تعتبر لوحة الجسد من الأعمال التي أنجزت بطريقة خاصة، مستلهمة من الحفريات الموغلة في القدم لتكون معبرة وذات بعد اجتماعيوإنساني. فهي تتخذ من الجسد المحور الاساسي، والعنصرالمهم، سيما وأن صاحبتها الفنانة التشكيلية المغربية خديجة طنانة أبت إلا أن تسير على منوال الفنان التشيكي ريدولف كريمليكا الذي يعتبر إقصاء تيمة الجسد من اللوحات كتجاوز مسألة الحب وبترها من الروايات، مما جعلها تخرج عن المألوف، وتبتعد عن النمطية والتقليد لتخلق لنفسها كيانا خاصا في الفن التشكيلي المعاصر بالمغرب، يمتاز بالجرأة واقتحام الطابوهات،ويبوح بالمسكوت عنه، وحافل بالمواقف التحررية التي تطبع شخصية هذه الفنانة المثقفة التي فضلت الرسم على التدريس في الجامعة، وغادرت عالم السياسة والنضال للتفرغ لهذا المجال الذي كان يسكنها منذ الصغر، وتجد فيه نفسها. الفرشاة بالنسبة لها عصا سحرية، وإن كانت تحمل لمسة الفنان التشكيلي الغربي هنري ماتيس، فإنها تستطيع أن تحول أحلامهاوأفكارها، وقناعاتها الشخصية إلى أشكال وصور ناطقة، تتواصل باستمرار،تستمد إثارتها من الجسد، وذلك ما يلاحظ من خلال هذا العمل المحتضن لجسدين غير متقابلين، يختلفان من حيث الجنس، يبدوان في وضعية تحضر فيها الغريزة ، ويغيب عنها الحب والرومانسية،تشير إليه صورة الذكر وهو يحاول أن يجر إليه الأنثى بقوة وبعنف إلى درجة يجعلها تتمايل، وتفقد توازنها، وتتحرك عشوائيا لترسم أوضاعا مثيرة بواسطة جسدها المرن،تحاكي في ذلك،وتلقائيا تلك الدجاجة المذبوحة التي لا ترقص إلا على إيقاع الموت. فالفنانة حرصت على إبراز خصوصيات المجتمع الذكوري الذي يعتبر المرأة عبارة عن أمة ، يجب أن تكون في الخدمة، ومنصاعة للرجل، وذلك ما يفسر غياب الألوان الحارة والفاتحة، المشعة بالحياة،وحضور لون غامق يرخي ظلاله القاتمة على المكان، تظهر للعيان على شكل لون بني يميز بوضوح العنصرين المتواجدين في الواجهة بفعل مادة القهوة المستعملة لتعطي ذوقا للصورة وتطبعها بالمرارة، لكن إلى جانب ذلك تنزع عنها رداء القبح، وتخلق نوعا من الإغراء، لكونها أسقطت بعناية في الوسط على خلفية تتزحلق على سطحها الفرشاة، وتأخذ نعومتها، وصلابتها من السيراميك،تغيب فيها العتمة بفعل لون أصفر غير داكن، يتوغل من بين الأشكال، وداخل رسومات ملقاة عمدا هناك لتثير الفضول لعدم ثباتها واستقرارها في مكان معين. تبدو وكأنها تفقد رونقها باستمرار ويضيع منها سوادها الأصلي تدريجيا جراء توغلها في العمق،وتغرق في ضبابية عبارة عن أطياف وتصورات سقطت عن طواعية من مخيلة فنانة، حبلى بتنوع ثقافي، يمتد إلى (كاماسوترا) ، ليتقمص أشكالا ذات حمولة رمزية ترفض أن تلقي به جانبا حتى لا يطاله النسيان. خديجة طنانة عبرت عن رفضها لبعض السلوكات المشينة تجاه المرأة من خلال هذه اللوحة المفعمة بالتلميحات، الخارجة دفعة واحدة من عمق الصورة، تتجمع داخل كتلة لتشكل العنصر الأساسي،وقد سخرت من أجل ذلك ألوانا محدودة لكي لا تشتت النظر، وتجعلك تنفعل، وتتفاعل وتنساق فقط مع حركات جسد المرأة متناسيا مفاتنه، فهي بذلك تعمل على ترسيخ أن المرأة كيان يكمل الرجل، وبمثابة نصفه الأساسي انطلاقا من صورة جسدين متشابهين من حيث القد والهيأة، يظهران للعيان منفصلين عن بعضهما، لكنهما يعطيان الانطباع بأن كل واحد منهما خرج من الآخر.