عرف القطاع الصحي في عهد الحكومة المغربية الثلاثين جملة من التحولات والنقاشات التي تُؤشر لامحالة على وجود إرادةٍ للتغيير والنهوض بهذا القطاع الاجتماعي الحيوي، سواء من طرف الوزارة الوصية أو الأطر الصحية أو النقابات والجمعيات المدنية...تغييرٌ اختلفت ألوانه باختلاف رؤى الوزراء المتعاقبين على ذات القطاع، التي اشتركت غالبيتها في سن استراتيجيات انكبت على البرامج الصحية و المنشآت الاستشفائية والمعدات الطبية و الدوائية...غير أنها تناست دينامو المنظومة الصحية وقلبها النابض؛ ذاك الإطار البشري الذي يشكل سر نجاح أو فشل أي خطوة استراتيجية تقريرية. لعل واقع عمل وتنظيم الشغيلة الصحية و كذا حصيلة مكاسبها إبان ولاية الوزارة الحالية خير برهان على التهميش الذي يطال جنود الخفاء المصنفين ضمن طابور «المَستور» في وزارة «الدكتور» .... من منطلق أن أهل مكة أدرى بشعابها ، سأتناول قدر المستطاع حصيلة هيئة الممرضين في كنف «التقدميين» خلال سنة 2014؛ وأول الغيث أنه لا وجود لهيئةٍ وطنيةٍ للممرضين رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد نادى في خطابه لسنة 1970 بضرورة توحد الممرضين تحت إطار هيئة وطنية على غرار العدول و القضاة و الأطباء بغية حل مشاكلهم اليومية؛ ما يؤكد وجود إرادة عليا لتأسيس هذا الإطار، فمن يقف حجر عثرة ضدها لحد الآن ؟ للإشارة فهناك نص قانوني متعلق بتأسيس شبه هيئة خاصة بالممرضات المختصات في التوليد موقع من طرف المقيم العام آنذاك «فرانسيس لاكوست» في 21 فبراير من سنة 1955، في نفس السياق فالقانون المنظم لمزاولة مهنة التمريض بالمغرب يعود للظهير رقم 1-57-008 بتاريخ 26 فبراير 1960 المُتمم بمرسوم برسم نفس السنة... اندحر الاستعمار الفرنسي إذن و توفي الموقعون على القانونين السالفي الذكر دون أن يُنصِف و لو وزيرٌ واحد من بين وزراء الحكومات الثلاثين التي قادت المغرب، الممرضين بإحداث هيئة وطنية تنظمهم أخلاقيا وقانونيا أو إخراج قانون لمزاولة المهنة يُفصل ويُوضح الأعمال المنوطة بما يناهز 18 تخصصا تمريضيا... ؟! إن الحدث الأبرز الذي ميز سنة 2014 بالنسبة لفئة الممرضين، هو استهلال التكوين الأساسي للممرضين في فبراير 2014 وفقا لنظام إجازة - ماستر- دكتوراه نظرا لصدور مرسوم إحداث المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بالجريدة الرسمية في 15 أكتوبر 2013، لتصبح بذلك تابعة لمؤسسات التعليم العالي غير الجامعية بعد أن كانت تابعة لوزارة الصحة فقط تحت مسمى «معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي» ... هو إذن تغيير أدبي شكلي بامتياز، حيث نجحت وزارة الصحة في استبدال الاسم الرسمي لمعاهد تكوين الممرضين ولا شيء غير ذلك... وحتى نكون منصفين فقد أتت الوزارة بمستجد بيداغوجي آخر، ألا وهو تثبيت كاميراتٍ داخل المعاهد المذكورة حتى تتسنى مراقبة هاته المؤسسات الخاوية على عروشها المفتقرة لأبسط معدات التدريس والبحث المُكتظة لدرجة انعدام قاعات التدريس أحيانا... نعم تم إرساء نظام إجازة - ماستر- دكتوراه منذ ما يقارب السنة، لكن في غياب تام للقوانين التطبيقية المُصاحِبة و الدفاتر البيداغوجية الواضحة والمُراعِية لخُصوصية هذا الوَرش الصحي التكويني الضخم، ولعل الضبابية وحالة التَّيَهان اللذين تعرفهما هذه المعاهد حالياً بعد مرور سنةٍ على بدءِ التكوين الأساسي بها خيرُ دليل على نقائص هذا المكتسب... ناهيك عن أن مئات من الممرضين الأساتذة سواء الحاصلين منهم على دبلوم السلك الثاني في تخصص التدريس أو الممرضين المكلفين بمهام التأطير والتلقين المُرابطين على مستوى معاهد التكوين يشتغلون بدون قانون أساسي يُنظمهم (كأنهم «عَطَّاشَة» عند وزارة الصحة)، و بدون أجرة تكميلية تُوَفِّيهم تعبَ ساعات التأطير النظري والميداني وأتعاب التصحيح والحراسة والتكوينات، وذلك منذ البدء الفعلي لمنظومة التكوين الأساسي خلال ستينيات القرن الماضي...الغريب في الأمر أن المؤسسة الخاصة بتكوين مدراء ومندوبي ومُسيري المنظومة الصحية (المعهد الوطني للتسيير الصحي سابقا) عرفت هي الأخرى ضَمّها للتعليم العالي بإرساء نظام إجازة - ماستر- دكتوراه وفقا لمرسوم إحداث المدرسة الوطنية للصحة العمومية (التسمية الجديدة) بتاريخ 27 ماي 2013، أي قبل صدور مرسوم إحداث المعاهد العليا للممرضين؛ وما زالت لحد الساعة لم تَفتَح أبوابها بغيةَ التكوين وفق النظام السالف الذكر؛ اللهم فتحها لمباراة ولوج الدبلوم المُتخَصص في ثلاثة مجالات صحية هي التدبير الصحي، الصحة العائلية والجماعية المفتوحين بالتساوي في وجه الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والموظفين الحاصلين على السلم العاشر، وتخصص الأوبئة والصحة العمومية المفتوح للأطباء بالاحتكار دون غيرهم ؟ ...فلِما التَّأنِّي وضبط ووضوح التنظيم حينما يتعلق الأمر بتكوين المسؤولين أصحاب الرواتب و التعويضات «لَمْضَخْمَة»، وسياسة «كَوَّرْ أُو عْطي لْعوَرْ» فيما يخص تكوين الممرضين الذين يشكلون القلب النابض للمنظومة الصحية كَمّاً وكَيْفاً وحتى «عَطالَةً» (حيث أن هناك حاليا ثلاثة أفواج من الممرضين الخريجين في حالة بطالة)...؟؟ الحدث الثاني خلال سنة 2014 هو إعطاء انطلاقة مؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي القطاع العمومي للصحة في 12 نونبر 2014 التي شهدت مخاضا عسيرا قبل بزوغها الرسمي، حيث تم الاتفاق على الاستفادة من خدماتها ابتداء من سنة 2015، وتم تعيين مدير ديوان وزير الصحة على رأسها وخُصص لها غلاف مادي سنوي يقدر ب 50 مليون درهم يُمنح من طرف وزارة الصحة... مبلغ سيكفي فقط لسد تعويضات وتنقلات ومكافآت رؤساء مصالح المؤسسة لتبقى خدماتها حلما جميلا سيراود الشغيلة الصحية طويلا في اليقظة كما في المنام...؟ ما عدا هذين الحدثين «المُعاقين» في مضمونهما تبقى دار الممرضين على حالها، فمشروع تعديل قانونهم الأساسي بإضافة درجة استثنائية (خارج السلم) لايزال «قيد الاعتقال» في الثلاجة التشريعية لوزارة الصحة منذ سنة 2011 ... إضافة إلى تنكر هذه الأخيرة لمحضر اتفاق 5 يوليوز 2011 المُبرم مع النقابات الصحية والذي تشهد جُل نقاطه إيقاف التنفيذ... متى ستفي الوزارة إذن بمضامين الاتفاق وقد شارف «الدكتور» على إنهاء آخر «السطور» في ولايةٍ لم تُنصِف جُندَ الخفاء «المستور» ... كل سياسات التغيير تبدأ وتنتهي عند العنصر البشري. فمزيدا من الاهتمام العملي والمُنصِف ب«كتائبك» المرابطة على الخطوط الاستشفائية الساخنة؛ السيد وزير الصحة! خريج السلك الأول لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي شعبة الترويض الطبي، والسلك الثاني لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي شعبة التدريس. أستاذ دائم بالمعهد العالي للمهن التمريضية و تقنيات الصحة وجدة