العلاج بمؤسسات وزارة الصحة، وبأن بطاقة «راميد» هي جواز مرورهم للاستشفاء، في تناقض تام مع الواقع الفعلي، فتكون الأسرة الطبية وشبه الطبية أمام هذا الوضع في فوهة المدفع عرضة لكل أشكال لاعتداء. الأسرة الطبية وشبه الطبية، هي في غنى عن تضامن وزارة الصحة الشفاهي، هي تشتغل في وزارة للصحة وليست للتضامن، هي تنتظر من يحافظ على كرامتها بقول الحقيقة للمغاربة وليس شحنهم بخطاب سياسي فارغ هو عبارة عن مزايدات يكذبها واقع البنيات الصحية، هي في حاجة إلى توفير الأمن لها حتى تقوم بمهامها وفقا لما هو متاح لها، ومستعدة للمحاسبة متى أخلت بالتزاماتها، ولا تنتظر من الوزارة أن تدين الاعتداءات المتكررة على مهنيي الصحة أثناء مزاولة مهامهم، بل تريد منها وبشكل عملي تفعيل الفصل 19 من قانون الوظيفة العمومية، الذي يحث الإدارة على توفير الحماية لموظفيها أثناء مزاولتهم لعملهم، وفي حالة الاعتداء تتحمل مسؤولية متابعة المعتدين أمام العدالة، وكذا جبر الضرر المادي والنفسي لضحايا الاعتداء، وليس الاكتفاء بالشعارات التي تميز وزارة الصحة في عهدها الحالي الذي تحاول من جعل التضامن ورقة في صفها والحال أنها سبب كل البلوى!