سجلت الجلسة الشهرية أول أمس بالغرفة الأولى، بحث الحكومة عن مخارج لمأزقها، بعدما وضعت نفسها في إحراج كبير جراء الوعود التي قدمتها للشعب المغربي وكرستها بالفعل أمام نواب الأمة، بلغة "سنعمل، وسنفعل، وسنؤسس، وسنغير" ، حتى أصبح الفعل المنسوب الى المضارع لسان حكومة تفننت في إلقاء الخطب الرنانة في بلد يحتاج الى ممارسة فعلية في كافة أوراشه التي حقق المسؤولون فيها عن مختلف القطاعات، تراجعات حد مطالبة عضو من فريقنا الاشتراكي بالمحافظة فقط على ما حققناه سابقا بغية توقيف الزمن، لعل وعسى نجد منطلقا غدا لمواصلة المسار الذي كنا تواقين لأن يتم فيه فتح الورش التنظيمي لبنود دستور المملكة الذي اعتبرناه ثورة المغاربة من أجل الكرامة والحرية والعدالة. من هذا المنطلق وجد وزير الاقتصاد والمالية نقسه غير قادر على إخفاء الحقيقة التي تجسدها الاختلالات الخطيرة التي تشهدها الوكالة القضائية للمملكة، وهي الوكالة التي كان من المفروض -كما أشار الى ذلك سؤال الفريق الاشتراكي على لسان النائب سعيد بعزيز- أن تكون قد راكمت تجربة متميزة نظرا لجذورها التاريخية، لتلعب دورا رياديا في الدفاع عن مصالح الدولة باحترافية عالية مع اجتناب الأخطاء المهنية التي من شأنها إضاعة حقوق الدولة في رسوم الصوائر القضائية دون تحقيق نتائج تذكر، الشيء الذي دفع الدولة الى التدخل في العديد من القطاعات من أجل سد العجز المالي لبعض شركات التأمين أو تشجيع بعض القطاعات الاقتصادية من خلال ضخ أموال عمومية يتعين إرجاعها، وذلك هو دور الوكالة القضائية للمملكة التي من شأنها أن تضع مساطر لذلك. ورفع الفريق الاشتراكي درجة قلقه إزاء هذا الوضع الذي يوسع دائرة الفساد ويضع الأموال العامة في جعبة المجهول، خاصة تلك التي ضختها الدولة في شركات التأمين، ومن بين هذه الشركات شركة البركة للصيد التي سبق للدولة أن كلفتها أمام الأبناك الأجنبية وتخلفت عن أداء ما بذمتها، مما اضطر الدولة إلى أداء مبلغ الديون بحيث يلاحظ أن المساطر القضائية التي تمت مباشرتها لم تعط أي نتيجة على مستوى استرداد أموال الدولة، وذلك بسبب التأخر في مباشرة هذه المساطر وباقي القضايا التي يحكم فيها بعدم قبول الطلب لعدم التصريح بالدين داخل الأجل القانوني، أو لعدم تقديم الطعن في الأجل المنصوص عليها قانونيا. وجوبا عن السؤال لم يكن الوزير في جعبته الكثير، سوى القول بأن الإصلاح في الطريق وأن أياما معدودة أمامه من أجل الإتيان بقانون تنظيمي لذلك، وهي اللغة التي سمعناها مرات على لسان وزراء "الكلام، والتبوريدة في البرلمان " الذين يتقنون جدا بناء الفعل للمجهول حتى في تحديد تواريخ الإتيان بنصوص تنظيمية ،يملكون الإدارة والسلطة وكل الوسائل لتسريعها، لهذا يفضلون الكتمان والاستحواذ والانفراد بما يعلمون وما يجهلون. لهذا أوضح سعيد بعزيز في تعقيبه على جواب وزير الاقتصاد والمالية أن هناك عدة ملفات صدرت بشأنها أحكام بالرفض شكلا، لعدم تقديم الدعاوي داخل الآجال القانوني، من بينها ملف تحدث عنه الوزير في معرض جوابه، مطالبا إياه بإعطاء المعطيات الصحيحة للمواطنين بدل تمرير المغالطات، وأضاف أنه سبق للفريق الاشتراكي أن تقدم بمقترح قانون يرمي إلى إحداث هيئة قضايا الدولة لتقوم مقام هذه الوكالة في حماية المال العام واسترداد ما يمكن استرداده، إلا أنه للأسف تم إقبار هذا المقترح، والتزمت الحكومة من خلال مخططها التشريعي في بحر سنة 2012 بأنها ستعمل على تعديل وتغيير ظهير 02 مارس 1953 المتعلق بالوكالة القضائية للمملكة قبل متم سنة 2014، ولم يخرج بعد للوجود، مؤكدا أن هذا التأخر يبين مدى صحة تراجع الحكومة عن شعاراتها المتعلقة بمحاربة الفساد. وأضاف سعيد بعزيز في نفس التعقيب أن تصحيح الاختلالات التي تكتنف الوكالة القضائية للمملكة هو الطريقة الناجحة التي يمكن من خلالها استرداد أموال الدولة، وحمايتها واستثمارها في التدخلات الاجتماعية، بدل اعتماد مبدأ الزيادة في الضرائب وإحداث ضرائب أخرى، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وتفقيرهم، فالمال العام أولى بأن يضخ في الميزانية العامة بدل تركه عرضة للضياع والفساد. وإن لطفت أسئلة نواب العدالة والتنمية من أجواء الحضور الحكومي الباهت الذي بدا فيه الوزراء الذين تواضعوا للحضور الى قبة البرلمان على عجلة من أمرهم ، طالبين من الرئاسة أن تفصل برنامج أسئلة النواب على مقاسهم، كما بدا فيه نواب فريق العدالة والتنمية مكلفين بمهمة التعقيب على النواب في خرق سافر للقانون الداخلي للبرلمان ، فإن سؤال النائب لحسن بونواري باسم الفريق الاشتراكي مورست عليه "قفشات" الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة، محمد الوفا المعروف "بفرقعاته" التي تتقن الدور جيدا في تمرير الزمن السياسي السيء في مسرح توظف فيه الحركات والسكنات والاشارات. لهذا وظف رئيس الجلسة عبد اللطيف وهبي فعل "وعاملهم بالمثل" فأصبحت جلستنا الدستورية -التي يتطلع من خلالها المغاربة الى تأسيس مستقبلهم بالقوانين والمساطر والدفاع عن الأمة - الى جلسة "التقشاب" حيث يطلب رئيس الجلسة الدستورية من وزير في سلطة تنفيذية كيفية الطلوع والنزول من والى المنصة المخصصة للجواب الوزاري. قلنا يا الله هزلت، ولكن لنبحث عن الضوء وسط هذا "السيرك" ، الذي قام فيه النائب أفتاتي من مكانه، محولا نقطة نظام إلى لغو خارج التغطية معتقدا أن الحملة الانتخابية بدأت وعليه أن يكون السباق في تسجيل الهدف في مرمى الخصم بالتحايل على إخفاء الحفر الكبيرة بين الكلام والفعل في مواضيع تهم قوت شعب مسحوق ومستعمل في الحصول على الأصوات بالغش الذي احترفه تجار معاناة الشعوب. في هذا الصدد ظل السؤال الذي تقدم به الفريق الاشتراكي على لسان لحسن بنواري معلقا في "قفشات" الوزير محمد الوفا الذي قال إن الحكومة -التي أعطى لنفسه الحق أن يكون الناطق الرسمي باسمها - تطعم البرامج الحالية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مؤكدا بذلك أن الحكومة لا برنامج تنموي لها وأن سياسة اللجوء لقرصنة إنجازات تنموية ملكية أضحى فعلا متكررا ينم عن الفشل الذريع لحكومة تملك الصلاحيات الواسعة في تنفيذ ما رفعته من شعارات حد الهوس والثقة بالنفس" بحال البارود الخاوي". وكان النائب لحسن بنواري قد وجه السؤال الى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة حول دعم القدرة الشرائية للمواطن الضعيف، مسجلا نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط ، المشير بالأرقام الى أن الوضعية المالية للمغاربة تزداد صعوبة وأن التشاؤم داخل الأسر وصل حاليا إلى مستويات غير مسبوقة، وذلك بانخفاض مؤشر الثقة وعدم القدرة على الادخار خلال الشهور المقبلة. وهو الوضع الذي فسر في السؤال الذي تقدم به النائب الاشتراكي نبيه بوشعيب حول الفتح الجزئي لملف الدعم المباشر للفقراء، مؤكدا أن المدة التي قضتها الحكومة الحالية لم تتلمس فيها الطريق الى فتح ملف أكدت في شعاراتها الإنتخابوية أنه من أولوياتها، والمتعلق بالدعم المباشر للفقراء، إلا أن الحكومة أقرت بوجود صعوبات عملية تحتاج إلى زمن غير محدد، مما يقر تهرب الحكومة الواضح من المسؤولية التدبيرية في الوقت الذي تبين فيه المعطيات أن المؤشرات الاقتصادية العالمية كانخفاض سعر البترول وأمطار الخير التي شهدها المغرب مؤخرا، كافية لرفع المعاناة عن شعبنا في الحفاظ على القدرة الشرائية على الاقل. ولأن "ترياب الخيمة والجلوس على خرابها مهمة مفضلة لدى حكومتنا الموقرة"، فإن السؤال الذي وجهه النائب الاشتراكي محمد أبركان لوزير النقل حول أسباب توقيف الخطوط الملكية لخطي بروكسيل وألمانيا بمطار العروي الدولي، لم يجد أجوبة لدى الوزير المكلف حيث ظل الجواب يدور في المنافسة بين الشركات التي تشتغل في القطاع، مما دفع أبركان الى السخرية من حجم الفهم لدى حكومة لا يعرف وزراؤها الأسئلة الحارقة التي تؤرق جاليتنا التي يبدو أنها تعامل بمنطق البقرة الحلوب، دون مراعاة جروح ثدييها من كثرة العطاء في غياب توفير الشروط لاستمرار هذه العطاءات نحو المستقبل. وأكد أبركان أن القرار الذي اتخذ مؤخرا بتوقيف رحلات جوية أساسية بمطار العروي الدولي مازال يثير احتجاجات أوساط فئات واسعة من الجالية المغربية المقيمة في أوروبا، مما أثاره هذا التوقيف من مشاكل ضاعفت من معاناتهم في التنقل من والى وطنهم. نفس المعاناة نقلها النائب الاشتراكي محمد ملال بخصوص الوعود التي قدمتها الحكومة بالنسبة للصويرة في اجتماع رسمي أقر فيه إعادة الربط الجوي بين باريس أورلي والصويرة، باعتباره منفذا هاما للجالية المغربية اليهودية المقيمة بأوروبا، ناهيك ان مدينة الصويرة تعتمد في اقتصادها على السياحة والصناعة التقليدية والتعاونيات المرتبطة بذلك. وأكد عضو الفريق الاشتراكي في تعقيب له متسائلا عن مآل هذه الوعود، أن الخطوط الجوية هي الرافعة الأساسية للتنمية في المنطقة . لم يكن زمن التعقيب يسعف عضو الفريق الاشتراكي محمد ملال لنقل معاناة ساكنة المنطقة وتساؤلاتهم حول تجاهل الحكومة لأوضاعهم في تحقيق التنمية، لكن الرسالة وصلت ونتمنى أن تخرج حكومتنا من لغة الوعود الى الفعل وذلك هو مبتغانا.