قال بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، إن إسبانيا والمغرب يمثلان اليوم نموذجا متميزا لكيف يمكن للجوار بخصوصياته الجغرافية والتاريخية أن يتحول إلى علاقة قوية ومثمرة بين بلدين صديقين نجحا في إرساء وتقوية وتعزيز الشعور بالثقة المتبادلة. وأكد سانشيز في مقال رأي نشرته، أمس الثلاثاء، صحيفة (البايس) أن إسبانيا والمغرب هما أكثر من أي وقت مضى دولتان توحدهما روابط متعددة ليس فقط في الوقت الحاضر وإنما في إطار علاقة استراتيجية تتطلع نحو المستقبل. وأوضح الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي والمرشح لإعادة انتخابه رئيسا للحكومة الإسبانية المقبلة أن المغرب حاليا هو أحد الشركاء الذين يحظون بأهمية كبيرة بالنسبة لإسبانيا «كما أن العلاقة الوثيقة التي تجمعنا تتمحور حول شبكة قوية من المصالح المشتركة التي أولت لها حكومتنا أهمية قصوى خلال السنة الأخيرة». وأضاف أن إسبانيا تعتبر المغرب «بلدا شقيقا وشريكا استراتيجيا يحظى بالأولوية ونحن نتقاسم معا الازدهار والرخاء والأمن كما أننا نعمل سويا على تكريس الاستقرار في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط وسندعم المغرب في علاقاته مع الاتحاد الأوربي مع تشجيع دينامية المبادلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعينا في مختلف المجالات». وذكر بأنه زار المغرب مرتين الأولى رسمية خلال شهر نونبر 2018 ،والثانية بمناسبة مؤتمر الأممالمتحدة الخاص بالهجرة، الذي احتضنته مدينة مراكش، مشيرا إلى الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني الملك فليبي السادس إلى المغرب، والتي تميزت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات همت مختلف القطاعات «وساهمت في دعم وتعزيز العلاقات القوية والعميقة التي توحدنا على جميع المستويات». وأكد بيدرو سانشيز أن التعاون بين إسبانيا والمغرب في مجال الهجرة ومكافحة الإرهاب «هو مثال حي في الفضاء الأوروبي» باعتباره يرتكز على الثقة الراسخة والاحترام المتبادل والتواصل المستمر مشددا على أن هذا المستوى من التعاون «يظل أساسيا ومحوريا من أجل ضمان أمننا وبالتالي التصدي لمختلف التهديدات سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي». وشدد على أن المغرب يلعب دورا دوليا محوريا وأساسيا في مجال الهجرة «ويجب الاعتراف بجهود السلطات المغربية في معالجة إحدى التحديات العالمية الكبرى التي تهم الجميع وهي ظاهرة الهجرة غير النظامية وقد عبرت عن ذلك بمجرد أن أتيحت لي الفرصة خاصة في الاتحاد الأوروبي» مشيرا إلى أنه نتيجة لمجهودات المملكة في هذا المجال انخفضت أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى أوروبا بنسبة 33 في المائة خلال النصف الأول من السنة الجارية وذلك لأول مرة منذ عام 2013. وقال رئيس الحكومة الإسبانية إن النتائج الجيدة للعمل المشترك استنادا إلى مبدأ المسؤولية المشتركة وكذا الاقتناع بأن الهجرة غير النظامية تشكل تحديا عالميا يتطلب استجابات جماعية منسقة «هو ما دعم التزامنا بمواصلة العمل مع المغرب في مكافحة شبكات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة بالإضافة إلى تطوير قنوات جديدة للهجرة المنتظمة والآمنة». وأشار إلى أن إسبانيا عملت على توسيع هذه الرؤية في المجال المؤسساتي الأوروبي «ولذلك قامت الحكومة الإسبانية أمام شركائها وكذا المؤسسات والهيئات الأوربية بتشجيع اعتماد إطار جديد للتعاون السياسي والمالي طويل الأمد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب» مضيفا أن إسبانيا «ملتزمة ببناء نمط جديد من العلاقات يعكس بأمانة دور المغرب الرئيسي في الأولويات المتعددة للاتحاد الأوروبي». وأضاف سانشيز أن إسبانيا انخرطت بشكل فعال في التفاوض والمصادقة اللاحقة على الاتفاق الفلاحي وكذا على اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب مؤكدا أن هذه الجهود ساهمت في تخصيص مبلغ مالي إضافي يصل إلى 140 مليون أورو موجه لمراقبة الحدود في المغرب «كما ساهمنا وبنفس الطريقة أيضا في الإعلان المشترك لمجلس الشراكة في 27 يونيو بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والذي يعكس الرغبة في إعطاء دفعة قوية للعلاقات وبالتالي اعتماد شراكة أوروبية مغربية للازدهار المشترك». ودعا إلى مواصلة العمل في إطار من المنفعة المتبادلة والمشتركة «وحتى يحافظ المغرب على أفضل وأقرب علاقة مع الاتحاد الأوروبي». وفي المجال الاقتصادي أكد بيدرو سانشيز أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسبانيا والمغرب تطورت باستمرار لتجعل من إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب «حيث أضحت الصادرات والاستثمارات بين بلدينا تمثل بالفعل نسبة 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب» مشيرا إلى «أننا نريد من جانبنا أن يصبح المغرب الذي يستقبل الآن أكثر من ثلث الاستثمارات الإسبانية في القارة الإفريقية أول وجهة للاستثمارات الإسبانية في هذه القارة كما نسعى إلى دعم وتعزيز الحضور الإسباني في قطاعات استراتيجية مثل الطاقات المتجددة وغيرها». وأوضح أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين إسبانيا والمغرب تتميز بدينامية كبيرة ولديها انعكاسات جد إيجابية على مختلف مناحي الحياة مؤكدا أن «جوهر علاقاتنا تدعمه الروابط الإنسانية والثقافية القوية التي توحد البلدين وكذا التقارب بين الشعبين والتبادل الثقافي وتنقل الطلبة والفنانين والأساتذة والباحثين والسياح وروح الصداقة والاحترام المتبادل». وقال بيدرو سانشيز إن المغاربة يمثلون اليوم أول جالية من الأجانب الذين يقيمون بإسبانيا حيث يقدر عددهم بما يقرب من مليون نسمة «وهو الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا ودائما من أجل دعم وتعزيز مساحات التواصل والتقارب بين ثقافتنا ومجتمعاتنا». وأضاف «لقد أقامت إسبانيا والمغرب علاقة قوية من الصداقة والتعاون ويجب علينا أن نستمر في تقوية وتعزيزها من خلال برنامج طموح يتضمن مشاريع مشتركة من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الرخاء والازدهار في مجتمعاتنا والمساهمة بالتالي في استقرار منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط». واعتبر أن المغرب «هو شريك للحاضر والمستقبل ودولة صديقة وتربطنا معه حياة مشتركة كما أن جوارنا يشكل اليوم أكثر من أي وقت مضى فرصة وتحدي لتنمية وتطوير علاقة عادلة ودينامية تلبي التطلعات المشروعة لشعبينا وهو الموقف الذي سأظل ملتزما به عن قناعة».