مجلس إقليمي لمنظمة النساء الاتحاديات بالحسيمة وورشة تكوينية بمديونة    منتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية في البرلمانات الإفريقية آلية فعالة للعمل المشترك (بنعزيز)    الطالبي العلمي: الإرهاب والانفصال يهددان استقرار إفريقيا وتنميتها    سيناريوهات ما بعد هزيمة العرب وأمريكا في أوكرانيا    كلاسيكو الجيش والرجاء من أبرز مواجهات الدورة ال 22 من البطولة الاحترافية    امطار مرتقبة نهاية الاسبوع بشمال المملكة    "نفق المخدرات" في سبتة المحتلة.. بداية في مخزن ونهاية مجهولة    تبادل الرشق بالحجارة والبيض يقود 7 أشخاص كانوا على متن سيارة رباعية الدفع للإعتقال    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شمس الدين طالبي يغير جنسيته الرياضية استعدادًا لتمثيل المغرب    السلامة الطرقية.. التزام عالمي بخفض عدد الوفيات إلى النصف في أفق 2030    ابتدائية البيضاء تدين المدعو جوناثان هاروش بسنتين حبسا نافذا بتهمة النصب    شريط فيديو : رئيس المصلحة الإقليمية ل NARSA يعرض بمناسبة اليوم الوطني تطور مؤشرات السلامة الطرقية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    حماس تسلم جثث أربع رهائن قتلوا في قصف إسرائيلي    بلجيكا تعتمد إجراءات صارمة لتشديد سياسات الهجرة ولمّ الشمل العائلي    امتلاك قرار وسيادة الأمة بناء ومقاومة    اختتام فعاليات النسخة الأولى من برنامج "فيفا كرة القدم للمدارس بالمغرب"    بحضور وزير الثقافة المغربي.. اتفاقية جديدة لتعزيز ممارسة البريكين بين المغرب وفرنسا    أطلنطاسَند للتأمين تفوز بجائزة الابتكار في تأمين السيارات المستعملة ضمن جوائز التأمين بالمغرب وأفريقيا 2025    الفرق المتأهلة لثمن نهائي دوري أبطال أوروبا وموعد القرعة    أنشيلوتي بعد التأهل لثمن نهائي دوري أبطال أوروبا: "لا تهمني هوية الخصم القادم"    انتصار قضائي لزكرياء أبو خلال ضد قناة فرنسية    السعودية تعول على الصين لزيادة سعة رحلات الطيران بمقدار 1.5 مليون مقعد جديد    مجموعة أكديطال تعزز شبكتها الصحية بالاستحواذ على مصحة العيون ومركز الحكمة الطبي    الفريق أول، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يستقبل بأكادير قائد قوة البعثة الأممية بالأقاليم الجنوبية للمملكة    حماس تسلم إسرائيليين في توابيت    احتجاجات في مراكش ضد مشاركة وزيرة إسرائيلية في مؤتمر دولي    إيران تلامس ألف تنفيذ لعقوبة الإعدام خلال سنة 2024    خبير أمريكي: المغرب أبان مجددا عن نجاعة استراتيجيته الأمنية المتينة    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء على يد ريال مدريد    بنعلي تتحدث لأول مرة عن "واقعة القبلة" مع رجل الأعمال الأسترالي    بنعلي: "حكومتا بنكيران والعثماني عطلتا إصلاح قطاع الطاقة وأخنوش أنقذ المغرب من الكارثة"    سينما المغرب في مهرجان برلين    برئاسة المغرب.. إحداث الشبكة الإسلامية لهيئات حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي    مقتل شخصين في حادث تصادم طائرتين صغيرتين جنوب ولاية أريزونا    آبل تطلق iPhone 16e بسعر أقل وميزات ذكاء اصطناعي متطورة    نيروبي.. المكتب الشريف للفوسفاط يقدم حلوله المبتكرة بالمعرض الإفريقي للفلاحة 2025    المخزن الذي نفتخر به: يدبر التوازنات ويصنع التحولات    مؤتمر للشبكة المغربية الموريتانية لمراكز الدراسات لتعزيز دور العلوم الاجتماعية في التنمية بين البلدين    كوريا: الرئيس المعزول يون يمثل أمام أول جلسة محاكمة بتهمة التمرد    أزمة المستحقات بين الشوبي ومالزي    تحت شعار «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع التنموي الديمقراطي» الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين    وزيرة الثقافة الفرنسية: المغرب يمثل مرجعية ثقافية عالمية    إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    وفاة المطربة آسيا مدني مرسال الفلكلور السوداني    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    رامز جلال يكشف اسم برنامجه الجديد خلال شهر رمضان    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    السعرات الحرارية الصباحية تكافح اكتئاب مرضى القلب    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاهوت الرجعي والإصلاح الديني بالمغرب

قد يتساءل القارئ عن دوافع تطرقي لهذا الموضوع، واختيار عنوان هذا المقال في يوم عيد الفطر الكريم بالضبط. وأنا أحاول قدر المستطاع إنعاش وتجويد حياتي الروحية وأمنها طوال شهر رمضان الكريم محتكما للعلم والعقلانية (التغذية والعبادة والعمل والرياضة)، تابعت معاناة ابنتي وابني وهما يحاولان، مرارا وتكرارا، حفظ السور القرآنية الطويلة واستظهار آياتها بشكل مضبوط بدون فهم عباراتها ومصطلحاتها الجذابة، وذات المعاني البلاغية المبهرة. في نفس الوقت، تابعت تشكي تلامذة الباكالوريا من ثقل مقرر التربية الإسلامية، ومعاملها، وتركيزه على الاستظهار أكثر من الفهم، إلى جانب المواد المتعلقة باللغات الحية.
فأمام هذه الوضعية الضاغطة، ومن أجل تعويد أبنائي على الحصول على الرتب المتقدمة في كل دورة، وجدتني مضطرا لتنظيم جلسة عمل معهم، طالبتهم خلالها بتلبية متطلبات المقرر من أجل الحصول على أعلى النقط في امتحانات الاستظهار، وفي نفس الوقت المشاركة في حصص الدعم الإضافية التي خصصتها لهم، على حساب وقت انشغالاتي اليومية الرئيسية، لنتعاون لشرح المقاصد والمصطلحات الدينية. لقد أقنعتهم أن لا فائدة من استظهار السور القرآنية والقواعد اللغوية في النحو والصرف والتحويل والإملاء في جميع اللغات بدون فهمها أولا، واستغلالها في الكتابة والتحليل (الإنشاء والمقالات والدراسات،….). فليس من المفيد، مثلا، حفظ صرف الأفعال بدون تقوية القدرة على استغلال المحور الزمني في الكتابة والسرد، وبالتالي تجويد أسلوب الكتابة والبلاغة في التعبير، والاستعداد يوميا لمعانقة عالم الكتاب والمفكرين والفلاسفة والعلماء في سن مبكر.
استحضارا لما سبق، لا يمكن أن أخفي عن القارئ أنني أشم في مجموعة من التحولات التي تعرفها المقررات المدرسية رائحة توافقات سياسية ليست في صالح تربية الأجيال، توافقات اضطرارية ترجمت وتترجم على المستوى الرسمي على شكل مقررات بنفحات تقليدية، بارزة بالملموس الاستجابة لمقاومة اللاهوت الرجعي بكل أنواعه.
أمام هذه الفرضية المحتملة جدا، أرى من المفيد تذكير القارئ بمجريات أحداث رواية «البؤساء» لكاتبها فيكتور هوكو، خاصة إقدام القس ميريل، أسقف برينول، على مساعدة جان فالجان، والتستر عليه أمام رجال أمن الملك، لكونه رأى فيه الرجل القوي، بعضلاته وانحرافه وشجاعته، والذي يمكن أن يساعد الكنيسة على الانتقام من النظام الملكي، لكون هذا الأخير نجح نسبيا عبر قرون مضت في تحويل الدولة من طابعها اللاهوتي تحت سيطرة الكنيسة إلى طابعها المدني والمؤسساتي، كما أرى أنه من المجدي التذكير بأن العالم الغربي المسيحي، بوضعه الحالي المتطور، لم ينبثق عن قطيعة سياسية مفاجئة ومبكرة عن الكنيسة. لقد تعايش العلم والدين تارة، وتصارع تارة أخرى، لأكثر من 15 قرنا. لقد انطلق هذا العالم من وضع سياسي ترعاه الكنيسة، وتتحكم فيه بقوة، إلى أن توترت العلاقة لتحل الصراعات الدموية، والحروب الضروس، محل التعايش. لقد كانت حصيلة التناحر فظيعة جدا، نتيجة عدم استعداد التيارات السياسية القوية، بشقيها اللاهوتي والمدني، للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل تجديد مقومات التعاقد الاجتماعي بما يناسب تطورات وعي الأفراد والجماعات. لقد ساد التعنت صفوف اللاهوت الرجعي بالرغم من ملامستهم حدوث تطور نوعي وتنويري في الوعي الجماعي الغربي، إلى درجة تحولت معها مغالاتهم في الدعوات للتعصب، غير المبررة عقليا، إلى رغبة في تكريس استمرار الفهم الخاطئ للدين. لقد سفكت دماء الملايين من الأبرياء، وأعدم العديد من المفكرين والعلماء، نتيجة جرأتهم في التفكير، والجهر علنا بأفكارهم واستنتاجاتهم العلمية، لينتهي هذا المسار في نهاية المطاف بانتصار الفكر العلمي، وتشكيل عالم التكنولوجيا، وكثرة الاختراعات الباهرة كما وكيفا.
لقد ابتدأ المشوار التنويري بأوروبا بالتركيز على شقين أساسيين، الأول علمي، والثاني ثقافي تحديثي. لقد عرف القرن الرابع عشر ولادة حركة النهضة والإصلاح، وتلاها في القرن الخامس عشر بروز الحركة الإنسانية. لقد توج عمل الحركتين بإنضاج شروط انبعاث حركة الإصلاح الديني بزعامة لوثر وأتباعه في القرن السادس عشر. إن مناهضة سيطرة الفكر اللاهوتي الفاسد جعل العالم المسيحي يتجاوز التقليد، بحيث انعكس ذلك على البنية الاجتماعية من خلال توسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وبالتالي دخول مرحلة الاختراعات العلمية والتكنولوجية، بدءاَ من اكتشاف الطباعة (القرن الخامس عشر) وما لعبته من دور هام جدا في إيصال المعارف إلى معظم الناس، ونشر الأفكار التنويرية وترسيخها في العقول بمنهجية علمية. لقد شكلت هذه القفزة النوعية محطة وحافزا نفسيا قويا للعبور إلى مرحلة الثورة العلمية الحديثة (القرنين السابع والثامن عشر)، لتتهاوى سلطة الكنيسة بالتدريج، وتضعف قدرتها في التأثير على أفكار العامة. لقد برز بعد ذلك فرنسيس بيكون بمنهجه العلمي الجديد، ونيوتن ولوك كرواد لزمانهم، وساهموا في ترسيخ مقومات عصر التنوير، الذي حول، بمكتسباته، الطبقة الوسطى وفلاسفة التنوير إلى قياديين للتغيير، قياديين حولوا العلم والاختراعات المرتبطة به إلى الشغل الشاغل للعقول في كل أنحاء أوربا. لقد تراكمت المكتسبات بالوتيرة المطلوبة إلى أن تحولت الثورة الفرنسية إلى نموذج لولادة عصر جديد في تاريخ العالم، نموذج هدم الصرح التعليمي المتين الذي شيدته الكنيسة عبر العصور. لقد تحولت الملكية بفرنسا إلى جمهورية بإمارة موناكو، وبنمط سياسي ملكي. وحافظت انجلترا على ثوابتها التاريخية وملكيتها العريقة، وهبت رياح التغيير على كل أقطار أوربا.
صفوة القول،وأنا أستحضر الحاجة إلى تطعيم وتدعيم التعاقد السياسي، الذي توافق عليه المرحوم الحسن الثاني والمقاوم عبد الرحمان اليوسفي، بجرعات قوية، أرى أنه من اللازم التأكيد على أن ما عرفه العالم المعاصر من تطورات إنْ هو إلا نتيجة حتمية لتطور الوعي الاجتماعي الغربي، وليس بالرجوع إلى النصوص الدينية الأولى. لقد قتل أغلب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ليس بأمر رباني، وانتصر معاوية على علي رضي الله عنه ليس بإرادة إلهية، وهوت إمبراطوريات دينية عديدة، وتم سلب سلطة الدولة من الكنيسة لتحل محلها الدولة المدنية، ونشبت الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم حل الاتحاد السوفيتي وإعلان النظام العالمي الجديد، وتم الترويج للدولة أو الأمة القومية في العالم العربي، وتم تجميع المتطرفين في سوريا واستمرار خطة القضاء عليهم، لكونهم ضحايا عدم استيعاب الدروس التاريخية. فالتاريخ لا يولد من الفكرة، بل العكس هو الصحيح، الفكرة بنت التاريخ والواقع المتغير، وحتى المفهوم الواحد يخضع بحكم الواقع للتغيير في مضمونه من حقبة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
في نفس الوقت، الحل لا يتجلى في العلمانية ذات المواقف المناهضة للإسلام، لكون ذلك يجعلها من البدء خارج إطار البحث العلمي أو فوقه. فتغييب المجتمع عن ميدانه ما هو إلا ذريعة لتجريد الظواهر والأحداث عن عمقها التاريخي والتجريبي. فلا الهروب إلى الوراء ورفض الواقع هو الحل، ولا الهروب إلى الأمام والتعالي عن الواقع هو الحل كذلك، الحل الموضوعي يتجلى في تقوية التعاقد السياسي والثقافي من أجل إجلاء معاني الأحداث التاريخية، وبناء تفسيرات نسبية عقلانية لما يجري في عالم اليوم، والانخراط الكلي في المسار التنافسي لتطور العلوم والكشوفات والاختراعات المرتبطة بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.