الوجه، إلا واحد غير أنه إذا أنت عددت المرايا تعددا» ابن عربي. أخي الحبيب، الوحدة هي الوحدة، تبقى القراءة والكتابة،في ظل الخداع والمكر والخيانة والغدر والإنتهازية، في ظل التبدل والتشتت والضياع، وتوالي الخيبات، في لحظة وفاء، تبقى الذات والكتاب، وربما كلب وفي، تبقى الكلمة، يبقى الإبداع، تبقى الكتابة كلازمة شعرية وجدانية، حاجة إنسانية، فنكتب نفرغ عن الأوجاع، عن الهموم في الضلوع، في الأرق، نكتب عن القبح، عن الجمال كما هما، البداية قد تكون جميلة،لكن النهاية ربما لايمكن إنقاذها، لأن نهاية حياة، هي بداية لا شيء، الحنين يولد الصبر ويخفف من الإنزعاج…! ها هنا كل شيء قابل للحياة،لكن الحياة تموت فيها،ماذا يبقى إذن للإنسان بعد أن يطلق النار…؟/ اللوم العتاب على كل شيء…؟ إنه إذ يطلق النار على كل شيء، فسيطلق أيضا على نفسه،إن ما أختاره لنفسي، أختاره لغيري من خلالي، لكن الإطلاق على كل شيء لايكون إلا مرة واحدة، لأن الإنسان لايقتل عدوه مرتين…إنه تمرد إنساني نقي، وكما قال(بوذا) « نحن ما نفكر فيه «. إن ماهية الإنسان تفرض عليه أن يبرر وجوده، وفعله فيه/ وهيدغر عندما قال:»الإنسان موجود للموت»،كان يعني أن يحقق الإنسان منتهى نقاء وجوده./لابد أن يكون المبدع قد عرف كيف يعيش لكي يصير مبدعا، ولا نخفي سرا، أنه في فترة من الفترات،كان معظم من أعرفهم في تلك المرحلة، يشجعونني على المضي في إنجاز تلك الروعة وذلك الخلود، كانوا هم أيضا يشتركون معي في وهم المجد ماداموا يقترحون علي بعض المواضيع لأكتبها، وأن يستهلكوها هم أنفسهم من جديد،كنت مندهشا بسذاجتي وسذاجتهم. لكن هذه النزوة الاستعراضية،(الفخ الذي أنصبه للقراء)لم تطل،لقد أدركت أنني أبني أهرامات رملية/ كما بدأت أعي أن الشعر ليس هو مجرد انتقاء وتصوير أشياء/ليست كل حادثة مادة لقصة، لابد من خلق الحدث داخل الحدث/نفس المراحل التي تتحول فيها دودة القز إلى فراشة، محنة المبدع اليوم هي أنه مطالب بتطوير تقنيته وموضوعه أكثر من أي وقت سابق. مبدئيا، ليس القارئ الجاد وحده الذي يبحث عن كتاب جيد، إنما الكتاب الجيد، أيضا في حاجة إلى قارئ جيد وإلا ضاع كلاهما في الآخر،إنه لحظ كبير أن يلتقيا ليكمل أحدهما الآخر، وإنه لمن المستعذب أن يكتشف الإنسان نفسه في عيون الآخرين الأخوية، وإن المبدع الحقيقي لاينتظر أحدا لتزكيته وتعزيزه،كما أن حب الاكتمال في الإبداع يكاد يتحول في أذهاننا إلى أسطورة عندنا «جبران خليل جبران»لقد أعدم بعض اللوحات التي لم يتممها قبل وفاته رغم إلحاح ورجاء صديقته»ماري هاسكل»عليه لإبقائها،»أبوحيان التوحيدي» و»كافكا أحسا بعبث أعمالهما، أو شعورا بالخطيئة، مثل»غوغول» الذي أحرق جزءا من الجزء الثاني من الأرواح الميتة، بعد أن أدرك أن الفن يتناقض مع الدين،وكان يعيش هلوسات بحدة في أواخر حياته، العالم يفلت منا باستمرار، والإبداع يحاول القبض على هذا الإفلات.نحن حين نستعيد بالإبداع هذا العالم الهارب منا،لا نضعه في صورة مؤطرة ونحتفظ به كذكرى، إن مادته تتحول كأي معدن ينصهر وتعاد صياغته في شكل يلائم عصرنا وما سيأتي بعدنا. هؤلاء الناس في الساحة الآن الذين ينشط بعضهم كالنمل، ويخمل آخرون كالزواحف التي لاتتحرك إلا بسقوط الفريسة في مجالها، وكل ما يغلفنا من أشياء، إنها كلها من عالمنا الذي هو كما لم يكن، وصائر إلى ما هوليس بكائن، فعالمنا إذن هو ما فلت،وما يفلت، وما سيفلت منا،ماذا يريد الإنسان من هذا الوجود إذن…؟يقينا وجوده. إنه يحس أنه مفقود منذ ولادته:من الغيب إلى الغيب، لهذا هو يكابد من أجل إمساك ذاته، التي تنفلت منه.إذ أدنى حركة، هي مظهر في الوجود تحسه بوجوده.إن السكون هو مبعث قلقه الحقيقي… ورغم هذا الانفلات فإن رفضه يتحدد تأجيله بما يربحه أويخسره مرددا… إنما دنياي نفسي… فإن هلكت نفسي فلا عاش أحد… ليت أن الشمس بعدي غربت. ثم لم تشرق على أهل بلد…! الحياة لاتدرك إلا بالإبداع والكتابة، والكلمة هي دمنا، هي نبضنا، هي إشعاع البسطاء، وهذا لايعني أننا نتمنى أن نموت بعد الآخر… أخيرا، يبقى الإنسان حلما مستحيلا، والإنسان نفسه حلم من الأحلام..»، يبقى التحدي، تبقى الجسارة… كل هذا يعني أن الانسان في حاجة مسيسة الى عيش رائع وموت أروع مما عاشه، رغم أنه في الواقع، موت رائع أو أروع…؟ يقال بأن هكسليتحققت له رؤياه الرائعة أثناء احتضاره، فلقد قال لأحد الذين كانوا حوله:- «أقفل النافذة إن ذلك رائع…» وأضاف:- «كنت أعتقد ذلك». ثم مات.