شارع الحرية…النص الأول الصفحات من 5 الى 8. يقف القاص محمد الشايب في مجموعته القصصية «الشوارع» الصادرة سنة 2016 موقف المحلل الاجتماعي الذي لبس عباءة الحكيم المتجول في الشوارع التي لخصها في شارع يقود لآخر….الشوارع تتشابه في انحرافها وسقوطها والتيه يأخذ المحلل الى اكتشاف الاختلال متجسدا في الرداءة التي طالت كل القيم. السوق فقد طعم سلعه وفواكهه، والملعب انتحرت لعبه بين لاعبين يحملون بذرات الانهيار؛ مما يجعل الكاتب يقر بغربته، غربة ابن البلد في بلده، بعد أن تخلى الرسول – رسول السلام والامان – عنه وعن رسالته، فيدخل في عزلة هواجس وتوجسات؛ هي في الحقيقة هواجس مواطن بوعي يقظ وحلم وطن المثال وطن الاخلاق والقيم. يقول الكاتب: «في القلب شوارع جارية، وغابات مخضرة، وحزن ضارب في القدم، وجراح لا تندمل….أواصل السير في دروب غربتي، ولا، لا تملأ فراغاتي سحب ماطرة، ومع ذلك أناشد ذاك المطر المؤجل أن يهطل». فالشارع السريع هو ملخص مشاهدات الكاتب، والبناء الشامخ يستل طمأنينة البنايات التقليدية العامرة بشموخ أهلها وتواصلهم وامتدادهم أفقيا وليس عموديا…. هذا الشارع ملخص لمدن عدة، بل لوطن كامل تشوهه صور التشرد، والجنون والعشق – بمفهومه الرديء – وباعة – بدون اختصاص أو تخصص – . يقول الكاتب: «كل يلبس ما يريد أو ما يراد له!؟ وكل يسير كما يشاء، كما يشاء، أو كما يشاء له!؟.» الكاتب أو السارد الذي لبس الحكي يعتبر مشيه مراوحا لمكانه، أي أن المشاهد متشابهة؛ مما يؤكد تشابه الشوارع أينما حل وارتحل، وكأن الناس توافقوا على الرداءة، أو تووفق لهم عليها، أو دفعوا لها دفعا. الشباب – بوعيهم اللافت – السمة البارزة للثورة الآنية الفائرة ضد الظلم والطغيان (اللصوصية الحديثة…الاستعمار…الصهونية). ويبقى التغيير مطلبهم الوحيد باسم أمة فقدت مشروعها. الكاتب السارد لا يمل من تغيير وجهات النظر – عبر تبئير خارجي – يحاول من خلاله إقحام الأنثى في الإشكالية الكبيرة – المشكلة الحضارية والمخارج الممكنة – تلك المرأة التي تقود قافلة البحث عن الحقيقة ( نبع الماء ) دون أن تصل لحل إلا الانتظار في الظل، أو في حدائق الشوارع، تنتظر توجيه الحكيم – الكاتب – أو لعلها ولعلها؟! استفهام وتعجب عن غياب دور ريادي لامرأة صنعت التاريخ. السؤال الصريح المباشر والضمني تقنية تقودك للاجوبة الدالة( أسأل…سألت الأول…ولم…وسألت الثاني…وسألت الثالث…ظللت أسال…ولم….؟ ). فالكاتب يبحث عن مشروعه الكبير شارع الحرية بمفهومها الاخلاقي الراقي، حيث يقوم الشارع بدور القائد الموجه، ولكنه رغم كل السير لم يعثر إلا على سراب سرابا؛ وتلك معضلة لا نجد لها الا في صورة راقية من التعابير المسكوكة التي وظفها الكاتب بتقنيته ليعبر عن فقدان الشارع اللب، واحتفاظه بقشور كل الفواكه (ما أحلى هذه الفواكه حين تحضر كلها، حين تجالسك. تزيل القشور). التموقف البارز للقاص محمد الشايب يستقيه مائيا ككائن ظمآن ( ظللت أهطل ظمأ….وأمتطي صهوة كتابي…. ص 7)، فيخرج من جبة السارد الى الانسان المسؤول الذي يلخص مأساة المجتمع في تحوله لجماعات لعب بئيس رديء، غير اللعب الذي يهواه ولا يتقنه ( لعب دور الرائد الموجه وهو اللعب المحبب إليه ككاتب….ولعب تفاهة على منصات التواصل، وهو مضيعة الوقت والجهد والتفكير؛ وهو الممجوج في عرف الكاتب الملتزم ص7). السفر بكل معاني الحزن والفرح والذهاب والإياب محطة يروم منها الكاتب – مدققا- ان الكل في سفر، سفر السير الى الشوارع بكل معانيها السالفة إلا في ذهن الكاتب الذي يرفض اتجاهاته، ويقرر رحلة البحث عن الحقيقة….( وأنا لا أنا وصلت، ولا أنا ذهبت، تركت نداءات السفر تتعالى، واستأنفت رحيلي). تأخذ الرحلة والمسار الكاتب الى المساجد والاضرحة وكل ما يحمل رموز الدين ( المساجد …الأضرحة…الآذان، و الأدعية، والابتهالات)؛ وكما هو المرور برموز اللهو ( الملاهي المشتعلة والحدائق ومجالس الحب والعتاب والمقاهي والحانات….) وأخيرا قادته الخطوات الى المدارس والمعاهد دون أي جواب عن سؤال الحرية والمثل. رحلة متخيلة طويلة، شاقة خاضها الكاتب بكل قواه الحية ومجهوده الفكري وتجربته الابداعية، وعجز عبر كل المحطات عن الوصول للجواب المقنع الشافي، حتى في محاولته مع رمز التنظيم والنظام – الشرطي ممثلا لصورة الجهاز وعمود الدولة الحديثة في العالم المتحضر الرائد في دول القمم….) لم يجد شارعه شارع الحرية؛ مما يجعلنا نجزم أن الكاتب يقر بنهاية عصر الحريات المسؤولة ليدخلنا في عصر الحريات الموجهة، بفعل سلوكنا الذي خرب كل القيم و المفاهيم، وجعل التبعات خطيرة جدا على مستقبل البلدان؛ مما يفرض خلق نقاش صادق متحرر لوضع خارطة تنظيم الشوارع، شوارع الحياة والحضارة والاخلاق والقيم. * قاص من الجديدة