ستة ملايير وثلاثمائة مليون لرد الاعتبار للمدينة العتيقة بآسفي .. وأزيد من 300 هكتار كمناطق جديدة للتعمير لإحداث 10 آلاف وحدة سكنية بالوسط الحضري، لم تف لإعادة إيواء بؤساء المدينة الذين يعيشون في مساكن آيلة للسقوط في كل وقت وحين ...يلجون بيوتهم ويغادرونها وأياديهم على قلوبهم ولسان حالهم يقول : " الله يدوز هذه الليلة بخير.. " . مواطنون يتربص بهم الموت الغادر ..وآخرون تعساء الحظ والقدر يرحلون وفي قلوبهم غصة وقد تهشمت عظامهم تحت الأنقاض والأتربة .. انهيارات هنا وهناك .. وقتلى بين الفينة والأخرى من مختلف الأعمار ..والسبب - حسب ما جاء على لسان ممثل المدينة - أن هؤلاء الضحايا تمسكوا بالموت عوض أن يتشبثوا بالحياة بعد أن رفضوا الاستجابة لإنذارات الإفراغ !..هكذا يعلل المسؤولون تنامي سيل الفواجع هنا بآسفي .. كما لو أن الضحايا كان ينبغي محاكمتهم بعد وفاتهم .. والتهمة أنهم مارسوا العصيان وهم على قيد الحياة، ورفضوا الامتثال لقرارات البلدية وأوامر السلطة ..؟؟؟ مدينة بحجم آسفي بعمقها التاريخي ورصيدها الحضاري وثقلها الاقتصادي ، وبحجم الموارد العمومية المعبئة لها " ستة ملايير وثلاثمائة مليون لرد الاعتبار للمدينة العتيقة وإعادة إيواء أهلها المستضعفين ، وأزيد من عشرة آلاف وحدة سكنية بسيدي بوزيد وحي المطار ..لم تستطع معها مؤسسة العمران إعادة إسكان الفئات الهشة التي تعيش تحت رحمة الموت ..وهي المؤسسة التي تستفيد من العقار العمومي بحيازة لا تتعدى 36 درهما للمتر المربع ..لم تستطع العمران أن تعيد إيواء 300 أسرة مساكنها مهددة بالانهيار مع أولى قطرات المطر .. ! لقد كان خيار المؤسسة الوحيد هو ترحيل جزء من هذه الفئة الهشة وبمباركة من السلطات والمجالس المتعاقبة إلى جنوبالمدينة، وتحديدا بجوار المركب الكيماوي حيث الانبعاثات الغازية تقضي على الأخضر واليابس .. فبأية مقاربة حقوقية أو مجالية تم هذا الترحيل ..؟؟ هي مصادرة للحياة الكريمة أن يتم ترحيل مواطنين عزل من قلب المدينة .. من شارع الرباط وحي التراب الصيني وأزقة المدينة العتيقة إلى ضاحية الجنوب وفي محيط سكني وبيئي يفتقد إلى أبسط شروط الحياة ..شقق غير مكتملة البناء لا تتعدى مساحتها 50 مترا مربعا أو أكثر بقليل ، بها غرفة واحدة ومطبخ صغير ومرحاض وحيد .. كذا ؟؟؟ لماذا فشلت عملية الترحيل ..؟ لأنها بكل بساطة لم تكن محفزة ولا منصفة وبالأحرى أن تكون مغرية ...لذلك رفض جزء من بؤساء هذه المدينة خيار الترحيل، مفضلين أن يموتوا تحت الأنقاض عوض أن يموتوا بالتدريج .. ما هي البدائل الممكنة ؟ سؤال مشروع قد يطرحه البعض نكاية أو بحس من المسؤولية .. الجواب يجد سنده في فسح المجال لهذه الشريحة الهشة لتجد مأواها ضمن المشاريع السكنية لمؤسسة العمران بالحي المحمدي بتجزئة المطار التي تتسع ل 6500 وحدة سكنية أو بمشروع بن رشد السكني بمنطقة سيدي بوزيد التي أحدثت بها 4000 وحدة سكنية ...فماذا تشكل 300 أسرة أمام وعاء اقتطع من العقار العمومي وبأبخس الأثمان لفائدة مؤسسة خلقت أصلا لتوسيع العرض السكني ببلادنا ..ألا تندرج عملية إعادة الإسكان ضمن مقاربة البحث عن السلم الاجتماعي التي تسعى له السلطات العمومية هنا بآسفي ..؟ ذلك هو المدخل الوحيد لتطويق مسلسل الفواجع التي تقض مضجع الجميع ..فلا يوجد أقسى من مصادرة الحق في الحياة ..وعنوان الكرامة منطلقه عتبة المسكن الذي يحفظ كرامة الناس وأرواحهم ..وبعد ذلك لابد من فتح تحقيق حول حكامة تدبير الموارد المالية المعبئة لرد الاعتبار للمدينة العتيقة ولمشاريع التأهيل الحضري بآسفي. فالأشياء لا تستقيم دون محاسبة أو مساءلة.