تسبب التراجع الحاد لأسعار النفط في السوق الدولي، خلال الشهور الأخيرة، في إرباك كبير للسياسات الداخلية والخارجية للحكومة الجزائرية التي بادرت مؤخرا إلى إخراج حزمة من الاجراءات التقشفية المزمع اتخاذها في بحر 2015 من قبيل الحد من وتيرة الاستثمار العمومي وتجميد التوظيف في القطاع العام . كما شمل التقشف تدابير بتقليص المساعدات الخارجية التي كانت الجزائر تغدقها على بعض الكيانات والدول الإفريقية بغرض استمالتها في مواقفها المعادية للوحدة الترابية للمغرب. وحسب ما نقلته أمس جريدة الشروق الجزائرية، فإن الرئيس بوتفليقة «أعطى تعليمات إلى كل من وزارتي الشؤون الخارجية والمالية، بتخفيض قيمة المساعدات السنوية التي اعتادت الجزائر تقديمها إلى بعض الدول الإفريقية الصديقة، التي تعاني من مصاعب اقتصادية. « ومن بين الدول المعنية بقرار تقليص المساعدات الجزائرية، تتحدث التقارير الاعلامية عن كل من موريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهي إما دول مجاورة للجزائر، أو تنتمي إلى منطقة الساحل ، بالإضافة إلى دول إفريقية أخرى. ويعادل المبلغ الذي كانت تستفيد منه هذه الدول بعنوان «المساعدات الخارجية للجزائر» حوالي 80 مليون دولار، وهو المبلغ الذي سيتقلص إلى أقل من النصف بفعل الظرفية الاقتصادية التي تجتازها الجارة الشرقية، في محاولة منها للحد من تداعيات تراجع أسعار النفط على خزينتها العمومية. غير أن التقليص من الغلاف المالي الذي تمنحه الجزائر لبعض الدول الإفريقية لن يشمل مع ذلك المساعدات المتعلقة ببرامج التدريب العسكري والأمني، ومنح الدراسة في الجامعات والمعاهد الجزائرية المتخصصة، وهي المساعدات التي تمنحها الجزائر سنويا لنحو 14 دولة إفريقية . المحلل الجيوسياسي عبد الفتاح البلعمشي، اعتبر في تصريح ل «الاتحاد الاشتراكي» أن من شأن قرار خفض المساعدات للدول الافريقية الأكثر فقرا أن يؤثر على نفوذ الجارة الشرقية وعلى طبيعة العلاقات التي تربطها بهذه الدول، وأوضح البلعمشي الذي يدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن منهجية الجزائر في منح المساعدات للدول الافريقية لا تحكمها الأعراف الديبلوماسية المبنية على قواعد مؤسساتية واضحة، وإنما هي مساعدات مباشرة تستغل فقر بعض الدول الافريقية وهشاشتها الاقتصادية، وغياب الديمقراطية بها لاستمالتها في بعض المواقف التي تحتاجها الجزائر لدعم سياستها الخارجية. في المقابل يرى البلعمشي أن المغرب الذي لا يملك الامكانيات المادية المتوفرة لدى جارته الشرقية، مدعو الى تعزيز منهجيته المنافسة للجزائر باعتماد سياسة خارجية تجاه الدول الافريقية مبنية على التعاون في معناه الشمولي حسب المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا المجال، وهذا التعاون البنيوي يأخذ بعين الاعتبار البعد الاقتصادي والسياسي والحضاري المتبادل، وهو المسار الذي اتخذه المغرب في السنوات الأخيرة ويجب عليه ، حسب المحلل، أن يطوره وأن يستمر في تعزيزه أكثر.بدوره اعتبر المحلل الاقتصادي عزيز لحلو أن انهيار سعر برميل النفط في السوق الدولي ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الجزائري وعلى ميزانية الدولة التي تعتمد كليا على صادرات الغاز والنفط بما يمثل 94 في المائة . وهو ما يعني أن استمرار موجة انهيار أسعار النفط في المستقبل يشكل خطرا على اقتصاد الجارة الشرقية، وهو ما قد يدفعها إلى إغلاق صنبور المساعدات السخية التي كانت تغدقها على الدول الافريقية، محاولة منها لجرها في مواقف تعادي الوحدة الترابية للمغرب ، وهو أسلوب طالما اعتمدته الجزائر مع العديد من الدول في منظمة الوحدة الافريقية سواء للحصول على اعترافات بكيان البوليزاريو، وعلى الأقل للبقاء على موقف الحياد من الأطروحة الانفصالية .