كانت جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة في الموعد، مساء يوم السبت 6 دجنبر 2014، مع الفلسفة والفن والإنسان، وهي برفقة الأستاذ الباحث، عبدالإله حبيبي، وثلة من المبدعين، في حضور متميز للمهتمين بالمجال الثقافي والإبداعي وبحب الحكمة والكلمة، وذلك للمشاركة في احتفالات منظمة اليونسكو العالمية باليوم العالمي للفلسفة من أجل «تعزيز ثقافة دولية بشأن النقاش الفلسفي واحترام التنوع وكرامة الإنسان، مع تسليط الضوء على مساهمة المعرفة الفلسفية في معالجة القضايا العالمية»، تقول المنظمة التي اختارت يوما في السنة لتكريم التفكير الفلسفي في جميع أنحاء العالم عن طريق فتح مساحات متاحة وحرة، وفي ذات اللقاء وقف الحاضرون دقيقة ترحم على أرواح شهداء فيضانات المناطق الجنوبية للمملكة. وقد بدأ اللقاء بكلمة لرئيس الجمعية المضيفة، عبدالعزيز ملوكي، الذي ألقى تحية مساء الفن والجمال، منوها بالضيوف القادمين من كل المشارب الاجتماعية والفكرية، ومشيرا إلى المناسبة التي اختارت فيها الجمعية تنظيم لقاء حول الفكر الفلسفي في علاقته بشتى الأجناس المعبرة بشكل حقيقي وواضح المعالم عن الحياة والإنسان، ولم يفت رئيس الجمعية الإعلان عن عدم اكتمال اللقاء دون التفاتة عرفان وتكريم لفاعلين، كل في مجال اختصاصه، ضدا على ثقافة الجحود والنسيان، وهم ثلاثة وجوه ساهمت في تكوين الأجيال بتفان ونكران للذات، وهي مبادرة نالت عليها الجمعية احترام واستحسان الحراك المحلي. الأستاذ عبدالإله حبيبي، ضيف اللقاء، ولج عرضه القيم بالتأكيد على أن الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة هو «احتفال حكيم بزمن نوعي الذي هو زمن العقل وألم الحقيقة إذا لم نقل الحقيقة»، وكيف أن اليونسكو خصصت هذا اليوم الكوني باقتراح مغربي، قصد احتفال الإنسانية لأجل الانتصار للعقل والتسامح والحرية وقيم التعايش، قبل طرحه لجملة من الأسئلة الجوهرية التي همت أساسا الإنسان الذي اختير للعيش على الأرض بهدف حمايتها من النتائج المدمرة، في إشارة منه للحرب العالمية التي أتت على عشرات الملايين من الأرواح البشرية، ليتحدث عن فاعلية الفلسفة والحاجة إليها في السؤال النقدي وحياة الإنسان الذي عليه مسؤولية تحقيق العدل وتقوية مملكة الرب. وحسب ضيف اللقاء، فالحياة البشرية تريد إنسانا عالميا وأرضيا، وليس إنسان القبيلة أو المنطقة والحدود، طالما أن الوجود في حاجة إلى شيء مّا، وأن قيمة الخير هي أعلى القيم في نظر عموم الفلاسفة منذ الأزل، وبالتالي لم يفت العارض وضع إشكالات وأسئلة عميقة حول الفن والجمال في عرض فضل أن يشركه مع كل الفئات من خلال مقاربة فلسفية حاول حمل القاعة إلى الانخراط فيها، باعتبار الفلسفة هي البحث عن جواب الأشياء والأسئلة الجوهرية، والخطاب القابل لأن يُفهم ويكون مميزا عن باقي الخطابات، لأنه كلما قمنا بالتفكير ننتهي إلى إشكالات نجد فيها أنفسنا في معضلات مقلقة وانهيارات معقدة. وفي تحدثه عن الأخطاء المهددة للعقل، رأى الأستاذ حبيبي أن الفن لا يكون فنا إلا عندما يحقق المتعة الجمالية والتأملية المرتبطة بالرؤية البصرية، ليتوقف عند الأشكال الفنية والجمال الطبيعي وغيره، ومواقف العديد من المفكرين الفلاسفة وتحديداتهم لمفهومها، وبالنسبة إليه فإن التأمل العميق في الفن يأخذ بالإنسان من عالم الأفقية ليدخله إلى في العمودية، والخروج بالكيان من عوالم المحاثية إلى عوالم المفارقة والتعالي، بل من آلام الرغبة والضجر إلى استعادة الروح لطبيعتها الأصلية بغاية التعود على الحاجة إلى الفن من أجل حماية الوجود من اللاَّمعنى، طالما أن العالم يتغير والإنسان يبحث عن أي عوالم تحرره من القيود والنمطية، يضيف الباحث الذي شدد أكثر على أن الألم والجمال يذكرننا بأشياء مكنونة بدواخلنا. وبلغة فلسفية مركزة، حاول الاستاذ الباحث، وصاحب رواية «بيوس أو طفل الحكمة والطقوس»، تكريس الوعي بالحاجة إلى الفلسفة وسؤالها في حياتنا البشرية، مستحضرا سؤال الإنسان عن ذاته وصراعه من أجل الاطمئنان على وجوده، بالقول إن هذا الإنسان هو وحده، من بين كل الكائنات، يعرف أنه كائن فان، ومن هنا يكمن لغز التراجيديا الإنسانية، خصوصا عندما يدرك الإنسان معنى اللاتناهي وهو متناه، ومعنى الوجود في ارتباطه بالغاية من هذا الوجود والمصير، كما هو الكائن الوحيد الذي يمكنه الإحساس بالجمال باعتباره القابل بالتعالي، وأنه كلما يرى الأشياء الجميلة يسعى جاهدا لامتلاكها وإلا سيتحمل عبء الإحباط والفشل، ليختم الباحث ورقته بسيرة ميلاد آلهة العصور القديمة، ومنها إله الرغبة وإلهة الجمال. وفي خضم هذا اللقاء المعرفي، أبت «جمعية الأنصار للثقافة» إلا تتويجه بقراءات شعرية وقصصية وزجلية أنيقة، شارك فيها الزجال توفيق الأبيض الحمري بقصيدتي «خوفي عليك» و»تخيل»، ثم الشاعرة نعيمة قصباوي بقصيدة « ربيع الخريف»، والشاعر قاسم لوباي بقصيدة «طرق وصوت»، في حين حملت فترة القراءات القصصية أقلاما فتنهم سحر الكلمة والحكاية، منهم القاص محمد الزلماطي الذي شارك بقصة «أصابع الإثم»، والقاصة الواعدة صفاء ملوكي بقصة «بين الأسود والأسود»، ليختمها القاص حميد ركاطة بمسك قصة «الماريشال»، وجميعها جاءت بأنفاس بالغة العمق والشكل والمتعة. وفي دفئ حميمي كانت للحاضرين في اللقاء «فواصل» موسيقية عذبة شارك فيها الفنان الصاعد صلاح الدين هناش الذي أمتع الحاضرين بمقاطع غنائية رائعة على إيقاعات فرقة العازف إدريس دلال، بينما شاركت الطفلة ندى أحانو بتقاسيم هادئة على آلة البيانو، ولم يفت الفنان نور الدين فرح، رفقة العازف الرائع تاج الدين العابد، المشاركة في اللقاء بابتهالات من ألبومه «نور»، ومقطع من خالدة «رباعيات الخيام» لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم. بعدها قامت الجمعية بتكريم ثلاثة وجوه من الفعاليات المحلية، هم ذ. مصطفى التودي الذي تقدم في حقه ذ. حوسى آزارو بشهادة رقيقة، وذ. عبدالرحمان موكان الذي تناول ذ. امحمد أمحزون شهادة مؤثرة في حقه، دون أن يفوت ذ. عبد الإله حبيبي الكشف عن ذكريات دراسية له مع أستاذه المحتفى به، ثم ذ. محمد كرسيت الذي ألقى في حقه ذ. علي يعبوب شهادة صادقة، مع ضرورة الإشارة إلى أن اللقاء عرف تنظيم معرض للصورة الفوتوغرافية من رحم عدسات الفنانين سعيد طعشي، أحمد النبكوري وخليل بوعبيد.