كان لحظة ثقافية بامتياز ذاك الحفل التكريمي الذي نظمته الرابطة المغربية للصحافة الثقافية مساء الجمعة الماضي بالرباط . لحظة بدلالات عدة حرص المنظمون على أن تؤثث خطوتهم الأولى بعد التأسيس الذي كان في أبريل الماضي. وقد أبرز رئيس الرابطة الزميل محمد جليد في كلمة قيمة له أهمية هذه المحطة والحاجة لإطار تتضافر فيه الجهود لتستعيد الصحافة أدوارها الثقافية في علاقاتها بالمجتمع، مضيفا أن من مهام الرابطة «طرح أسئلة ذات راهنية حول تحولات ورهانات الثقافة المغربية». في رحاب المكتبة الوطنية كان الحفل لما لذلك من دلالة ، فهذا الصرح الثقافي يتسع إشعاعه نشاطا بعد نشاط ليصبح بالفعل الحضن الدافئ لديناميكية وطنية تتعدد أوجهها ويترسخ فعلها .. والتي سجل مديرها محمد الفران التزاما وهو يلقي كلمة بالمناسبة بأن المكتبة ستكون داعما وحاضنا للرابطة لأن هناك مساحات واسعة مشتركة في الأهداف بين الطرفين.. الشخصيات الأربع التي تم تكريمها كانت ذات رمزية ودلالات ،من حيث المؤسسات والاهتمامات والمبادئ :في المناصفة ، والأدوار التي تمت تأديتها في دعم الحقل الثقافي إعلاميا ، في ذاكرة المتلقي …حقيقة هناك أسماء عديدة بصمت وسائل الإعلام ليس فقط بإشرافها على ملاحق وصفحات ومجلات ثقافية وبرامج ، ولكن أيضا بإبداعها وهي تنتمي لمهنة المتاعب أو لحقل الإبداع عموما .. ويمكن القول إن الجيل الحالي يحمل في أقلامه حبرا تأثر بحقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من حيث الصحافة المكتوبة بالأساس. المحتفى بهم في حفل التكريم هم : محمد سبيلا المفكر الذي يعد ركنا من أركان الفلسفة بالمغرب المهتم بقضايا الحداثة وما بعدها وبتجديد الخطاب الديني .. فاطمة التواتي التي كانت برامجها بالقناة الأولى نافذة تقدم من خلالها جديد الكتاب الثقافي من خلال برامج أشهرها " كمبيوتر سبعة". اسمهان عمور أيقونة البرامج الثقافية بالإذاعة الوطنية التي جعلت من "حبر وقلم " أحد الجسور التي يعبر منها الكاتب وكتابه الى القراء والنقاد . سعيد عاهد الشاعر الصحفي المترجم الباحث في تفاصيل تاريخ المغرب الذي جعل من صفحات جريدتي ليبراسيون والاتحاد الاشتراكي ساحات مضيئة بما تضمنته إبداعات لأجيال ثقافية.. لم تكن المناسبة مجرد تقديم دروع ولوحات وباقات ورد وتصفيقات… كانت أمسية التكريم ذات حضور نوعي غص به مدرج المكتبة الوطنية .. وكانت شهادات شخصيات تم الإدلاء بها بمثابة نصوص فكرية مزجت بين الانطباعات والذكريات والعطاء والعرفان . فالدكتور محمد الشيكر رسم بعضا من محطات المسار الفكري لمحمد سبيلا، واعتبره " رمزا مضيئا من رموز النبوغ المغربي جعل من السخاء الفكري ديدنه. ومن العطاء عنوانا ومن الجود نظرة في الوجود…". إنه كما نعته الكثيرون " فيلسوف السيرورة وكارتوغرافيا الحداثة ومفكر المعاصرة …" واعتبر الدكتور الشيكر أن أحسن توصيف لمكانة سبيلا هو" فيلسوف الحياة الحديثة بلا منازع "… أما الأديبة والناقدة الاستاذة الجامعية زهور كرام فأبرزت في شهادتها بأن الإعلامية اسمهان عمور تعد "الذاكرة الثقافية للكاتب المغربي(…) إنها ملتقى التقدير الجماعي "خلقت تواصلا بين برنامجها "حبر وقلم " ومستمعي الإذاعة الوطنية. كانت اسمهان محاورة وليس فقط منشطة لهذا البرنامج الأسبوعي وبفضل عملها وجهدها عبر الكاتب من كتبه وبكتبه إلى المجتمع المغربي.. وتوقفت الصحفية فاطمة الإفريقي وهي تدلي بشهادتها حول فاطمة التواتي إلى الخطوات الاولى في علاقتها ومعرفتها بها . واعتبرت أنها تركت أثرا قويا في مسارها المهني وهي تتابعها كمشاهدة لبرنامجها "كمبيوتر 7" وأيضا عند إعدادها لبحثها بالمعهد العالي للصحافة والإعلام حول حضور البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي، وأنها منحتها الحلم كي تصبح صحفية …"كنت أشعر بالفخر كإمرأة وأنا أتابع التواتي باعتبارها أول وجه نسائي ولج الحقل الثقافي بشبكة البرامج التلفزيونية التي كانت ذكورية بامتياز…". وفي نص إبداعي جميل قدمت الزميلة حفيظة الفارسي شهادة "مجروحة" عن سعيد عاهد :»حين التحقت بالاشتغال تحت إمرته عفوا معه ، أسسنا دولة أسميناها الجمهورية الديمقراطية للثقافة . ولو أنني كنت دائما أغيضه بلقب السيد الرئيس ولأننا كنا اثنين فقط فقد كان هو الرئيس وأنا الشعب.ولأننا لم نجد أرضا فقد رسمناها من ورق .ولأننا توحدنا الهشاشة كما قال الشاعر محمود درويش فقد اختار عند اقتراب تقاعده أن يقطر الغياب قطرة قطرة الى أن غاب ذات صباح .ولم يوصني بالدولة …اليوم افتقدك السيد الرئيس وأعلن وبكامل إرادتي أنني تعلمت بعدك كيف أعيش دكتاتوريتي المطلقة بعد أن أصبحت وحيدة أنا الشعب وأنا الرئيس…". في كلمات المكرمين تمت الإشارة إلى عدة أفكار أبرزها ثلاثة تم طرحها وهي جديرة بالاهتمام : الدكتور محمد سبيلا أشار إلى اثنتين منها وهي أن الصحافة المكتوبة خلال متابعتها وتحليلها للأحداث والوقائع لم تسقط يوما في التفسير الأسطوري . لقد لعبت دورا تنويريا . لم تنزلق لتفسير الظواهر التي عرفها المجتمع المغربي تفسيرا غيبيا ..كانت تعالجها بعقلانية … وثانيا ، لماذا لم تتطور الصحافة لدينا لتنتج لنا صحفيين كبار مثل محمد حسنين هيكل وآخرين … إن تاريخنا في هذا المجال فقير يقول سبيلا. وأشار إلى بعض الاستثناءات مثل المرحوم محمد باهي .وتساءل : هل هي مسؤولية الدولة؟هل هي مسؤولية المجتمع ؟هل هي مسؤولية النخبة؟ ثالث الأفكار تتمثل فيما أسمته الأستاذة زهور كرام بأزمة المحتوى . محتوى ما أصبحت تقدمه وسائط التواصل إلى قرائها .. وكما حضرت الشهادات حضر التشكيل أيضا من خلال لوحات الفنانين عبد الكريم الأزهر وشفيق الزكاري كهدايا للمكرمين الأربعة .. وحضرت الموسيقى من خلال معزوفات وأغاني للفنان محمد تكروين والفنانة سعيدة فكري … وكل فقرات الحفل الذي استمر زهاء ساعتين حرصت كل من الزميلة فاطمة الإفريقي والزميل الطاهر الطويل على تقديم كل لحظات هذا الحدث وتنسيقها بما يليق بها ويجعلها حدثا ثقافيا بامتياز.