لاشك أن القارئ لهذا المقال و هو ينشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي لسان حزب الاتحاد الاشتراكي, سيتساءل أو يستغرب عن طبيعة موضوع فهم القران و الإيمان و العمل الصالح, وما الداعي إلى التطرق إليه. وفي نظري فإن الأمر طبيعي جدا لا يحتاج إلى الاستغراب, ذلك أن من يظن هذا باعتبار انه لم يعتاد قراءة هذا الموضوع و مثله في هذه الجريدة, كما هو الشأن بالنسبة لجريدتي التحرير و المحرر قبل جريدة الاتحاد, حيث كانتا لسان الحزب وتم منعهما من طرف وزارة الداخلية في ظل المخاض السياسي الذي عرفته البلاد مند 1960 ,حيث كان يسود التوتر بين النظام و الحزب بعد تموقعه في المعارضة وظل صامدا أمام آلة القمع و الاضطهاد بسبب مشروعه الرامي إلى الدفاع على مصلحة الوطن و الشعب. وهكذا, فإن الحزب اختزل في مشروعه مسألة الدين من الثوابت الرئيسية في المغرب, لا يجب معه توظيف الدين في السياسة من اجل الوصول إلى مركز القرار السياسي من جهة, معتبرا إياه أن العقيدة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية, هي التي تحافظ بالأساس على كيان المجتمع و استقراره يصلح لكل زمان ومكان, ومن مميزاته الاعتدال و السلم ثم التسامح والتآخي و المحبة بين أفراد المجتمع, وهو قابل للاجتهاد و الابتكار ينبذ أنواع الظلم و التعصب و التطرف من جهة أخرى, وفي هذا الصدد يجب التمسك بما جاء في الكتاب و السنة و يتعلق الأمر بالقرآن و الحديث و فهمهما فهما صحيحا و العمل بهما, وهذا هو المبتغى من تدبر القرآن. وهذا ما كان عليه الاتحاد الذي اتخذ النضال جهادا من اجل التحرير و الديمقراطية و الاشتراكية , وهي من الأعمال الصالحة كمظهر خارجي للإيمان المكتمل و هو النهج الذي سار عليه ذوو الاختصاص المتنورين من داخل الاتحاد كشيخ الإسلام مولاي العربي العلوي و محمد عابد الجابري وغيرهما رحمهما الله و الأستاذ العمري و آخرين . و عليه, فقد خالف الاتحاد النهج الذي سارت عليه أغلبية الجماعات و الأحزاب التي تنتسب للإسلام, حيث اتخذت الدين مرجعية للتضليل و إثارة الفتن, لم يجلبوا لأوطانهم إلا الدمار و الاقتتال و يشهد عليهم ما آلت إليه الأمور في بلدانهم في الوقت الراهن . ولهذا يرى الغربيون أن العمليات الإرهابية في مختلف أرجاء العالم تنفذ من طرف الإسلاميين المتطرفين و تولد لديهم تصور خاطىء للدين يستغله أعداء الإسلام للقضاء عليه . لهذا السبب يأتي فهم القرآن و الإيمان و العمل الصالح من المواضيع التي يتوجب إثارتها, مما تقتضيه المرحلة لتبيان الرشد من الغي و الهدي من الضلال في ظل القرآن و ملازمته الإيمان بالعمل الصالح . وفي هذا الإطار, فالتساؤل أو الاستغراب من تناول جريدة الاتحاد للموضوع أمر طبيعي يجب معه استحضار موقف الاتحاد من الاستفتاء حول الصحراء و ما ترتب عنه من آثار على الوضع في المغرب في شأنها كما يجب استحضار موقف الحزب من السكتة القلبية و التي أقر بها علانية صاحب برنامج 90 دقيقة للإقناع بعد استضافته للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر في القناة الأولى خلال شهر دجنبر المنصرم, بعدما استهل الصحافي المدير للبرنامج قوله( الاتحاد الاشتراكي هو الذي انقذ المغرب من السكتة القلبية ) وبالفعل, فإن ما نطق به المذيع صحيح ولا يجادل فيه احد والأكيد أن الاتحاد هو الذي جنب المغرب المنزلق الخطير الذي كاد أن يقع فيه, وهو الأمر الذي لا يقبل المزايدة على الاتحاد كيف ما كان الوضع الذي يعيشه الآن وسيبقى المشروع المجتمعي للحزب ضرورة حتمية للبلاد. وهكذا وكل من يعتبر الموضوع مفاجأة أقول له أن مسألة الدين ضرورة حتمية للحفاظ على كيان المجتمع المغربي كما سبق ذكره و قد تناول التقرير الاديولوجي للحزب المسألة الدينية إلى جانب إستراتجية النضال الديمقراطي الذي تبناه الحزب منذ مؤتمره الاستثنائي سنة 1975 وكذلك التقرير المتعلق بالديمقراطية والأزمة المجتمعية المصادق عليه في المؤتمر الرابع سنة 1984 .وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مسألة تدبر القرآن و فهمه و العمل به كان المحور الأساسي الذي تناوله المفسرون للقرآن و الأحاديث من طرف علماء و أئمة المذاهب الأربعة من الحنفية و الشافعية و المالكية و الحنابلية وكذلك علماء و أئمة أهل السنة و الجماعة و غيرهم كما هو الشأن بالنسبة للإسلام و الإيمان و الإحسان, حيث سيأتي الحديث الذي أورده عمر بن الخطاب في شأنهم ضمن المقال, و بذلك فإن كثير من أهل العلم و الآثار الذين ألفوا كثيرا في الموضوع لا حظوا أن أغلبية المسلمين يحفظون القرآن أو يجودوه و لا يفهموه كما لا يتدبروه , ليعمل به ثم أن كثير من الناس أيضا يصلون بآيات قرآنية دون معرفة معناها و مغزاها و الحال أن المطلوب هو الفهم و التدبر و لا يكفي الحفظ أو التلاوة و التجويد للقرآن وحده, كماأن كثيرا من الناس يصدرون فتاوى أو يطلقون الكلام على عواهنه, ثم أن عددا من الحكام يصدرون أحكاما غير عادلة و غير منصفة, علما من أن العدل واجب لكل أحد على أحد و في جميع الأمور, الأمر الذي يتعين معه تأهيل الحقل الديني و وضع حد للفوضى التي طالت مجال الإفتاء في الأمور الشرعية و غير ذلك من العلوم المتعلقة بجميع الآيات القرآنية فهما صحيحا , و كذلك إخراج الأحاديث التي عليها قوام هذا الدين و هي بيان وتفسير لكتاب الله و التي قام بها الجهابذة الأولون من سلفنا الصالح علماء الحديث الذين وفقهم الله عز وجل لإيصال علوم الدين و أصوله ثم تبليغه كتابا و سنة قولا وفعلا نصا و فهما و عملا. و في هذا الصدد فقد اجمع علماء و أئمة التفاسير المتعلقة بالقرآن الكريم انه يجب على كل من يدين بالإسلام أن يعرفه بالأدلة و يتعلق الأمر بالاستسلام لله بالتوحيد و الانقياد له بالطاعة و البراءة من الشرك و أهله , و هو ثلاثة مراتب الإسلام و الإيمان و الإحسان و كل عبادة و كل عمل بأركانهم بدون توحيد الله فيها فهو باطل, و عليه فإن كل من وهبه الله نعمة حفظ القران آو تلاوته يجب عليه تدبره و فهمه و العمل به, حيث اومر بذلك باعتبار انه منهج حياة و على المسلم إتباعه وواجب عليه الالتزام به و الأعراض عنه أعراض عن السعادة التي يسعى إليها الإنسان في حياته و ينبغي أن يتلى و يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي كما ينبغي أن يتدبر على انه توجيهات حية نزلت لتعالج مسائل اليوم و لتيسير الطريق إلى المستقبل . و من اليقين بأن القرآن غداء القلوب و الغاية المطلوبة منه و الشفاء لكل ما يعانيه الإنسان من هموم و أحزان و مشاكل فردية أو اجتماعية أو انهماك في جمع المال. و أن الحكمة من إنزاله هو تدبر الناس لآياته فيخرجوا علمها و يتناولوا أسرارها و حكمها, ذلك أن التدبر فيه و التأمل لمعانيه و إعادة الفكر فيها مرة بعد مرة تدرك بركته و خيره و هو ادن من أفضل الأعمال المقربة إلى الله و التي لايحصل بها إلا من رحمه ربه و هو المقصود مما سبق , هذا و نظرا لما يحظى به الإيمان الذي استأثر به الله وحده و به يميز به بين المسلم و بين الكافر أو المنافق أوردت في شأنه آيات قرآنية كثيرة تفيد انه كلما أورد الإيمان في القرآن إلا و شفعه بالعمل الصالح تارة يأتي بصيغة الجمع بقوله تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات و تارة أخرى يأتي بصيغة الفرد بقوله من آمن و عمل صالحا . إلا انه لم يورد العمل الصالح و الإيمان بالنسبة للأنثى إلى جانب الذكر إلا قليلا و يتعلق الأمر مثلا بما جاء في سورة النحل أية 97 (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مومن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم باحسن ما كانوا يعملون )). و هو ما جاء أيضا في سورة غافر أية 40 (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا بمثلها و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مومن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. )) ويبدو في الآيات المتعلقة بالإيمان و العمل الصالح أن كل من يأتيهما يكون جزاؤه الجنة و لا توجد في الذكر الحكيم إلا قليلا آية تفصل بين الإيمان و العمل الصالح و ينال من أتى بهما جزاءه في الجنة , أما فيما يخص العمل الصالح و أن كان نقيضه هو الفساد إلا أن مدلوله يأتي حيث السياق الذي تأتي به الآية, فمن العلماء المفسرون من يفسرها بالإسلام كما أن هناك من يفسرها بالفرائض كابن كثير في تفسيره للقرآن الكريم ,إلا أن المتفق عليه على ما يبدو جميع الأوامر و الاحكام المأمور بها سبحانه بصفة عامة وكل عمل يقرب الإنسان إلى الله و يرضيه سواء من الأقوال و الأفعال و تفيد بالخصوص جميع الخيرات و أركان الإسلام و الإيمان و الإحسان يضاف إليها ما تمت الإشارة إليه في سورة الكهف بقوله تعالى : (( المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك توابا و خير أملا), ثم قوله في نفس السورة (( من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و يشرك بعبادة ربه أحدا )) . و انطلاقا مما أشرت إليه من المكانة التي يحظى بها الإيمان حيث يأتي بعد التوحيد الذي كان يدعو إليه جميع الأنبياء و الرسل وعدم الشرك بالله الذي لا يقبل المغفرة مصداقا لقوله سبحانه في سورة النساء (( أن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء .))و هو ما يستفاد من أن جميع الذنوب و المعاصي, سواء في العبادات أو غيرها فهي قابلة للتوبة و تخضع لمشيئة الله طبقا لما جاء عنه سبحانه,((انه يغفر الذنوب جميعا )) و التوحيد إذن هو أصل الدين و في هذا الصدد أورد بعض الآيات القرآنية التي تحث على تدبر القران وفهمه كما يلي بعد بسم الله الرحمان الرحيم ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته و ليتذكروا أولو الألباب )) أية 29 سورة ص, (( أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.)) أية 82 من سورة النساء , (( أفلم يتدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين.)) أية 68 من سورة الممونون , (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) أية 24 من سورة محمد . وهكذا نجد اغلب الناس من حفظة القرآن و مرتليه أو مجوديه لم يعرفوا معانيه و مغازيه . و الحال أن المطلوب من حفظ القران و تلاوته هو الفهم الذي يمكنه من العمل به بإخلاص خلافا لما كان عليه بنو إسرائيل الذين جاء في شأنهم في سورة الجمعة ((الذين يحملون التوراة كمثل الحمار يحمل أسفارا )). وهكذا و انطلاقا مما ذكر من أهمية تدبر القرآن و فهمه و العمل به يصح معه إسلام المرء كعقيدة ومنهج ينظم كل شؤون الحياة و استتباب كيان الدول الإسلامية و استقرارها و خروجها من الحالة التي توجد عليها في الظرفية الراهنة. وهكذا فإن مجتمعاتها و استقرارها لايتم الخروج من حالتها إلا بتحقيق التوحيد قولا و عملا حسب ما استقر عليه بعض العلماء الذين يروا أن أصل الدين و أساسه و رأس أمره و جميع أركان الدين المتفرعة عنه و المتشعبة منه مكملات له وهو من أهم مقتضيات التوحيد و الإيمان برسله و بما صح عنه وبما صح عن أخوانه من الأنبياء والرسل و من مقتضيات التوحيد أيضا أن يصاغ النظام السياسي و الاقتصادي و التعليمي و الإعلامي و الفكري و الأخلاقي وفق المنهج الرباني و النبوي .ولا تسترجع الأمة كرامتها إلا به , لذلك فما تجدر الإشارة إليه أن العلماء اختلفوا في أركان الإيمان ذلك أن الحنفية و تابعيها اذا صح قولهم بأن الإيمان ينحصر في تصديق الجنان و الإقرار باللسان فقط دون العمل بالأركان , إلا أن الاتجاه الآخر يرى أن هذا التعريف فيه نظر وقصور و الصواب هو ما كان عليه أهل السنة و الجماعة و معهم السلف الصالح من أن الإيمان قول وعمل و اعتقاد يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة, و الخلاف هنا يتعلق بالعمل هل هو من أركان الإيمان أم لا من جهة ومما وقع فيه الخلاف من جهة أخرى ,إن الإيمان واحد و أهله فيه سواء و التفاضل بينهم بالخشية و التقوى و مخالفة الهوى و الخلاف هنا وقع في التفاضل و الزيادة فيه و خالف في هذا الاتجاه الألباني مذهب الحنفية والماتريدية, كما خالف نفس الاتجاه أيضا الشيخ صالح بن فوزان بقوله أن هذا تعريف المرجئة, حيث قصروا الإيمان على الإقرار و التصديق بالجنان دون العمل , فجاء عن الشيخ أن القول الحق هو قول باللسان و اعتقاد بالقلب و بالجوارح, فالأعمال داخلة في حقيقة الإيمان وليست شيء زائد عنه, فمن اقتصر على القول باللسان و التصديق بالقلب دون العمل فليس من أهل الإيمان الصحيح, فالإيمان كما قال العلماء قول باللسان و التصديق بالجنان و عمل بالجوارح يزيد بالطاعة و ينقص بالعصيان, أما العلامة الألباني يقول رحمه الله « قلت هذا مذهب الحنفية و الماتريدية خلافا لسلف جماهير الأئمة كمالك و الشافعي و الاوزارعى و غيرهم, فإن هؤلاء زادوا على الإقرار و التصديق العمل بالأركان « و عليه و من شاء أن يتوسع في مسألة الإيمان فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية « الإيمان « فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع و في هذا السياق, فقد استدل ذوو هذا الاتجاه الذي يزيد في كمال الإيمان العمل بالجوارح والأركان وهم أهل السنة و الجماعة و كثير من علماء السلف و الآثار و على رأسهم ابن تيمية و الألباني وغيرهم إلى جانب أصحاب المذاهب الثلاثة من المالكية , الشافعية و الحنبلية استدل هؤلاء بالآيات القرآنية التالية بعد بسم الله الرحمان الرحيم : « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الدين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا. « أية 2-4 من سورة الأنفال . « ومن اصدق من الله قيلا « أية 122 سورة النساء . « فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا « أية 124 سورة التوبة . « و يزداد الذين آمنوا إيمانا « سورة 31 المدثر. « هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا « أية 4 سورة الفتح , وهذه الآيات القرآنية و غيرها تفيد أن الإيمان يزيد وينقص ,يزداد بالطاعات و ينقص بالمعاصي وكثرة الذنوب و الأوزار. أما بالنسبة للتفاضل و عدم تساوي الناس في الإيمان فقد أشارت إليه الآية 31 من سورة فاطر بقوله سبحانه: « تم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير « , فيستفاد من هذه الآية إن ثلاثة أصناف من المؤمنين يتفاوتون في الإيمان و لكل واحد درجة عند الله لا تتساوى مع الآخرين, و جاء في كتاب صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني صفحة 576 في المجلد الثاني قول الزمخشري في تفسيره لهذه الآية « والذين اصطفاهم الله هم امة محمد صلى الله عليه وسلم من الصحابة و التابعين من بعدهم فقسمهم إلى ثلاثة أصناف فالأول المشار إليه انه ظالم لنفسه هو المقصر في عمل الخير يتلو القرآن و لا يعمل به , الثاني ويعني المقتصد هو متوسط في فعل الخيرات و الصالحات يعمل بالقرآن في أغلب الأوقات و يقصر في بعض الفترات و الثالث و هو سابق بالخيرات يعني سباق في العمل بكتاب الله يستبق الخيرات, و قد أحرز قصب السبق في فعل الطاعات بتوفيق الله و تيسيره بإذن الله.و قال ابن جزي و أكثر المفسرين أن هذه الأصناف الثلاث في امة محمد»ص» لا تتساوى في الدين فالظالم لنفسه هو العاصي و السابق الشقي و المقتصد بينهما , أما الحسن البصري فيقول السابق من رجحت حسناته على سيئاته و الظالم من رجحت سيئاته و المقتصد من استوت حسناته سيئاته. و الجدير بالذكر هنا أن التفاضل و التساوي في الإيمان لا يكون إلا بالإقرار و باللسان و العمل بالأركان كيف ما كانت صورها وعددها, وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب التي استأثر بها الله وحده لا يعلمها لا رسول منزل ولا ملك مقرب وهو ما أشار إليه الحديث النبوي الذي يقول بأن الله لا ينظر إلى أعمالكم و صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وهو الذي يعلم ما تضمر القلوب التي في الصدور ويعني الاعتقاد الباطني فهو ما يميز ما بين المؤمن وبين الكافر والمنافق, و بذلك فإن من اقر بما جاء من عند الله لازمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله ولا على تزكية النفوس وكلما ازداد الله طاعة و تقوى ازداد به إيمانا و انطلاقا مما ذكر يبدو جليا أن الإيمان يأتي في المرتبة الثانية بعد التوحيد ,وهو حسب الحديث الذي رواه البخاري و مسلم أن الإيمان بضع وسبعون شعبة فاعلاها قول لا اله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان و أركانه ستة أن تؤمن بالله و ملائكته وكتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره « وكما جاء في قوله « امن الرسول بما انزل من ربه و المؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله و اليوم الآخر لا نفرق بين احد من رسله « سورة البقرة , أما بالنسبة للقدر الذي لم تقع الإشارة إليه في الآيتين الأخيرتين فقد أشار إليه سبحانه في الآية 49 من سورة القمر بقوله: « أن كل شيء خلقناه بقدر « وجاء أيضا في أكثر من مواضع في القرآن و هو آخر أركان الإيمان . لذلك تأتي قضية الإيمان بالله تبارك و تعالى هي القضية الأولى وهي الغاية الأولى التي من أجلها خلق الله الخلق و انزل جميع الكتب و أرسل كل الأنبياء و الرسل من اجل أن يحقق الحق بالإيمان وان يقروا بوحدانيته و ألوهيته وتخصيصه وحده بالعبادة لا شريك له و هو ادن أعظم عبادة و أعظم القضايا على الإطلاق وهي اشرف المسائل باتفاق, و جاء أيضا في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أخرجه مسلم في صحيحه ويسمى حديث جبريل المشهور حيت قال: « بينما نحن جلوس عند النبي(ص) ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر و لا يعرفه منا احد حتى جلس إلى النبي (ص) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد اخبرني عن الإسلام ؟فقال رسول الله (ص) «الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله و أن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا « قال: صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه .قال : فأخبرني عن الإيمان , قال: ( أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر , و تؤمن بالقدر خيره و شره .).قال صدقت. قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .), و أضاف عمر ثم انطلق فلبت جليا تم قال لي ,يا عمر من السائل قال, الله و رسوله اعلم, قال ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) ويبدو مما لاشك فيه أن هذا الحديث قد شمل الدين, فمن عمل به فقد شمل الدين كله و من لم يعمل به قد يكون ترك الدين كله, و بالتالي فإن من ترك احد أركان الحديث لم يكتمل دينه, سواء ا في الإسلام أو في الإيمان أوفي الإحسان وهووا جب لابد القيام به بإخلاص وصدق ظاهرا وباطنا. و الواضح أن اكتر الناس في الظرف الراهن ينقصهم الإيمان بسبب انهماكهم على ملذات الدنيا و أهوائها مما زادهم في الشقاوة رغم توفرهم على جميع ملذات الحياة و الآلاء التي انعم الله عليهم ,معتقدين أن الدنيا هي دار البقاء والحال أن البقاء لله سبحانه دون علمهم بأن دار الحيوان هو دار الخلود ولو علموا ذلك لانصرفوا على متاع الدنيا و انكبوا على الأعمال الصالحات ليزداد إيمانهم الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور وابتعدوا عما نهاهم الله عنه مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: « ليدخل المؤمنون و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و يكفر عنهم سيئاتهم و كان دلك عند الله فوزا عظيما «سورة الفتح. وهكذا فإن من أحبه الله ويعلم فيه الخير لا سمعه القرآن و الموعظة الحسنة كما قال تعالى : « فذكر من خاف وعيد « وما يسمع بها إلا سعيد و رضي الله عليه و بالتالي يقول سبحانه تعالى « هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون « سورة الجاثية , لذلك يتبع العلم بالعمل وهو المراد أيضا بالحديث النبوي ( من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين ). وقبل ختم المقال تجدر الإشارة إلى ملاحظة أساسية حول الموضوع و يتعلق الأمر بضعف إقبال أبناء الأمة الإسلامية على تدبر القران و فهمهم إياه حتى لا تكاد تجد متدبرا لكلام الله إلا من رحم ربه و هذا الأمر من الخطورة بمكان, حيث أن الله سبحانه سجل في كتابه الكريم موقفا لتهتز و ترتعد له فرائص المومنين, حيث جاء عنه في الآية 30 من سورة الفرقان (( و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا.)) ذلك أن ترك التدبر و الفهم يعد بمثابة الهجر لكلام الله الذي انزله وحيا و هدى ورحمة للعالمين و فيه شفاء للناس خاصة إننا نعيش في عهد تعاني منه البشرية معاناة الوساوس و الحيرة و القلق و الطمع و الحسد , الأمر الذي تحتاج معه القلوب إلى ربط الصلة بالقرآن مصداقا لقوله تعالى : (( و ننزل من القران ما هو شفاء للناس و رحمة للمؤمنين ...)) و كذلك قوله : (( هو كتاب أنزلناه لنخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحكيم.)) الآية 1 من سورة إبراهيم و هو ما أشارت إليه الآية 9 من سورة الإسراء (( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أحسن و يبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا .)) و كذلك ما جاء أيضا في الآية 82 في سورة الإسراء (( و ننزل من القران ما هو شفاء للمؤمنين.)).لذلك فالخطاب في الآيتين موجه للمؤمنين لما فيه من حياة القلوب و سعادة للفرد و المجتمع , سعادة دنيوية و أخروية و أصبح أتباع القران واجبا يجب الاقتياد على أحكامه مصداقا لقوله تعالى (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور و هدى و رحمة للمومنين.)) أية 57 من سورة يونس. وأخيرا فمن الواجب التمسك بالكتاب و السنة و بهما تسترجع الأمة الإسلامية عزتها و لا يتأتى ذلك إلا بالفهم الصحيح للدين و العمل به , خلافا لما سارت عليه الطوائف الاسلاموية و تنظيماتها الحزبية الجاهلة التي تدعي أنها تستمد توجهاتها من الدين الإسلامي الحنيف, و الحال أن ما تعتنقه و ما تقوم به لا يمت للدين بصلة خاصة أن الحديث النبوي صريح وواضح بقوله (ص): (( إني تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و سنتي)) ومفهوم المخالفة الضلال, ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.