سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور لحسن بريغت، نائب رئيس المجلس الجهوي للجنوب لهيأة أطباء الأسنان الوطنية المزاولة غير المشروعة لطب الأسنان ترفع من معدلات انتقال عدوى التهاب الكبد الفيروسي
تعتبر تقارير منظمة الصحة العالمية مرض «التهاب الكبد الفيروسي» من بين المشاكل التي تهدد الصحة العمومية على الصعيد العالمي، لأنه يصيب ملايين الأشخاص كل سنة ويتسبب لهم في العجز والموت. ويُعرف التهاب الكبد الفيروسي بكونه «الوباء الصامت»، لأنه غالبا ما يكون ذا طبيعة حميدة في مراحله المبكرة، وقد يقضي سنوات بين العدوى وظهور أعراض المرض الكبدي المزمن أو سرطان الكبد. و التهاب الكبد الفيروسي يعرف بكونه «تبدلات التهابية تصيب الكبد ناتجة عن واحد من خمسة فيروسات لالتهاب الكبد من نوع A، B، C، D وE « . ويمكن للشخص الواحد أن يصاب بكل هذه الفيروسات في نفس الوقت أو في فترات متفرقة. وهناك التهابات كبدية أخرى قد تصيب الأشخاص الذين يتناولون الكحول بكثرة، أو بعض الأدوية، أو بسبب السمنة أو لوجود اختلالات في النظام المناعي للجسم. وفي المغرب تتحدث الإحصائيات الرسمية عن وجود 3 ملايين مصاب بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع «ب» و «س»، مما يجعل بلادنا تصنف ضمن «الدول الموبوءة» في العالم. ويتوقع خبراء الصحة أن يحصد الفيروس من نوع «س» خلال العقدين القادمين حوالي 44 ألف ضحية، 8800 حالة بسبب سرطان الكبد، و35 ألف حالة بسبب التليف الكبدي. هذا في الوقت الذي لا يخفى على أحد التكلفة المادية الكبيرة لمواجهة هذا المرض الخطير وتأثيره على الإنتاج الاقتصادي للمملكة. ويوفر التشخيص المبكر للوباء فرصا كبيرة للعلاج الفعال وكذا لاتخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية اللازمة للحيلولة دون انتقال العدوى للآخرين. كما أن التكفل بالعلاج عرف تطورا هاما بالمغرب، خاصة مع انطلاق العمل بنظام «راميد» . إذ أطلقت وزارة الصحة منذ أكتوبر 2012 برنامج الولوج لعلاجات وباء التهاب الكبد الفيروسي من نوع HVC . وجدير بالذكر أن تكلفة العلاج لمريض واحد لمدة سنة تناهز 147 ألف درهم تنضاف إليها حوالي 16 ألف درهم مقابل التحاليل البيولوجية والتشخيص والتتبع. وخلال السنوات الأخيرة عرفت ممارسة مهنة طب الأسنان تحولات كبيرة، يأتي في مقدمتها التحكم في نقل العدوى بمختلف الفيروسات. إذ أن إجراءات السلامة الصحية وتقنيات التعقيم المعتمدة في كل العيادات، إذا تم احترامها وتنفيذها بشكل جيد، تجعل من الصعب حدوث العدوى في عيادات طب الأسنان خلال عملية علاج الأسنان. ومع ذلك ينصح الخبراء بضرورة تلقيح أطباء الأسنان، وطلبة كليات طب الأسنان، والطاقم الطبي المساعد، وصانعي الأسنان ضد التهاب الكبد الفيروسي من نوع «ب» الذي يشكل خطرا عليهم بسبب سهولة حصول العدوى خلال عمليات العلاج، لأنهم يعملون في وسط يختلط فيه اللعاب بالدم مما يرفع احتمالات نقل العدوى إذا كان المريض مصابا بأحد هذه الفيروسات الكبدية أو غيرها. وتقوم الوقاية من تنقل العدوى الجرثومية أو الفيروسية في عيادات طب الأسنان على اعتماد طرق الوقاية المتعارف عليها عالميا، والتي تحددها منظمات صحية دولية تدعو إلى الصرامة في اعتماد وسائل التعقيم والسلامة الصحية داخل العيادات، وذلك بسبب ارتفاع عدد المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض. وتهم وسائل الوقاية هذه أربع مراحل كلها ذات أهمية قصوى، وهي: إجراءات الحماية الذاتية، تعقيم الأدوات الطبية والجراحية، السلامة الصحية في كرسي العلاج ثم تدبير النفايات الطبية. وتهم إجراءات الوقاية الذاتية ارتداء لباس طبي مهني فعال (وزرة طبية تحمي الجسم كله، قفازان، كمامة تغطي الأنف والفم والنظارات الواقية)، الحماية الكيميائية من خلال غسل اليدين بمواد مطهرة، الوقاية المناعية بواسطة التلقيح ثم اعتماد الإجراءات اللازمة في حال حوادث التعرض للدماء، حيث يجب التصريح بها عند طبيب مختص خلال ال24 ساعة التي تلي الإصابة لإجراء الفحوصات والتحاليل البيولوجية الضرورية. وإضافة إلى وسائل الحماية والوقاية هذه، هناك أيضا ضرورة الحذر عند استعمال الأدوات الطبية الحادة وعدم لمسها باليدين لتفادي الإصابة التي تُنقل عبرها العدوى. وإذا كان أطباء الأسنان يتلقون دروسا طويلة خلال سنوات الدراسة بالكلية، تهم السلامة الصحية وطرق تفادي العدوى بمختلف الفيروسات داخل العيادة، وتعقيم الأدوات الصحية... لأن المهتمين بالصحة على الصعيد العالمي يعرفون أن عيادات طب الأسنان يمكن أن تشكل تربة خصبة لتنقل العدوى بالتهاب الكبد الفيروسي بكل أنواعه وداء فقدان المناعة ثم داء السل، فإن المشكل الكبير والأخطر في المغرب، والذي يهدد الصحة العمومية بشكل كبير، يبقى المزاولون غير الشرعيين لمهنة طب الأسنان أو بعض صانعي الأسنان الذين ينتحلون صفة طبيب الأسنان. فهؤلاء يمارسون مهنة ينظمها القانون المغربي دون توفرهم على التكوين ولا الشهادة اللازمين، مما يجعل خطر العدوى بأحد هذه الأمراض الخطيرة أو كلها كبيرا جدا في هذه «العيادات» الخارجة عن القانون. وإذا كانت جل الدراسات تؤكد على أن احتمال تنقل العدوى داخل عيادات أطباء الأسنان يبقى ضعيفا جدا بسبب إجراءات السلامة الصحية المتبعة، فهناك من يرى أن تزايد عدد المصابين بهذه الأمراض التعفنية سابقة الذكر بالمغرب، رغم الجهود التي تبذلها وزارة الصحة بشراكة مع منظمة الصحة العالمية، راجع إلى العدد الكبير للمشعوذين والممارسين غير الشرعيين لمهنة طب الأسنان، والذين حددهم وزير الداخلية محمد حصاد في تصريح أمام نواب الأمة في بداية العام الجاري في 3300 محل لصناعة الأسنان، ضمنهم 1700 محل لا يتوفر على أي ترخيص من أي جهة رسمية. وأمام خطورة هذا الوضع الذي يهدد الصحة العمومية ببلادنا، أخذت هيأة أطباء الأسنان على عاتقها مهمة محاربة وتعقب المزاولين غير الشرعين لمهنة طب الأسنان، رغم أن ذلك من اختصاص السلطات المحلية المفروض فيها حماية صحة المواطن المغربي من هؤلاء المشعوذين. وبذلك فقد نجح المجلس الجهوي للجنوب في إغلاق العديد من هذه المحلات. وموازاة مع ذلك دشن المجلس الجهوي للجنوب للهيأة الوطنية لأطباء الأسنان حملة تحسيسية من خلال طبع كتيب موجه لكل المعنيين بهذا الموضوع (قضاة، سلطات محلية ورجال الإعلام...) يبين بالصور والأرقام خطورة طلب العلاج عند هؤلاء المشعوذين، والأمراض الخطيرة التي تهدد صحتهم في هذه «العيادات» المزورة التي لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة التحسيسية تندرج في سياق الإستراتيجية التي تبنتها منظمة الصحة العالمية والتي تهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى راسمي السياسات الصحية ولدى المهنيين الصحيين و عامة الناس حول هذه الأمراض التعفنية الخطيرة، وتقوية الإجراءات الخاصة بالوقاية والمكافحة. وأمام هذا الخطر البين للمزاولة غير المشروعة لمهنة طب الأسنان، التي يعاقب عليها القانون، ننصح كمهنيين كل المواطنين باتخاذ الحذر عندما يفكرون في علاج أمراض الفم والأسنان وأن يتوجهوا عند طبيب الأسنان. وإذا اختلط عليهم الأمر ولم يستطيعوا التمييز بين طبيب الأسنان وصانع الأسنان، يمكنهم التأكد من شهادة المعالج ومن رقم انخراطه في هيأة أطباء الأسنان قبل المغامرة بصحتهم وربما بحياتهم و حياة ذويهم. وبما أن القانون المغربي يعاقب من ينتحل صفة طبيب الأسنان، فإن السلطات مطالبة بحماية المواطنين من هؤلاء المزاولين غير الشرعيين، لتنخرط بذلك في سياسة الحكومة التي تصرف ملايير الدراهم سنويا لعلاج مرضى التهاب الكبد الفيروسي ولتمويل الحملات التحسيسية التي تهدف للحفاظ على صحة المغاربة، وبالتالي الرقي بأوضاع الصحة العمومية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.