أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أن الجنرال أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الجزائري، توفي جراء سكتة قلبية، عن عمر ناهز ثمانين عاما. ويعد قايد صالح من الشخصيات التي كانت مقربة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة داخل مؤسسة الجيش، وكان قد دعمه في العديد من القرارات التي اتخذها، مثل مشروع التعديل الدستوري الذي كشفت عنه الرئاسة الجزائرية في 5 يناير 2016. غير أنه خاض معركة شرسة ضد رموز مخابراتية وعسكرية وحكومية وحزبية، انتهت بعزل الرئيس بوتفليقة الذي أعلن عن انسحابه من سباق الرئاسيات، فضلا عن إزاحة الرجل القوي في الجزائر الجنرال توفيق (محمد مدين) الذي يعتبر رأس حربة المخابرات والجيش. وقايد صالح هو الرجل القوي الذي قاد فعليا المرحلة التي أعقبت رحيل بوتفليقة عن الحكم، ودفع بقوة صوب تنظيم انتخابات رئاسية أثارت الكثير من الجدل، وانتهت بفوز عبد المجيد تبون، وسط احتجاجات متواصلة من الشارع الجزائري. وفور إعلان الوفاة، سارع الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون بتسمية اللواء سعيد شنقريحة قائد القوات البرية رئيسا للأركان بالنيابة، كما تم إعلان الحداد بعموم البلاد لمدة ثلاثة أيام. وقد ترسخت قوة الجنرال الراحل، فعليا، حينما نجح في دفع بوتفليقة للإطاحة بأقوى رجل في البلاد عام 2015 الجنرال توفيق من قيادة المخابرات العسكرية، بعد أكثر من ربع قرن في هذا المنصب. ويعتبر الجنرال أحمد قايد صالح، المولود في عام 1940 في عين ياقوت بولاية باتنة شرق الجزائر، من جيل الكبار الذين شاركوا في حرب الاستقلال، فقد التحق بالثورة وهو في سن السابعة عشرة من عمره، وتحديدا عام 1957، وعين قائد كتيبة في جيش التحرير الوطني أثناء الثورة الجزائرية. وبعد الاستقلال، تلقى قايد صالح دورات تكوينية في الجزائر ثم في الاتحاد السوفياتي سابقا ما بين عامي 1969 و1971 وتخرج منها بشهادة عسكرية من «أكاديمية فيستريل». وتدرج في سلم الوظائف العسكرية من قائد لكتيبة مدفعية، ثم قائدا للواء إلى قائد للقطاع العملياتي الأوسط، ثم قائدا ل»مدرسة تكوين ضباط الاحتياط « بالبليدة في الناحية العسكرية الأولى. وعين بعدها قائدا للقطاع العملياتي الجنوبي، ثم نائبا لقائد الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة، وقائدا للناحية العسكرية الثالثة ببشار، ثم قائدا للناحية العسكرية الثانية بوهران. رقي إلى رتبة لواء في عام 1993، عين بعدها قائدا للقوات البرية عام 1994، فقائدا لأركان الجيش الوطني الشعبي عام 2004، وكانت الترقية الأخيرة له إلى رتبة فريق في عام 2006. بقي قايد صالح قائدا للقوات البرية نحو عشرة أعوام، وخلال هذه الفترة عاشت البلاد واحدة من أحلك أيامها فيما عرف ب»العشرية السوداء»، في عقد تسعينيات القرن العشرين، إثر وقف الجيش للعملية الديمقراطية بعد فوز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بالانتخابات، ما تسبب في أعمال عنف دموية خلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمفقودين، ودمارا هائلا في الاقتصاد الجزائري. وارتبطت فترة «العشرية السوداء» في أذهان الجزائريين بالنزاع المسلح بين الجماعات الإسلامية وقوات الأمن والمخابرات والجيش، وبدأ الأمن يستتب تدريجيا منذ قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999، وإصداره «قانون الوئام المدني» ثم «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية». ولا تخلو سيرة قايد صالح من تهم بالفساد، فقد نشر موقع «ويكيليكس» عام 2010 وثائق سرية تخص الدبلوماسية الأمريكية، تحدثت عن فساد بأبعاد أسطورية في المؤسسة العسكرية الجزائرية. وقالت «إن رئيس أركان القوات المسلحة الفريق أحمد قايد صالح ربما يكون أكثر المسؤولين فسادا في الجهاز العسكري». وفيما بعد، سيعينه بوتفليقة في منصب قائد أركان الجيش الوطني الشعبي ونائب وزير الدفاع عام 2013. وتقول تقارير صحفية مغاربية إن اختيار بوتفليقة للجنرال قايد صالح لهذا المنصب لم يأت من فراغ، فالرجل عرف عنه بأنه رجل ميدان، ولا علاقة له بالسياسة، ولم يكن من جنرالات النواة الصلبة كالجنرال توفيق وخالد نزار، وبقي «رجل الظل» يعمل بناء على توجيهات الرئيس رفيق رحلة النضال نحو الاستقلال. وقبل ذلك، كان خالد نزار، الرجل القوي في الجزائر سنوات التسعينيات من القرن الماضي، قد هاجم بشدة قايد صالح على خلفية سن قانون يلزم الضباط العسكريين «بواجب التحفظ»، وهو قانون يمنع العسكري عن كل تصريح من شأنه أن يخل بسلطة المؤسسة العسكرية وسمعتها، واتهمه بإقحام المؤسسة العسكرية في المعترك السياسي، مشبها إياه ب»العسكري الهائج والمصاب بجنون العظمة، الذي ينام لديه شيطان المغامرة». من جانبه، نفى أحمد قايد صالح وجود أي طموحات سياسية لديه، مؤكدا أن الجيش «يقدس مهامه الدستورية ومتمسك بشدة بقوانين الجمهورية». ورغم «جمعات الغضب» التي شنها الجزائريون على رموز النظام الجزائري، فإن الراحل ظل ممسكا بمفتاح الانتقال الرئاسي. ذلك أنه منذ تعيينه عام 2013، واصل توسيع مجال تدخله من خلال نشاط المديرية المركزية لأمن الجيش، التي تعتبر بمثابة جهاز مخابرات ثان، كما أن مجمل خطاباته، بعد تنحي الرئيس بوتفليقة، كانت تطمينية لحراك الشارع ومطالبه، بل إنه لم يتردد في اتهام مدير الاستخبارات السابق الجنرال «توفيق» بشكل مباشر بمحاولة زعزعة أمن واستقرار الجزائر بالتآمر مع جهات في الداخل والخارج. إضافة إلى ذلك، دعا الراحل إلى التعجيل بمحاسبة الفاسدين والناهبين للمال العام والعصابة كما أسماها، وفتح ملفات فساد ثقيلة أثارت الرأي العام الجزائري وتورط فيها مسؤولون كبار، وفي مقدمتها قضية «سوناطراك» والخليفة و البوشي. وهو ما قاد إلى تحرك القضاء ضد الوزير الأول «أحمد أويحي» لأول مرة في تاريخ الجزائر مع طلب التحقيق مع «سلال» ووزراء آخرين. كما اتخذت إجراءات قانونية ضد رجال الأعمال الذين اغتنى معظمهم بصورة مفاجئة على رأسهم حداد وربراب وطحكوت إضافة إلى الإخوة كونيناف والقائمة طويلة. وباشر الجنرال صالح بعض التعيينات والإقالات والتوقيفات في المؤسسة العسكرية نفسها ويعتقد أنها مست الأذرع العسكرية والأمنية التي يحسبها الكثيرون على الجنرال توفيق، وهو ما أدى إلى تنفيس بعض الاحتقان في الشارع الجزائري الذي رفع شعارات واضحة ضد الفساد.