بداية لابد من التذكير بنشأة نظام إجازة ماستر دكتوراه الذي كان ثمرةً لاجتماع وزراء التعليم الأوروبيين ترتب عنه إعلان بولون سنة 1999، ذات النظام سيعرف طريقه إلى الممرضين حيث استهلته كندا في تسعينيات القرن الماضي و هي تتوفر حاليا على عدد مهم من الدكاترة في العلوم التمريضية. فرنسا هي الأخرى تبنته سنة 2009، بعد ذلك بسنتين و بالضبط في 25 ماي 2011 أصدر «مركز التجديد في تكوين الممرضين» التابع لجامعة موريال تقريرا تم من خلاله إجراء دراسة حول عشرين دولة فرانكفونية، خَلُصت إلى وجود 27 منهجا تكوينيا مختلفا، خمسة منه تتوفر على سلكي الإجازة و الماستر، و ثلاثة فقط نجحت في تفعيل سلك الدكتوراه في العلوم التمريضية. في المغرب بدأ العمل الفعلي بهذا النظام على صعيد التعليم العالي برسم السنة الجامعية 2003/2004، و عرفت سنة 2013 عقد قِران معاهد التمريض على المنهج الجديد حيث تحولت إلى مؤسسات عليا غير تابعة للجامعات. فما الذي تغير بين النظامين؛ القديم و إجازة ماستر دكتوراه ؟؟! أول ما يُلاحظ أن المكونات البيداغوجية من دروس و مواد بقيت على حالها، لم يشملها أي تقييم و تقويم منذ سنة 1993 (باستثناء شعبة واحدة من أصل ما يقارب 20 تخصصا) و هي الآن تُدرس بنفس المضامين و الأهداف البيداغوجية. الجديد في الصورة أنه تم تنظيمها على شكل وحدات و الإنعام عليها بتسميات مُستحدثة تترجِم مجهودا جبارا يُحسب لقسم التكوين بوزارة الصحة. ثانيا، تم تقليص مجموع الساعات لسنوات التكوين الثلاث إلى النصف تقريبا، في النظام القديم كان حجم الساعات بالنسبة لشعبة الترويض الطبي مثلا 1300 ساعة في السنة ليتراجع بقدرة قادر إلى 640 ساعة في نظام إجازة ماستر دكتوراه، مع أن المعايير المعمول بها حددت الحجم الأدنى للساعات و سكتت عن السقف الأعلى... السكيزوفرينيا الأخرى أن الساعات المخصصة للتداريب الميدانية انخفضت من 1800 ساعة موزعة على ثلاث سنوات إلى 620 ساعة بالنسبة لنفس الشعبة، قِس على ذلك باقي التخصصات، و الكل يدرك مدى أهمية التداريب الميدانية داخل المسلسل التكويني للممرضين، إذ تمثل خصوصية بارزة لهذا الأخير. ثالثا، من بين حسنات النظام السابق اضطلاعه بتكوين مسيري المصالح الصحية و كذا الأساتذة الدائمين من الممرضين على مدى سنتين في سلكه الثاني، هاته القيمة المضافة تم الاستغناء عنها بمناسبة النظام الجديد؛ و إذا علمنا أن المدرسة الوطنية للصحة العمومية (المعهد الوطني للإدارة الصحية سابقا) ستتكفل بتسليم إجازة و ماستر و دكتوراه في كل ما يرتبط بالتدبير الصحي؛ و ذلك بعد مدة لن تكون بالقصيرة نظرا لأن ذات المدرسة لم تبدأ بعد في استقبال الطلبة؛ و هي التي صودق على مرسوم إحداثها (مارس 2013) قبل نظيره المتعلق بمعاهد الممرضين (أكتوبر 2013) بأكثر من ستة أشهر. لما العجلة إذن «أو كَوَّرْ أو عْطي اللَّعْوَرْ» فيما يخص تكوين الممرضين، و في المقابل التأني و الاستعداد المعقلن عندما يتعلق الأمر بمدرسة للصحة العمومية و التدبير ألاستشفائي نعلم جيدا من سيكون المستفيد الأكبر منها من بين الفئات الصحية. و عليه مِن أين لوزارة الصحة خلال الفترة الانتقالية المقبلة التي يمكن أن تطول أكثر مما نتصور، من أين لها بأساتذة دائمين ممرضين مُكوَّنين أكاديميا و بمسيرين للمصالح الصحية مُلِمّين بصغائر و كبائر أمور المستشفيات الخاوية على عروشها ؟؟! رابعا، من جملة الأهداف الركائزية التي قام عليها نظام إجازة ماستر دكتوراه ضمان أريحية و اعتراف قانوني و معنوي للعنصر البشري من خلال تشجيع تنقل و حركية الطلبة و الأساتذة، أمرٌ لا نستشعره بتاتا على أرض الواقع خاصة بالنسبة للأساتذة الممرضين المزاولين لمهامهم في كنف النظام الجديد دون نظام أساسي خاص بهم يراعي خصوصية التكوين بالقطاع الصحي، شللٌ و تجاهل تامان يحُدان من حركيتهم؛ فهم لا يتوفرون حتى على حركة انتقالية دورية رسمية تجمع بين المعاهد الوطنية علما بأنه حق من الحقوق الكونية، زد على ذلك أن مرسوم إحداث المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة (2013) استخسر عليهم حتى صفة أساتذة حين نعتهم بالموظفين المزاولين لمهام التدريس شأنهم شأن «أساتذة سد الخصاص» أو «سجناء يؤدون أشغالا شاقة»...حتى لا أخوض في حرمانهم من تعويضات المراقبة و التصحيح و ضبط ساعات عملهم و اللائحة طويلة... بناء على ما سبق فإن الإصلاح الحالي لنظام تكوين الممرضين بالمغرب و الذي بدأ العمل به برسم السنة الجامعية 2013/2014، لا يعدو أن يكون تعديلا أدبيا و لغويا للمصطلحات و المسميات لم يتجاوز حدود المساحات الورقية التي ازدرته، دون إعادة النظر في جوهر المنهج التكويني بتجديده و تكييفه مع المتغيرات المحلية و العالمية الحاصلة في علوم و تقنيات الصحة، ما سيؤثر لا محالة على جودة و مستوى التكوين في معاهدٍ هي بصدد تبديل لافتاتها، كاميراتها، صباغاتها و مساحاتها ،دون الانتباه لطرق تعاطيها مع عنصرها البشري من موظفين بتنظيمهم و تحفيزهم و إكرامهم لأنهم مفتاح السر في نجاح أو فشل أي تغيير... طالب بالسلك الثاني للدراسات شبه الطبية السنة الثانية شعبة التدريس وجدة