أخطر مطلوب في تونس بعد أقل من 24 ساعة على وقوع مذبحة الصحيفة الفرنسية، بدأت تتكشف المعطيات والمؤشرات المتعلقة بالعملية وظروف تنفيذها وهوية المشاركين فيها وخيوط الشبكة الكبرى التي تقف وراء العملية ومنفذيها، الأخوان الكواشي، الذي يبدو أن الأمن الفرنسي حدد الخميس مكانهما، والشبكة الداعشية التي تقف وراءهما، وفق بعض التقارير من العاصمة الفرنسية باريس. وكشفت تقارير صحفية وقضائية أن سعيد وشريف الكواشي، معروفان جيداً من قبل الأجهزة الأمنية الفرنسية، وأنهما كانا محلّ متابعة منذ لحاقهما بالشبكات القاعدية في فرنسا، في 2005 تقريباً. انحراف وكان الشابان المنضويان في صفوف القاعدة قبل التحول إلى موالاة داعش، من المسجلين على قائمات الجريمة والانحراف منذ سنوات المراهقة الأولى، بسبب الفشل المدرسي والتفكك الأسري، ما تسبب لهما في مشاكل كثيرة مع الشرطة والعدالة، بسبب تجارة المخدرات في الدائرة 19 من العاصمة باريس، والتهريب والسرقات أو عمليات النشل، التي استمرت بين 2000 و2003، حتى مارس 2008 تاريخ أول ظهور»إعلامي كبير» لهما في إطار محاكمة للشبكة التي عرفت وقتها باسم شبكة فريد بنيتو، أمير المجموعة التي ضمت الأخوين الكواشي، وبعض الشبان الآخرين الذين اختفى بعضهم مثل ثامر بوشناق، وارتقى بعضهم درجات أعلى في سلم الإرهاب مثل أبوبكر الحكيم أو محمد العيوني الذي عاد من العراق في تلك الفترة بعد أن خسر عيناً وذراعاً بسبب مشاركته في القتال في صفوف التنظيم الذي كان يشرف عليه وقتها الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، وهو نفس التنظيم الذي «تخرج منه» زعيم داعش اليوم أبوبكر البغدادي بعد سطوه على التنظيم وانشقاقه عن القاعدة. لست جباناً ويُعد الشقيق الأصغر شريف، 32 سنة، أخطر الشقيقين وأشدهما تطرفاً في الفترة التي اتهم فيها بالمشاركة في تهريب وتجنيد الجهاديين لمصلحة الزرقاوي في القاعدة، بين 2003 و2005، وفي التدريب على السلاح والعمليات الإرهابية في ما عرف لاحقاً بخلية «بوت- شومون» المحمية الطبيعية القريبة من باريس التي تدرب فيها بعض الجهاديين على السلاح والعمليات العسكرية وحرب العصابات، وأكدت أنباء غير رسمية أنه هو الذي صرخ بعد تنفيذ المذبحة: «انتقمنا لرسول الله، قتلنا شارلي». ولكن هذا الشاب الذي نظم هذه المذبحة وارتكبها بهدوء ودم بارد، كان في 2008 أثناء محاكمته، يطلب عفو القاضية، التي سألته عن سبب استمراره في المشروع الجهادي للخلية، إذا لم يكن ينوي شراً، قائلاً: «لم يكن وارداً أن أتراجع، لم يكن ممكناً التراجع، كنت سأتحول إلى أضحوكة المجموعة وكل الذين أعرفهم لم أرد أن أتهم بالجُبن». من باريس إلى الفلوجة وشدد الكواشي الذي أفلت من السجن بعد الحكم عليه بعقوبة مؤجلة التنفيذ ب18 شهراً، أن «أبوبكر الحكيم» هو الذي كان وراء التخطيط والتدريب وإعداد الشبكة وتهريب الأسلحة، ما ساهم في صدور حكم قضى بسجن الحكيم 7 سنوات مع النفاذ العاجل لدوره المحوري في الشبكة وخطورته وصلاته بالشبكات الإرهابية التي نشأت في الغرب لخدمة تنظيم الزرقاوي كما جاء في لوائح تفصيل الحكم ومبرراته. وبعد تواري الأخوين الكواشي عن الأنظار، سطع نجم الحكيم بعد عودته إلى بلاده الأصلية، مطروداً من فرنسا التي يحمل جنسيتها، إلى تونس، حيث اغتال محمد البراهمي وقبله نظم اغتيال شكري بلعيد، باسم أنصار الشريعة في تونس، ليهرب بعد ذلك إلى ليبيا، لينشط ويعمل في إطار الفرع الليبي في درنة، والذي أعلن في الفترة الأخيرة تحالفه مع داعش، قبل أن يبايع البغدادي، تمهيداً لإعلان ولاية ليبيا التابعة للتنظيم. ويعد الحكيم من أبزر وأخطر العناصر الجهادية من جيل الهجرة، ذلك أنه ولد في فرنسا في 1984، وترعرع في أحيائها الفقيرة وضواحي الجريمة والمخدرات، حتى انتقاله إلى «ستالينغراد» نسبة إلى المدينة السوفياتية السابقة، بسبب العنف الرهيب الذي كان منتشراً فيها وفي كامل الدائرة 19 في باريس. مراحل ومثل شركائه في الشبكة الجهادية الفرنسية، مرّ الحكيم، بكل مراحل الكلاسيكية التي تميز السيرة الذاتية لشباب الضواحي في فرنسا، من انحراف وجريمة وسرقات ونشل، وأعمال موسمية، وبطالة دائمة قبل الانخراط في مجموعة «مسجد الدعوة» التي تفرعت عنها المجموعة الجهادية، ولكن الحكيم كان أكثر تصميماً وأشد تطرفاً بعد تحوله منذ 2004 إلى سوريا، لتعميق «تكوينه العلمي الشرعي». ولكن الحكيم تحول بعد أشهر قليلة بفضل علاقاته بالشبكات السلفية السنية المتطرفة في دمشق، إلى العراق وتحديداً إلى الفلوجة، للمشاركة في العمليات العسكرية الشهيرة التي كانت دائرة ضد القوات الأمريكية في المدينة وفي محافظة الرمادي. ورغم شراسة العمليات الحربية، نجح الحكيم في العودة والهرب من العراق عبر سوريا في اتجاه فرنسا، ولكنه فقد في الأثناء شقيقه الأصغر الذي فجر نفسه حسب بعض المصادر في عملية استهدفت القوات الأمريكية في معارك الفلوجة الشهيرة. اغتيال بلعيد والبراهمي وبعد عودته إلى فرنسا، وبفضل الخبرة الطويلة التي اكتسبها في القتال والعمليات الإرهابية وحرب العصابات والتفجيرات في صفوف تنظيم جيش محمد، إحدى المنظمات التي كان للبغدادي دور أساسي فيها، والعاملة تحت إشراف السفاح الزرقاوي، أصبح الحكيم يمثل خطراً أمنياً من الدرجة الأولى، بعد سجله الحافل، ما جعله يتعرض لأشد الأحكام التي صدرت في قضية شبكة الجهاد التي تورط فيها الكواشي، في 2008. لكن بفضل الاستئناف والتظلم وكل الثغرات القانونية نجح الدفاع عن الحكيم في الحصول على أمر قضائي، بترحيله إلى تونس في 2012، لينخرط مباشرة في العمل الجهادي والإرهابي في صفوف أنصار الشريعة، الذي أسسه القاعدي السابق سيف الله بن حسين، مؤسس الجماعة التونسية المقاتلة في أفغانستان في إطار المنظمات التي أحدثها أسامة بن لادن لدعم التحركات المحلية والإقليمية الخاضعة له. وبمجرد وصوله إلى تونس، وبفضل الشبكة الواسعة التي كان يتمتع بها في أوساط الجهاديين التونسيين العائدين طوعاً أو قسراً من الخارج عمل الحكيم على وضع خبرته العسكرية في خدمة التنظيم المتطرف الجديد، وأشرف على اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد بعد أسابيع قليلة من وصوله إلى تونس، وخاصة على اغتيال النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي في 2013. رسالة داعش واعتماداً على هذه المعطيات التي كشفتها عملية الصحيفة الفرنسية الساخرة الأربعاء، يبين التدرج والترابط بين شخصيات الجهاديين الفرنسيين المتورطين فيها، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، بدأت الدوائر الفرنسية في التركيز على تورط داعش في المجزرة ودفعه للجهاديين الفرنسيين لاقترافها، في مؤشر آخر أو رسالة تفيد باستحواذه على إرث القاعدة في الغرب ونجاحه في وضع اليد على بعض الشبكات التي كانت تعمل لفائدة تنظيم بن لادن السابق، وسعيه لتوظيفها لتنفيذ مشاريعه الدموية في الدول العربية وأوروبا وباقي دول العالم مستفيداً من الخزان الكبير الذي تتوفر عليه دولة مثل فرنسا، ممثلة في هذه الأجيال التائهة والضائعة من الشباب المسلم أو من أصل مسلم فيها، لتنفيذ عمليات إرهابية كبرى على أراضي هذه الدول.