رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب وفلسطين: تلاحم أم تفارق؟


مقدمة:
يجسد احتفاء «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» ب»يوم الأرض»، إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، عمق تفاعل المغاربة مع قضية فلسطين، ومتانة التحامهم بالنضال الدؤوب الذي يخوضه الشعب الفلسطيني، على مدى سبعة عقود (1948-2019)، ضد الاحتلال الإسرائيلي المغتصب لأرضه، ومن أجل استعادة حقوقه المنتهكة
في الحرية والاستقلال والسيادة.
1) ولا مراء، فقد احتلت القضية الفلسطينية مكان الصدارة في حس المغاربة القومي، وشكلت على الدوام موضوع إجماع والتحام في موقف التضامن والمناصرة والدعم، وميثاق التزام وانخراط في المعركة التحريرية التي يخوضها الشعب الفلسطيني، بقيادة منظمته العتيدة: «منظمة التحرير الفلسطينية».
ولا غرابة في ذلك، فإن تعلق المغاربة بأرض فلسطين المنكوبة، وبمقدسات القدس الشريف السليبة، لما يمثلانه من رمزية دينية، ومرجعية تاريخية، وموروث ثقافي وحضاري عربي-إسلامي – إن تعلق المغاربة بالقدس وفلسطين، ليضرب أطنابه في أعماق التاريخ.
بل تزداد مفاعيله السياسية والنضالية قوة وعنفواناً في ظل ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني من محن وملمات، منذ الاحتلال البريطاني عام 1918، ومضاعفاته، وحصول «النكبة» عام 1948 ومخلفاتها الإنسانية والترابية، وحدوث «النكسة» عام 1967، وما نجم عنها من استفحال وضع الاحتلال، وتفاقم سياسة الاستيطان، وتفاحش إجراءات القمع والميز العنصري، وصنوف التعسف والاضطهاد.
ويجسد ما يبذله جلالة الملك محمد السادس، رئيس «لجنة القدس» من جهود حثيثة، وما يتخذه من مواقف شجاعة، وما يبديه من عناية موصولة بالشأن الفلسطيني عموماً، وبشؤون القدس المحتلة بصفة خاصة – يجسد ذلك ما يطبع المغاربة من تفاعل وتجاوب وتضامن مع كفاح الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولته الوطنية ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
وقد جاء «النداء» من أجل «حماية والمحافظة على المقدسات الدينية»، الإسلامية والمسيحية واليهودية بالقدس، وهو النداء الذي أطلقه جلالة الملك، بمعية قداسة البابا فرانسوا من الرباط (30 مارس 2019)، حدثاً تاريخياً بالغ الأهمية، عميق الدلالة، من شأنه استنفار مليارين ونصف من المؤمنين بمختلف أرجاء المعمور، دفاعاً عن القدس ومقدساته.
2) وإزاء ما تتعرض له القضية الفلسطينية اليوم من تحديات ومخاطر غير مسبوقة في مسارها النضالي، وكفاحها التحرري، ليستوجب على كافة القوى الديمقراطية-التحررية، العربية والعالمية، الارتقاء بمستوى تضامنها ومساندتها للقضية، بما يتناسب وخطورة الظرف المحلي والإقليمي والدولي، التي باتت تتهددها في ذات شرعيتها، بل في ذات حاضرها ومستقبلها.
وكما يشاهد ويتابع الجميع، عرباً وغير عرب، فإن القضية الفلسطينية تواجه اليوم ظرفية دقيقة، حبلى بكل الاحتمالات، ما هو سيء منها وما هو أسوأ. وتستمد هذه الظرفية حراجتها من معطيات محلية، وإقليمية، ودولية بالغة الدقة والحراجة.
أولاً: في مأزومية الوضع العربي:
1) يمر العالم العربي بمرحلة عصيبة، غير مسبوقة في تاريخه المعاصر، منذ الحرب العالمية الثانية، وتأسيس «جامعة الدول العربية» (1945).
فقد انقلبت سياسات ومساعي بلورة مشروع «الوحدة العربية» المنشودة إلى أجندات نسج «المحاور»، القائمة على أرضية الصراعات الإيديولوجية، والاستقطابات الإقليمية والدولية، تحت عناوين إيديولوجية، قيمية صرفة.
وبديهي، فإن سياسة «المحاور» العربية بمختلف مسمياتها (محور «الاعتدال»/محور «المقاومة»/محور «النأي بالنفس»)، القائمة على اختلافات إيديولوجية سياسية، وأحياناً طائفية، لا تسهم في ترشيد الوضع العربي، بل إنها على العكس تُغذي دينامية الانقسامات العربية، وتوفر فرصاً إضافية للمزيد من تدخل القوى الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي العربي.
وقد ساهمت هذه الأجندات التشطيرية، الممزقة للنسيج السياسي، القومي للعالم العربي، إلى تغذية الأزمة البنيوية التي تعصف بمؤسسة «جامعة الدول العربية»، منذ عام 2011 بصفة خاصة.
كما انكفأت جهود الاندماجات الإقليمية العربية، لتحل محلها نزعات الانقسام أو الانفصال على الصعيد الترابي-الوطني، كما جرى ويجري في السودان وليبيا وسوريا، بصفة خاصة، أو جنوحات التقوقع في المربع الوطني، ضداً على رؤية العمل من أجل الارتقاء إلى حالة الاندماج الإقليمي. وتشكل الأزمات التي تعصف ب»اتحاد المغرب العربي»، وب»مجلس التعاون الخليجي» مثالاً حياً على ما يطال تطلعات وجهود الاندماج الإقليمي من نكوص وانكفاء.
وموازاة لذلك، فقد تفاقمت ظاهرة الاستقطابات الإقليمية والدولية للمجموعة العربية، مما بات يشكل تهديداً متطاولاً لِ»الأمن الجماعي» العربي، ويلحق ضرراً بالغاً بمصالحها الحيوية، السياسية والجيو-سياسية.
كما تعرضت، وتتعرض القضية الفلسطينية التي جسدت، على مدى سبعة عقود، رافعة أساسية لوحدة الموقف العربي في مجالات التحرر الوطني، والتضامن القومي، واستقلالية القرار السياسي – تتعرض القضية الفلسطينية، في غمرة هذه المتغيرات السلبية، إلى مخاطر متناهية الدقة والخطورة، عنوانها الأساسي: ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي، وتقسيم الشعب الفلسطيني، وتصفية أداته الكفاحية من أجل التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، ذات السيادة، وعاصمتها القدس، وهي «منظمة التحرير الفلسطينية».
تراجع غير مسبوق في مسارات «الانتقال» الديمقراطي، في عدد غير قليل من الأقطار العربية، مصحوباً باختلالات فادحة في مسلسلات التنمية الشاملة، الاجتماعية والاقتصادية والبشرية، مما راكم ويراكم عجوزات اقتصادية واجتماعية، ليس أقلها ارتفاع معدلات البطالة، وبخاصة في صفوف فئات الشباب والمرأة، وترنح في المؤشرات الماكرو-اقتصادية، وتدهور في شروط البيئة وغيرها…
2) وتطرح هذه المعطيات الموضوعية التي تشي بعمق وحدة مأزومية الوضع العربي، سؤالاً مركزياً بات يفرض نفسه بقوة: ما هي أسباب وعلل هذا التدهور في الوضع العربي الراهن؟
ثانياً: في أسباب وعلل
المأزومية العربية:
1/ تعود أسباب مأزومية الوضع العربي إلى تراكم نوعين من العلل:
I/ أولاهما، ذات طابع بنيوي، يعود إلى الفشل التراكمي للأنظمة السياسية العربية، في غالبها الأعم، في مجالات الإصلاح والتحديث، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين؛ وفي مقدمتها تطوير بنية الدولة، والارتقاء بها إلى مستوى «الدولة الوطنية الحديثة».
فمنذ بداية التسعينات من القرن الماضي، على الخصوص، بدأت تتكشف فشالات الأنظمة السياسية القائمة، «القومية» منها و»الأتوقراطية»، في مجالات «الانتقال» إلى الديمقراطية، وتبنى نموذج تنموي متجدد، قمين بتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية وثقافية، تستدمج كافة أفراد المجتمع، وتعزز مقومات انخراطه في ركب التقدم والتطور الذي يخترق فضاءات جغرافية عدة في عالمنا المعاصر..
وقد مهدت حصيلة خيارات وأداءات الأنظمة السياسية العربية، بمتغيراتها اليمينية والليبرالية واليسارية، إلى اختمار وتبلور نوع ثان من العلل، ذي طابع «ثوري»، تجلى في دينامية الانفجارات والاحتجاجات الجماهيرية التي شكلت ما بات يطلق عليه: «الربيع العربي» (2011).
II/ ثانيتها، حدوث الظاهرة «الربيعية» التي شكلت محطة مفصلية في مسلسل المأزومية التي طالت الوضع العربي. كما أنها جسدت محصلة منطقية لهشاشة وتهافتات العديد من الأنظمة العربية التي أبانت عن قصور بنيوي فادح في التجاوب مع مطامح شعوبها، لجهة إرساء الديمقراطية، واجتثاث الفساد، وتحقيق شروط المواطنة، ومتطلبات العدالة.
وإذا كان الجدل لايزال محتدماً ومتجدداً في صفوف النخب السياسية والمجتمعية العربية حول تقييم هذه الحلقة الحرجة في سلسلة نضال الشعوب العربية من أجل الإصلاح والتغيير – فإن تقييم الظاهرة، غالباً ما يصب في اتجاه موقفين متقابلين:
موقف يعتبر أن «الربيع العربي» كان كبوة كارثية، لم يجلب لشعوب المنطقة سوى الفوضى والتقهقر؛
وموقف مقابل، متعارض، يعتبر أن «الربيع العربي»، بالرغم من فشله «الثوري»، شكل ثورة ذهنية، حررت المواطن من طاغوت الخوف والخنوع، وأطلقت ديناميات مجتمعية جديدة، جديرة بتمكين بلدان العالم العربي من غرس قيم الحرية والديمقراطية والعدالة، التي غابت ممارستها على أرض الواقع المعيش.
وحقيقة الأمر – في نظرنا – أن ظاهرة «الربيع العربي» لم تكن «ثورة» بالمفهوم السوسيو-سياسي، والمدلول التاريخي للثورة، كما أنجزتها شعوب وأقطار في أحقاب مختلفة من التاريخ الحديث والمعاصر. كما أنها لم تكن، بذات الوقت، كبوة كارثية، على خلفية ما تولد عنها من فوضى سياسية، واختلالات اجتماعية، واستقطابات مذهبية وطائفية، بل تحتل ظاهرة «الربيع العربي» منزلة بين منزلتي الثورة والكبوة. فقد كان القاسم المشترك للانتفاضات العربية في عدد من الأقطار العربية، في ظل «الربيع العربي»، منصباً على المطالبة الشعبية بتطوير بنيات الدولة التقليدية، بما تتسم به من «طبائع» الاستبداد، وعناصر الفساد، وذلك في اتجاه إرساء دولة وطنية، ديمقراطية، حداثية، بديلة، كفيلة بضمان الحرية والعدالة لمواطنيها، دولة تقوم على المؤسسات والحق والقانون.
2/ بيد أن واقع «اللاثورة» الذي تمخض عن أحداث «الربيع العربي»، بسبب «تفاعل» ديناميات داخلية («الوضع السوسيو-سياسي الداخلي»)، وديناميات خارجية (العوامل الجيو-سياسية) في تأطير مساره وصياغة نتائجه – قد فاقم مأزومية الوضع العربي، ومدد في عمر اختلالاته…
وتمثل الإشكاليات التالية عناوين بارزة لتفاقم مأزومية الوضع العربي:
I/ الإشكالية الأولى: هي إشكالية الإرهاب الإسلاموي الذي انتعش وتناسل في أكثر من منطقة عربية، في شروط الفوضى السياسية التي نجمت عن غياب بديل ديمقراطي، وطني قادر على سد «الفراغ» المؤسساتي الذي تلا انهيار الأنظمة السياسية، الأوتوقراطية.
ولئن وجد النشاط الإرهابي أرضاً خصبة في مناطق الأزمات السياسية بالعالم العربي، فإن دينامية انتشاره، وتغذيته وتمركزه، ظلت مرتبطة ب»ميولات الهيمنة» لدى القوى العالمية الكبرى، التي لم تتورع عن استثماره وتوظيفه للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية.
II/ الإشكالية الثانية: تتجسد في الانهيار الاقتصادي الذي طال اقتصاديات الأقطار العربية التي اجتاحتها عاصفة «الربيع العربي». ففي دراسة من إنجاز «المنتدى الاستراتيجي العربي» (الإسكوا)، فإن حجم الضرر في البنية التحتية للأقطار التي عصفت بها أحداث «الربيع العربي»، يناهز خمسمائة مليار دولار أمريكي، وأن مجمل الخسارة المادية تتجاوز ستمائة مليار دولار، وأن حجم الخسائر التي خلفها «الربيع العربي» يعادل، إجمالاً، 6% من الناتج الداخلي الإجمالي للمنطقة العربية ما بين 2011 وسنة 2015.
وفي ظل هذه المعطيات الاقتصادية الرقمية، فإن اقتصاديات أقطار «الربيع العربي» لاتزال تعاني من مضاعفات هذه الإشكالية بأبعادها الاجتماعية والمعيشية، بل إن مضاعفاتها على الصعيد الاجتماعي أضحت مصدراً أساسياً للتوترات الاجتماعية والسياسية الماثلة.
III/ ثالثة الإشكاليات: تتصل بتشظي الهوية الثقافية-الحضارية للمجموعة العربية التي يشكل لحمتها التاريخ واللغة والثقافة ووحدة المصير، من الخليج إلى المحيط. ف»العروبة» التي شكلت، منذ ثلاثينيات القرن الماضي هوية قومية جامعة، في سياق المشروع التحرري، العربي، لمواجهة الاستعمار وإحباط مخططات هيمنة القوى الأجنبية، الإقليمية والدولية، لم تكن متعارضة ولا متناقضة مع الهويات الوطنية، القطرية، بل سعت إلى أن تكون مظلة ثقافية، حضارية، حداثية، وبوتقة للنضال المشترك، تنصهر في حمأتها مختلف الهويات الثقافية والدينية والطائفية المتعايشة في الفضاء العربي-الإسلامي.
ثالثاً: في محنة القضية الفلسطينية:
I/ في ظل هذه التداعيات السوسيو-سياسية التي تجتاح عالمنا العربي، وتنال من تطلعاته إلى الأمن والاستقرار والتقدم، وتحاصر مختلف قضاياه العادلة، قضايا الديمقراطية والعدالة والحرية، تُصاب القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية للأزمة العربية على امتداد مجالها الجغرافي من الخليج إلى المحيط، وللأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط، كما هي قضية اختبار وامتحان لتطلعات ونضالات الإنسانية جمعاء من أجل الحرية والعدالة والكرامة، في كل مكان من الكوكب الأرض – تُصاب القضية الفلسطينية بنكسة جديدة، تكاد تُضاهي في طابعها وعواقبها «نكبة عام 1948»، و»نكسة» سنة 1967.
وتتضافر في إحداث وتغذية هذه «النكسة» الجديدة، التي أضحت تتهدد حاضر القضية الفلسطينية، وترهن مستقبلها، عدة عوامل ومحددات:
أولاها، سطوة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة «الليكود»، وزعيمه نتنياهو – ومن التف حولهما – على مراكز القرار في إسرائيل، وسعيه الحثيث، منذ ما يناهز عقدين من الزمن، على نسف وإقبار «حل الدولتين» الذي أقرته الشرعية الدولية، وقبل به الشعب الفلسطيني، عبر ممثله الشرعي، الوحيد، «منظمة التحرير الفلسطينية».
وقد شكلت، وتشكل:
سياسة الالتفاف على أوفاق «أسلو» التي أسست ل»حل الدولتين» الذي تبنته الشرعية الدولية؛
وخطة تكثيف «الاستيطان»، وتوسيع نطاقه الجغرافي، ليبتلع مساحات شاسعة من أراضي «الضفة» والقدس، في إطار خطة ماكرة لتهويد ما تبقى من أراضي فلسطين؛
ومنهجة سياسة القمع والتنكيل والاضطهاد للشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 1948، والأراضي المستولى عليها في يونيه عام 1967، مما أسفر عن مئات القتلى في صفوف الشباب الفلسطيني المكافح في «الضفة» تخوم غزة؛
ومحاولة تكريس «ضم القدس» إلى إسرائيل ضداً على قرارات الشرعية الدولية؛
وتبني «الكنيست» الإسرائيلي، لِ»قانون القومية» الذي يكرس السياسة العنصرية لإسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، ويرسي نمطاً جديداً لنظام «الأرباتيد» العنصري؛
وتحدي إسرائيل، بكيفية سافرة ودائمة، لقرارات الأمم المتحدة، ومواقف المجتمع الدولي المناهضة والمدينة لهذه السياسات الاستعمارية والعنصرية والتوسعية لإسرائيل. وفي هذا الصدد فقد بلغت القرارات الأممية، الصادرة عن «مجلس الأمن الدولي» وعن «الجمعية العامة» لمنظمة الأمم المتحدة، ما يناهز: 500 قراراً، لم تلتزم إسرائيل بأي منها؛
إطباق الحصار، ومواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني بغزة، في محاولة يائسة لاحتواء المقاومة الشعبية، السلمية، كما تجسدها «مسيرات العودة وكسر الحصار».
وقد أودت الاعتداءات العسكرية المتواصلة على المتظاهرين السلميين بغزة إلى استشهاد العشرات (=195 قتيلاً)، وخلفت آلاف الجرحى.
ثانيتها، مغالاة الإدارة الأمريكية في الانحياز التام إلى مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، فيما يخص شروط تسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفق قواعد الشرعية الدولية، و»خطة السلام العربية».
وبالرغم من اعتراف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بأن القضية الفلسطينية شكلت وتشكل جوهر النزاع المحتدم بالشرق الأوسط، وأن تثبيت الأمن وإرساء الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم، يظلان شديدي الارتباط بتسوية هذا النزاع الإقليمي، ذي البعد الدولي – فإن سطوة اليمين الأمريكي على مراكز القرار السياسي بالولايات المتحدة، في العقدين الأخيرين على الخصوص، وتجذر ارتباطاته المالية والإيديولوجية والإعلامية بالحركة الصهيونية، كما تجسده منظمة «أيباك» اليهودية-الأمريكية – قد فاقم سياسة انحياز الإدارات الأمريكية لإسرائيل، وجردها من الالتزام بمنطق التوازن والوسطية الذي ينبغي أن تتصرف به دولة عظمى في مقاربة النزاعات الإقليمية والدولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاع تاريخي وسياسي وجيوسياسي، أضحى يمارس تأثيراً فاعلاً على إشكالية الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، كالنزاع العربي-الإسرائيلي.
ثالثتها، حالة «الانقسام» التي لحقت بالصف الفلسطيني ما بين «الضفة» و»القطاع»، مما بات يتهدد حركة التحرير الوطني الفلسطيني بأخطار محدقة على مختلف مستويات كفاحها المحلي والإقليمي والدولي.
وعندما تتأمل جذور ومسار هذا «الانقسام»، منذ إرهاصه الأول الذي تجلى في حدث «الانقلاب» المسلح الذي قامت به حركة «حماس» الفلسطينية في غزة في صيف سنة 2007، ضد «السلطة الوطنية» الفلسطينية في الضفة، وضد «منظمة التحرير الفلسطينية» المؤطرة لها – فإننا لا نذهل عن استبطان جملة من المعطيات الموضوعية الدالة التي رافقت هذا «الانقسام» على مدى عقد ونيف من الزمن (2007-2019).
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.