تتجه فرنسا نحو أزمة اجتماعية غير مسبوقة يسودها التوتر والمواجهات بين السلطة التنفيذية والنقابات العمالية، وتستمر الإضرابات خاصة في قطاع النقل لليوم 11 عشر على التوالي، مما يشل حركة النقل بالعاصمة باريس على الخصوص، حيث تبقى أغلب خطوط نقل ميترو الأنفاق مقفلة، بالإضافة إلى القطارات الجهوية والقطارات السريعة بين المدن ومختلف العواصم الأوربية. ورغم مختلف الدعوات إلى الهدنة والتي دعا إليها المدير العام لشركة السكك الحديدية في فترة أعياد نهاية السنة للسماح للعائلا ت الفرنسية بالتنقل نحو الأقارب أثناء احتفالات نهاية السنة، فإن النقابات مازالت مستمرة في التعبئة للإضراب للاحتجاج الثلاثاء المقبل. قدمت الحكومة لمقترحاتها حول إصلاح نظام التقاعد موضع الخلاف الكبير مع النقابات، وإن هذا المشروع زاد من حدة التوتر الاجتماعي. واعتبرت النقابات أن الاصلاح مجحفٌ في حق الأجراء، بل حتى النقابة الإصلاحية سي ايف دي تي التي دعت إلى هذا الإصلاح وأيدته، عارضت بعض مقتضياته والتحقت بالحركة الاحتجاجية المستمرة بفرنسا حتى الآن، دون أن يعرف أي أحد متى تنتهي خاصة أن أغلب نقابات النقل تدعو إلى إضراب مفتوح ما لم تتراجع الحكومة عن إصلاحاتها لنظام التقاعد وبالشكل الذي قدمه رئيس الحكومة ايدوارد فيليب وسط الأسبوع الماضي. وقد توالت الاجتماعات المكثفة سواء على صعيد الحكومة والوزارات المعنية وكذلك الاجتماعات مع قصر الاليزيه من أجل إيجاد مخرج لهذه الازمة الاجتماعية وتقديم مقترحات لتخفيف حدة التوتر وسط النقابات ،التي ارتفعت شعبيتها وسط الرأي العام الفرنسي وبينت أغلب استطلاعات الرأي أن الفرنسيين يدعمون احتجاجات النقابات وإضراباتها ضد مشروع إصلاح نظام التقاعد. ويعرف فريق الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون صعوبات في تدبير هذه الأزمة، وذلك بعد السهولة التي رافقت الإصلاحات التي قام بها الرئيس ايمانييل ماكرون في بداية ولايته، حيث قام بإصلاح نظام الشغل سنة 2016 دون أن يطرح ذلك أي مشكل رغم صعوبة وتعقد هذا الملف الذي يمس أغلب الفرنسيين الذين كانوا يتمتعون بقانون شغل يوفر حماية كبيرة للعاملين. ومر إصلاح قانون الشغل دون إثارة أي مشاكل رغم المعارضة الشديدة التي أبرزتها النقابات ضده. ونظمت السي جي تي و نقابة سوليدير عدة احتجاجات ضده لكنها لم تلقى النجاح المنشود. وحتى الطلبات التي قدمت للقضاء لم تعطِ أي نتيجة. التوتر الذي يطبع العلاقة بين النقابات والأغلبية السياسية الحالية، بدأ منذ انتخاب الرئيس ايمانييل ماكرون، الذي اعتبر أن النقابات والأحزاب السياسية الكلاسيكية، لم يعد لها دور في المجتمع الفرنسي أو أن دورها تراجع مقارنة مع العقود السابقة. لكن تصاعد التطرف والمواجهات داخل المجتمع الفرنسي والذي تجلى في السنة الماضية، والذي مثلته حركة السترات الصُّفر و قامت باحتجاجات طيلة السنة ، وأدت إلى مواجهات عنيفة مع عناصر الشرطة وإلى عمليات تخريب كبيرة خاصة في باريس العاصمة، بينت الدور الأساسي والكبير لدور هذه الوسائط الاجتماعية وهي النقابات من أجل التفاوض وتجاوز الأزمات من خلال الحوار،الذي تقول النقابات بأنه غائب مع حكومة ماكرون التي تقرر دون مشاورة النقابات. وهو ما جعل فليب مارتنيز الأمين العام لنقابة السي جي تي وهي إحدى النقابات الأكثر تمثيلية بفرنسا يقول حول الرئيس «ان ماكرون يلعب بالنار»، وفي نفس الاتجاه يقول لورون بيرجيه أمين العام نقابة سي ايف دي تي وهي نقابة معروفة لميلها نحو الحوار في أحد تصريحاته لصحافة « مع ايمانييل ماكرون إما أن نوافق على كل شيء أو لا يحق لنا التدخل.» وهو ما جعل هذا النقابي يتكهن بتصاعد التطرف في فرنسا. وهو ما مثلته حركة السترات الصفر الاحتجاجية ، وتزايد قوة اليمين المتطرف . واعتبر أن تصرفات ماكرون تؤدي إلى تعزيز الشعبوية بفرنسا. هذا التوتّر في علاقة الحكومة والرئيس الفرنسي مع النقابات، هو الذي جعلها تتوحد فيما بينها في كل الاحتجاجات الأخيرة، وتقوم بتنسيق حركتها الاحتجاجية. الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون بدوره ينتقد هذه النقابات ويعتبرها «عاجزة عن اتخاذ قرارات. فرغم سياسة اليد الممدوة «، فإن النقابات «عندما نقدم لها اقتراحات تقول إن هذا الأمر صعببل لا يمكن تحقيقه.» هذه التصريحات لرئيس اتجاهها أثارت النقابات وهيئات أرباب العمل. اليوم، نجح الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون في توحيد كل النقابات ضد إصلاحاته، بما فيها نقابة السي ايف دي تي التي كانت تطالب بإصلاح نظام التقاعد بنظام شامل بدل 42 نظام تعرفها فرنسا اليوم، لكن نقابة لورون بيرجي الإصلاحية التحقت بالتظاهرات والإضرابات التي تعرفها فرنسا اليوم والتي استمرت 11 يوما ولا أحد يعرف أين ومتى ستتوقف، والتي يمكن أن تلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد الفرنسي، الذي كان بدأ يتعافى في الشهور الأخيرة بعد أن تجاوز أزمة السترات الصفر التي ثارت على أدائه في السنة الماضية.