يعتبر غلاف الكتاب أول عتبة نعبرها قبل الدخول إلى العالم الداخلي الذي يحتويه الكتاب بين دفتيه . إنه الوجه الأول الذي يقابلنا وننظر إليه قبل أن نعرف المحتوى والمضمون الذي تحمله الصفحات التي تلي ورقة الغلاف الأول . إن الغلاف عتبة تفضي بنا إلى الداخل ، إنه الباب الذي نفتحه أولا لندخل إلى قلب البيت . وعند المغاربة مثال قوي في هذا المجال يعبرون به عن أن الحالة التي يكون عليها باب البيت ، تعكس لامحالة حالة الداخل في البيت .»أمارة الدار على باب الدار». إنه الوجه الذي يطالعنا في الأول قبل الذهاب والسفر بين سطور الصفحات . يمكن أن يجذبنا غلاف كتاب معين نقتنيه ، حتى قبل اطلاعنا ومعرفتنا بمضمونه لجماليته ولرونقه ،فيثير إعجابنا . ونجد أنفسنا حاملين للكتاب فرحين بالجمال الذي يرتسم على وجهه وعتبته ، وأحيانا يمكن أن يحدث العكس ، مع كتاب يحمل مضمونا راقيا وجميلا ، لكن تتجاوزه العين ، لبشاعة غلافه أو على الأقل لأن النظرة الأولى انعكست بالخيبة والنفور على نفس الرائي ، فمضى دون أن يمد يده إلى الكتاب . من هنا أهمية غلاف الكتاب الجمالية والفنية والتسويقية أيضا ، ودوره في جذب وشد انتباه القارئ. «فالماركوتينغ»حاليا صار يفرض مثل هذه الأمور والانتباه إليها ، فكلما كان الغلاف جميلا وذا جاذبية، فإنه سيثير الإنتباه عند الرائي ويثير فضوله للاطلاع ومن ثمة شراء الكتاب)البضاعة(. لذا نثيرالموضوع ، ونناقشه ونلتمس رأي فنانينا التشكيليين خاصة الذين لهم دراية بصناعة أغلفة الكتب ووضعها رهن إشارة المبدعين والناشرين ،كما أن رأي مبدعينا أساسي في الموضوع لأنهم يترقبون دائما أن يخرج مؤلفهم في حلة جميلة ورائعة تسر النظر أولا، ثم تسر عقل القارئ حين يفتح دفة الكتاب الأولى ليبحر في عوالم خلقه وإبداعه . هنا بعض الآراء في الموضوع، تحاول أن تجيب عن الأسئلة التالية : ماذا يمثل الغلاف جماليا بالنسبة للكتاب في نظرك؟ هل ترى أن رأيك مهم وأساسي في اختيار ووضع الغلاف للكتاب حين الصدور ؟ لو يطلب منك كاتب وضع غلاف لمؤلفه كيف ستتعامل مع الموضوع (سؤال خاص بالتشكيلي). القاصة والأديبة لطيفة باقا: الغلاف عتبة الكتاب الأولى ،تلك العتبة التي تسبق الولوج إلى الأماكن المجهولة والغامضة ، هو الباب الموصد الذي علينا فتحه لنكشف ونكتشف الأسرار . بالنسبة لعشاق القراءة هو يافطة على دكان أو فكرة أولى موجزة تعلن عن السلع الموجودة بالداخل … لكن ليست كل اليافطات تنجح في ذلك ، هناك يافطات تموه ، وهناك يافطات تبالغ ، هناك اليافطة التي تفتح الشهية وتلك التي تسدها …وهناك اليافطة الذكية التي تقول ولا تقول مايكفي ليتورط المتلقي في مغامرة الكتابة التي تبدأ بين يدي الكاتب وتنتهي بين يدي القارئ . الغلاف أيضا ألوان تتحدث الصمت ، ورموز تعلن التخفي ، وأشكال تجسد الغياب . إن علاقة الكاتب بالكتاب تنتهي من حيث تبدأ علاقة الناشر به . بمعنى أن الغلاف في الغالب هو أحد هموم الناشر وأحد هواجسه التجارية . أما الكاتب فلا ينتبه لهذا المكون إلا في اللحظات الأخيرة التي تسبق الإصدار ، وقد لايلتفت له أصلا . بالنسبة لكتبي كان الكتاب الوحيد الذي أصررت على التدخل في اختيار غلافه هو مجموعتي القصصية الثانية «منذ تلك الحياة «، حيث طلبت من ناشري أن يضع على غلافها رسما لأخي «عبدالإله باقا» الذي يعاني من مرض نفسي … الرسم عبارة عن وجه امرأة بعين عليها شاش … راقتني فكرة النظرة الناقصة والمبتورة ، هذا الغلاف كان بالنسبة لي تحية متأخرة جدا للأخ الذي لعب دورا أساسيا في تشكيل وعيي وفتح آفاق المعرفة والفن في وجهي وأنا طفلة . أما غلافا المجموعة الأولى والثالثة، فلم يكن لي أي دور في اختيارهما ، وأتذكر بالمناسبة غلاف مجموعتي البكر «ماالذي نفعله» التي فازت بجائزة اتحاد كتاب المغرب والتي كانت تحمل نفس الغلاف الذي خصص لباقي الفائزين مع فرق بسيط : مجموعتي كانت في اللون الوردي ، لاحظت ذلك بمجرد رؤيتي للكتاب حيث أخذتني حمية نسوية على اعتبار أن الوردي للنساء و الأزرق للرجال… وكنت أنا و مازلت أفضل لون البحر و السماء. الروائي أحمد الكبيري: الغلاف كعتبة للنص لن أتحدث عن علاقتي بغلاف الكتاب كما يتحدث عنه النقاد كعتبة من العتبات الأساس للدخول إلى النصوص ، إنما سأتحدث عن علاقتي بغلاف الكتاب كقارئ عادي أولا ، وعلاقتي به في ما بعد ككاتب ناشر لكتبه. في بداياتي كقارئ عادي ، لم أهتم يوما لا بشكل غلاف الكتاب ولا باسم صاحبه ولا حتى بعنوانه ، لكن كان يهمني كثيرا أن أعرف تصنيف الكتاب ، تاريخي فلسفي ، قانوني ، فقهي ، رياضي ، طبي ، علم اجتماع ، علم نفس وما إلى ذلك من التصنيفات ….لدرجة أنه حصل وأن قرأت كتبا عديدة واستمتعت بها وبمحتواها مع أنها كانت مبتورة الغلاف وأحيانا مبتورة صفحات محترمة من مقدمتها . يهمني جدا ، وخاصة في مجال الإبداع ، أن أقرأ ما يلامس ذائقتي ويقترب من كينوني كإنسان فقط. فمازلت أذكر العديد من النصوص التي قرأتها وأحببتها في بداياتي ، ككتابات المنفلوطي وجبران وطه حسين وجورجي زيدان ونجيب محفوظ وكتاب ألف ليلة وليلة ، وابن المقفع والمتبني وغيرهم ، بينما نسيت تماما أغلفة تلك الكتب والشكل الذي كانت عليه لوحاتها . بل من عاداتي ، وإلى وقت قريب ، لأنني كنت ومازلت أقرا كثيرا في المقاهي ، إنني أضع للكتاب الذي أكون بصدد قراءته غلافا بورق صقيل يخفي تماما معالم الكتاب ، نكاية في الحشريين وما أكثرهم . أما في ما بعد صرت أنتقي الكتب بحسب اهتمامي بموضوعاتها أو اهتماما مني بكتابات صاحبها ، ولم يحصل يوما أن اقتنيت كتابا لأن غلافه أو إخراجه أثارني ، إلا بعض الكتب الموسوعة أو الأعمال الكاملة التي تطبع في مجلدات كما هو الحال على سبيل المثال مع مقدمة ابن خلدون ، وألف ليلة وليلة ، أو أعمال جبران الكاملة . وبالنسبة لتعاملي ككاتب مع أغلفة رواياتي ، حاولت بحكم الضرورة كناشر على نفقتي، أن أهتم من الألف إلى الياء بصناعة رواياتي ، التي لم أكن دائما موفقا في إخراجها في الحلة التي كنت أطمح إليها . سواء ماتعلق باختيارالعنوان ، أو ماتعلق بلوحة الغلاف ، التي حرصت أن تكون معبرة ولو بشكل من الأشكال عن تيمة الرواية الأساس ، وسأكتفي بحكاية غلاف «مقابر مشتعلة» التي ترجمت مؤخرا إلى اللغة الصينية . أذكر ذات صباح وأنا أبحث عن صورة أو لوحة تليق بالاشتعال الذي انتهت به الرواية في مقبرة ، نزلت إلى مقابر مدينة سلا العتيقة ، قبالة البحر ، أحمل آلة تصوير .كان الجو ضبابيا ونسائم تعبق الأجواء برطوبة مالحة ، أخذت بعض الصور لأضرحة وقبورا من زوايا مختلفة …. لكني أحسست بوخز كعتاب مؤلم في روحي . فمرضت ذلك اليوم بشكل مفاجئ ، وكأن أرواح الموتى حاصرتني وشدت بخناقي ، حتى كنت أختنق من وهن وحمى لمدة ثلاثة أيام . لما شفيت أعرضت تماما عن اختيار أي صورة من تلك الصور التي التقطت ، وأضرمت النار في قرطاس من ورق داخل الحمام ، حتى إذا صار ملتهبا ، أخذت له بعض الصور إحداها هي التي شكلت غلاف رواية «مقابر مشتعلة «' . لكن ومع ذلك ، وعلى الرغم مما للغلاف من جمالية ، لم يحصل أبدا أن اقتنيت كتابا بسبب غلافه . الروائي عبد الكريم جويطي غلاف الكتاب عتبة وبرزخ يتداخل فيه الإبداع والسلعة ، مالا يمكن تقويمه ماديا وماله ثمن في السوق . يريد الغلاف أن يختزل الكتاب ولو بشكل ميتافيزيقي ويريد أن يخاطب المشتري . له عين على النص وعلى السوق . الغلاف عتبة وجسر وإشارة ونداء . إنه الحيز الذي يلتقي فيه الداخل ) متن الكتاب ( والخارج )أعين القراء (. وككل سلعة يحاول الغلاف أن يكون مغريا ، أن يكون وعدا . هناك أشكال لا حصرلها من الأغلفة ، تبدأ من الخجول والمتكتم لتصل إلى المتبرج والصارخ . يخاطب الغلاف عقل من يراه ويخاطب معارفه ، لكنه يخاطب أيضا لا شعوره وأحاسيسه ، لهذا تعلق بعض الأغلفة بذاكرتنا أكثر مما تعلق بعض النصوص . ونظرا لأهمية أغلفة الكتب فقد تحول تصميمها إلى تخصص هام ضمن تخصصات مهن صناعة الكتاب . أحاول دائما أن أعطي رأيي في كل الكتب التي أصدرتها وخصوصا الروايات . فبحكم ممارستي للرسم من حين لحين، فقد تراكم لدي حس فني يمكنني من تصميم غلاف له صلات مع النص . الغلاف شيء مهم جدا وهو أول تحية يوجهها الكتاب للقارئ وعلى هذه التحية أن تكون حارة ومضيافة. التشكيلي شفيق الزكاري الغلاف في نظري هو الواجهة أو العتبة الجمالية لتقديمه للقارئ ، لأن أهمية المحتوى المعرفي أو الإبداعي رهين بمظهر الغلاف ، بمعنى آخر أن ذوق الكاتب يجب أن يكون رهينا بجودة الغلاف ، لأن هذه الجودة هي التي تعكس مدى اهتمام الكاتب بالجماليات كجزء لا يتجزأ من المشروع الثقافي والإبداعي في بعديهما الشموليين ، بما أنه يختزل مسافة استيعاب محتوى المؤلف أو الكاتب كمقاربة تصب بصريا ومشهديا في نوعية تكوينه وإهتماماته ، ولذك غالبا مانحث المبدع على الإهتمام بهذا الجانب الكرافيكي الذي يقتصر فقط على ذوي الإختصاصفي هذا المجال ، ليقدم الكتاب في حلة جمالية تغري بالقراءة من النظرة الأولى قبل فتح طياته . عندما يطلب مني الكاتب إنجاز كتابه ، حسب تجربتي الطويلة في هذا المجال فإنني أكون مضطرا لقراءة فصوله من خلال مايقدمه لي من أوراق أولية قبل الطبع ، لأستوعب محتواه وأفهم حيثيات النص المكتوب بأبعاده السردية والمخيالية ، حتى أتمكن من بناء صورة تقريبية كترجمة مشهدية تعكس ولو جزئيا مدى علاقة هذه الصورة بالفكرة المطروحة في محتوى الكتاب ، انطلاقا من تخطيطات غرافيكية أو عمل تشكيلي جاهز يناسب هذه الفكرة . لكن مايساعدني في إنجاز كل الأغلفة هو دراستي وتخصصي في الفنون الكرافيكية والاشتغال شخصيا على الحاسوب ، عكس ما يقوم به بعض التشكيليين الذين يكلفون الكرافيكيين بإنجاز الأغلفة تقنيا مع الإشراف على الجودة النهائية .