ملاحظة أساسية يجب أن نقف عندها، منذ إحداث شركات التنمية المحلية، لم يقدم بخصوصها المجلس الأعلى للحسابات أي تقرير، يجيب عن سؤال مدى درجة جودة الحكامة لديها، لأنها ولدت بناء على متطلب أساسي وهو الحكامة، بعد الانتقادات الواسعة الموجهة للتدبير المباشر للجماعات المحلية، الذي كان يعرف رتابة مملة في الإجراءات الإدارية وإنجاز المشاريع. الملاحظة يجب الوقوف عندها أيضا، بحكم أن هذه الشركات، هي آليات جديدة انفتحت عليها مجالس المدن، بغية الرقي بالمدينة وجعل مدننا خاصة الدارالبيضاء، في مصاف العواصم العالمية في مجال المال والأعمال والاستثمار، وكل ما من شأنه أن يخدم تسويق البلد عموما في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والثقافية وغيرها… حتى يتمكن المغرب من لعب دوره الريادي على المستوى الإقليمي والقاري والدولي، لذا كان لابد من مواكبة أداء هذه الشركات، ليس من باب العقاب أو الزجر، ولكن من باب التقويم وتحسين الأداء، حتى تستجيب للرهان الكبير الذي نأمله، وبطبيعة الحال، وبما أن المجالس المنتخبة اعتبرت في فترات عديدة بأنها تفتقد للكفاءة المطلوبة كي تقوم بأدوار المراقبة والمواكبة، فإن المعول عليه هو مؤسسة متمكنة من كل الشروط القانونية والعلمية، للقيام بهذا الدور، وبالتالي لن يكون هناك سوى المجلس الأعلى للحسابات الذي بمقدوره تقديم كشوفات أي اختلال، وتقديم النصح والمنهج للتقويم. الملاحظة أيضا، وجب ذكرها، لأن من شأن قضاة المجلس الأعلى، أن يجيبوا عن سؤال مهم، ظل يتردد منذ إحداث هذه الشركات، هل هي خاصة أم شركات للتنمية المحلية؟ حتى لا يظل الشنآن والاختلاف حول هذا الموضوع هو العنوان الأبرز في اجتماعات مجلس مدينة الدارالبيضاء وغيره من مجالس المدن. عدم إقدام المجلس الأعلى للحساب على هذه الخطوة، له معنيان إما أن برنامجه في الوصول إلى هذه الشركات مازال لم يحن بعد لأن المجلس يعمل وفق برنامج يسطره وأولويات تفرض نفسها، أو أن هناك معنى آخر وهو أن هذه الشركات هي خاصة، وبالتالي فإن المجلس لا دخل له في الأمر؟! الدارالبيضاء للتهيئة ليست شركة للتنمية المحلية! حكاية هذه الشركة تشبه قصص «هاينة»، فهي حكاية لا تنتهي وظلت علامات الاستفهام تحوم حولها منذ إحداثها في سنة 2008، فعندما ظهرت، بدأت تستفيد من صفقات مجلس المدينة بشكل مباشر، ودون المرور عبر طلبات العروض، كما ينص على ذلك قانون المنافسة، فكان رد المسؤولين هو أن هذه الشركة هي شركة للتنمية المحلية تابعة للمجلس، ولذلك فهو يفوت لها هذه الصفقات. المثير أن هذه الشركة لم تظهر كشوفاتها لدى أعضاء المجالس التي مرت وكان الإقناع يأتي دائما بشكل غير رسمي، يفيد بأن هناك مجلسا للإدارة، وبأن المدير يقدم تقاريره في هذا المجلس الذي يعد العمدة عضوا فيه لكن حتى هذا الأخير لم يكن ليقدم أي تقرير، مما جعل الألسن والتخمينات، تذهب إلى ملايين الاحتمالات والقراءات. أحيانا بدت هذه الشركة وكأنها من الطابوهات، التي لا يجب الدخول في مناقشتها وجس نبضها أوالنبش حولها، كان مستشارون، سواء في الولاية السابقة أو الولاية الحالية، يطالبون بقدوم مديرها للدورات لتقديم حصيلته بخصوص الأشغال التي تقوم بها الشركة في المدينة، إلا أنه لم يكن يحضر، هذا المطلب الذي سيحتد في بداية الولاية الحالية ليتقرر حضور المدير في أحد أشغال اللجن وأيضا في لقاء خاص مع المنتخبين. للحقيقة، الرجل كان يبدي استعداده لتقديم حصيلته، لكنه حينما طوق بالسؤال حول طبيعة شركته، سيتحمل مسؤوليته ويعلن بأنها شركة خاصة وليست شركة للتنمية المحلية؟! الجواب الرسمي حول طبيعة شركة «الدارالبيضاء للتهيئة» سيأتي في الدورة الأخيرة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، التي عقدت في شهر فبراير، حيث سيعلن رئيس المجلس، بأن مجلسه سينكب على تحويل شركة «الدارالبيضاء للتهيئة» من شركة خاصة إلى شركة للتنمية المحلية… أخيرا هناك جواب، وأخيرا ظهرت صحة ما كان ينشر عبر وسائل الإعلام، وصدقية بعض المنتخبين الذين رددوا غير ما مرة بأن هذه الشركة لا علاقة لها بالتنمية المحلية…ستة ولاة مروا على الدارالبيضاء، منذ إحداث هذه الشركة وعشرات العمال ومع ذلك لم يأت الرد إلا بعد 21 سنة من إحداثها، بل إن رئيس المجلس الحالي، انتظر انسياب ثلاث سنوات من عمر ولايته ليقرر إعلان حقيقة طبيعة هذه الشركة… أمر يدعو فعلا للقلق ويدعو للتساؤل والحيرة حتى لا نذهب بعيدا كما يطرح علامات استفهام كبرى؟! هنا لابد من العودة إلى مجلس جطو، ثم ألا يكفي تصريح رئيس المجلس الأخير، لينزل قضاة المجلس الأعلى للحسابات إلى مجلس المدينة ليروا كيف مررت صفقات مباشرة إلى هذه الشركة؟! القضاء الإداري يحرج مجلس المدينة قبل متم السنة الفارطة، كانت شركة التنمية المحلية «الدارالبيضاء للنقل»، تعد الصفقة الخاصة باقتناء 700 حافلة جديدة لتعزز أسطول النقل الحضري، في أفق انتهاء العقدة التي تربط الدارالبيضاء مع شركة «مدينة بيس»، لتفاجأ بالأخيرة ترفع دعوى قضائية ضدها لمنعها من إجراء هذه الصفقة التي فوضتها لها مؤسسة التعاون، وجاء في حيثيات الحكم بأن شركة “الدارالبيضاء للنقل” لا يحق لها القيام بهذه الصفقة، بحكم أنها شركة خاصة، وزاد منطوق الحيثيات بأن هذا وحده كاف لبطلان الصفقة، وللأمانة فإن منطوق الحكم، ارتكز على جوانب أخرى لا تهمنا في هذا المقام، لكن مايهمنا هو أن في حيثياته اعتبر هذه الشركة شركة خاصة. ارتباك في الاختصاصات منذ تولي هذا المجلس زمام أمور تدبير المدينة، لم يعد المرء يميز بين اختصاصات هذه الشركات، ففي كل مرة تسمع خبرا، عن إحداث هذه الشركة أو تلك وتفويت هذا القطاع من هذه الشركة إلى أخرى، حتى أصبحنا أمام ما يشبه لعبة الاختفاء السحرية، سنعطي هنا بعض الأمثلة ليكون القراء على اطلاع، على ما يجري في مدينتهم التي لم يعودوا “يقشبلون” فيها شيئا لعله يفتش معنا عمن يدبر ماذا؟! كانت هناك شركة للتنمية المحلية، اسمها «الدارالبيضاء للتنمية»، هذه الشركة أحدثت خلال الولاية التي كان فيها محمد ساجد على رأس المجلس الجماعي، كان الهدف من إحداثها، حسب ما قدموه للناس، هو تدبير المرابد البلدية وأماكن وقوف السيارات، ويذكر البيضاويون، بأنه في السابق كانت هناك شركتان خاصتان تدبران المرابد المتواجدة آنذاك ومعها أماكن وقوف السيارات في الشوارع، وهما ما كنا ننعتهما بشركات «الصابو» واحدة كانت تشغل تراب سيدي بليوط وأجزاء من آنفا، قبل أن تأخذ بالتوسع في اتجاه المعاريف، والثانية كانت تستغل تراب الصخور السوداء. عند انتخاب هذا المجلس قام بحل العقدة مع الشركتين السابقتين، وقدم عرضا لا أول له ولا آخر، حول تجويد الخدمة في هذا المرفق من خلال تفويته لشركة «الدارالبيضاء للتنمية»، خاصة بعد ظهور بعض المرابد الجديدة، بمعنى أن هذه الشركة ستدخل في عمل لن تجد خلاله الوقت للراحة، بعد مرور شهور سيتم إعلامنا بأن أمر تدبير المرابد وأماكن وقوف السيارات سيتم تفويته لشركة التنمية المحلية «الدارالبيضاء للنقل»، وهي الشركة التي أنشئت أساسا من أجل إحداث «طراموي الدارالبيضاء»، بل أكثر من هذا وذاك سيضيف لها المسؤولون على الشأن المحلي تدبير المحطة الطرقية «أولاد زيان» ليبقى السؤال، هو هل انتهت «الدارالبيضاء للنقل» من أشغال إنجاز كل خطوط الطرامواي، أم أننا سندخلها في دوامة أخرى لن تخرج منها؟ وهل تدخل التفويضات الجديدة في باب اختصاصها؟ قبل أعوام، تكلفت شركة «الدارالبيضاء للتراث»، بإعادة تأهيل الفيلودروم الذي تحول إلى منتجع ترفيهي ورياضي، دخلت الشركة في الإعداد والتهييء وتدبير الدراسات، لتجد نفسها خارج الملعب، وتعوض بشركة «الدارالبيضاء للتهيئة»، ومعلوم أن شركة «الدارالبيضاء للتراث» أحدثت من أجل تدبير ممتلكات العاصمة الاقتصادية وإحصائها؟! إحدى كبريات شركات التنمية المحلية وهي شركة «الدارالبيضاء للخدمات» فوت لها المجلس تدبير كل الأسواق التجارية الكبرى، كسوق الدواجن وسوق الخضر والفواكه وسوق السمك وغيرها بالإضافة إلى قطاعات أخرى، كرقمنة الإدارة وبعض الخدمات كالإشراف على النظافة، إلى حين إبرام عقود جديدة مع شركات مختصة. هذه الشركة ستفاجأ بأن بعض الاختصاصات بل معظم هذه الاختصاصات ستسحب منها، خاصة عندما أعلن المسؤولون عن إحداث شركة للتنمية المحلية اسمها «الدارالبيضاء أسواق»، وأخرى اسمها «الدارالبيضاء موارد» و«الدارالبيضاء البيئة»، لقد أصبح إحداث هذه الشركات كالفطر، او كأي لعبة من اللعب، دون تحديد أهداف ودون سابق تقييم لأداء الشركات أو على أي أساس تم اعتماد سحب هذا الاختصاص ومنحه لشركة أخرى، كذلك الشأن بالنسبة لشركة التنمية المحلية «الدارالبيضاء للبيئة»، التي عهد لها أمر تدبر مرفق التشوير، والحال أن هذا المرفق يجب أن يعطى لشركة تهتم بالطرقات، قبل أن يفطن المسؤولون في المجلس إلى تفويت هذا المرفق لشركة «الدارالبيضاء للتهيئة»، «والتي هي شركة خاصة مازالت لم تتحول إلى شركة للتنمية المحلية. أمثلة كثيرة حول هذا العبث، وأقول العبث، إذا علمنا أن هناك مصالح داخل الجماعة والمقاطعة، تسمى مصالح البيئة، والأقسام الاقتصادية المكلفة بالأسواق ومصالح أخرى لها ذات الاختصاصات الموكولة لهذه الشركات، ليبقى السؤال ماذا سنفعل بهذه المصالح وما مآل العاملين؟! أداء لا يسر الناظرين حينما نتحدث عن أداء الشركات، يجب أن نستحضر مقومات أساسية كانت سببا في إحداثها.. وهي السرعة في الإنجاز والتكلفة ونقاء الوضع. على مستوى نقاء الوضع، معظم المشاريع التي تكلفت بها مثلا “الدارالبيضاء للتهيئة”، شيدت فوق عقارات لا تملكها الجماعة الحضرية، ولم تقم بتصفيتها، على سبيل المثال مربد الراشدي، أما على مستوى السرعة فمعظم المشاريع تعرف بطئا، منها خطوط الطرامواي الستة التي لم تكتمل، ومنها القنطرة المعلقة بسيدي معروف والمسرح الذي مازال لم يفتتح وإصلاح مركب محمد الخامس، الذي استغرق إلى حدود الآن ما يناهز ثلاث سنوات وغيرها من المشاريع. وعلى مستوى التكلفة، نجد أن هذه الشركات تتقاضى عمولات تصل إلى %10 من الجماعة الحضرية عن كل عملية قامت بها، أضف إلى ذلك أنها تتكلف ببعض المهام مقابل عمولات، في حين أن هذه المهام قد تقوم بها الجماعة نفسها، كانتداب مكتب للدراسة للقيام بدراسة معينة، حيث يتم تكليف الشركة بتكليف مكتب دراسة مقابل عمولة في حين أن الجماعة يمكنها أن تنتدب مكتبا للدراسات بشكل مباشر، بدل صرف عمولة زائدة. ومن المهام التي لم تتوفق فيها هذه الشركات نستعرض بعض الأمثلة: شركة «الدارالبيضاء للتراث» هذه الشركة من بين ما تكلفت به هو إعادة ترميم وتهيئة مجسم الكرة الأرضية، وهي المهمة التي تكلفت بها قبل سنتين، النتيجة لا داعي لذكرها، فالبيضاويون يمرون يوميا من هناك، ويرون الحالة المزرية التي عليها هذا المجسم، الذي يعد أحد المعالم التي يعرف بها الأجانب مدينة الدارالبيضاء. ذات الشركة، تكلفت بإعادة تأهيل الفيلودروم لكنها لم تتمكن من ذلك لأسباب كثيرة، منها أنها لا تتوفر على السيولة المالية، لتتم إزاحتها وانتداب شركة “الدارالبيضاء للتهيئة”، وللعلم فقط فإن هذه الشركة اليوم تعاني عجزا يبلغ 6,8 ملايين درهم، وعلى المجالس المنتخبة أن تضخ لها سيولة مالية؟! شركة «الدارالبيضاء للتنشيط» هذه الشركة كلفتها الجماعة الحضرية للدار البيضاء بالتنشيط الثقافي والرياضي. أولا، المشرع لم يعط للجماعة الحضرية للدار البيضاء أي اختصاص في مجال التنشيط الفني والثقافي، وبالتالي يطرح السؤال كيف لمجلس يفوت اختصاصا ليس من اختصاصه؟! لنغمض أعيننا ونذهب إلى نوع الأنشطة التي قامت بها هذه الشركة، من بين ما نظمته هو ماراطون كبير، يذكر الجميع كيف تحول هذا الماراطون إلى مادة للسخرية في وسائل الإعلام الدولية وعلى ألسن المشاركين الأجانب فيه، كما اعتبره المتتبعون واحدا من أفشل الماراطونات على وجه الكرة الأرضية حيث عرف سوءا بينا في التنظيم، حتى أنه أحرج المدبرين في المدينة. ذات الشركة قامت بخلق «لوغو» للعاصمة الاقتصادية وهو (ويكازابلانكا)، وقالت بأن هذا “اللوغو” الذي صرفت عليه حوالي 630 مليون سنتيم. سيكون بمثابة علامة تعريفية بالدارالبيضاء، في أفق تسويقها كعاصمة للمال والأعمال، نذكر جميعا ردود الفعل حول هذا “»اللوغو”« الذي اختفى اليوم من عدة فضاءات، خاصة في ما يتعلق بقيمته المالية العجيبة. أما على مستوى تسويق مدينة الدارالبيضاء فالرد جاء بعد مدة من التطبيل لهذا التسويق، ذلك أن مجلس المدينة، فسخ عقدة تدبير قطاع النظافة مع شركتي “سيطا” و”أفيردا” بدعوى أنهما لم تنجحا في جعل المدينة نظيفة، كما أن التكلفة المالية جد مرتفعة، وهي التكلفة التي كانت تبلغ 66 مليار سنتيم في السنة، فقامت المدينة بإعلان طلب عروض دولي، وبلغت قيمة النظافة هذه المرة 89 مليار سنتيم، أي بزيادة 23 مليار سنتيم عن التكلفة السابقة، وعند استقبال الأظرفة لم تستجب لطلب عروض الدارالبيضاء سوى شركتين واحدة فرنسية والثانية ماهي إلا شركة «أفيردا»، التي كانت متواجدة أصلا، فأين هي هذه الجاذبية وأين هو التسويق للمدينة، خاصة وأننا أمام رقم يفتح شهية أي شركة دولية لأننا نتحدث عن مجموع مالي تبلغ قيمته ما يقارب 700 مليار سنتيم في ظرف سبع سنوات. مدير هذه الشركة، الذي يتقاضى أجرا سمينا، سبق وبادر إلى مراسلة المقاطعات الستة عشر المؤثثة للمدينة، يطالبها بأداء واجب مالي بهدف إلى تنظيم أنشطة رياضية لهذه المقاطعات، الأمر الذي تناولته وسائل الإعلام في حينه، لتنبه المكتب المسير للمجلس بأن الشركة لا تربطها أية صلة بالمقاطعات من الناحية القانونية، وبالتالي، لا يحق لها التعامل مع المقاطعات، ليستفيق المدبرون ويعالجوا الأمر، واعتُبرت مراسلاته لاغية، وهو ما يطرح سؤال الكفاءة في هذا الباب؟! شركة «الدارالبيضاء للخدمات» هذه الشركة تكلفت من بين ما تكلفت به، تدبير سوق الجملة للخضر والفواكه، الذي تعد مداخيله من الأعمدة الأساسية في ميزانية الجماعة الحضرية. الشركة لم تتمكن من الرفع من مداخيل هذه السوق ولم تتمكن أيضا حتى من إعادة تأهيلها، كما سبق الوعد بذلك، بدليل أن شكايات التجار به مازالت لم تتوقف إلى حدود الآن. الشركة أيضا، وفي إطار جعل الدارالبيضاء تدخل نادي المدن الذكية، تم تكليفها برقمنة العمل الإداري للجماعة والمقاطعات، هذه الشركة ستنتدب شركة أخرى للقيام بجرد الحواسيب داخل المقاطعات، والحال أن هذه الأخيرة لها مصالح خاصة بهذا القطاع. وكان على مدير الشركة، فقط أن يضيع 16مكالمة مدتها 16دقيقة بواسطة هاتفه النقال المجاني، ليسأل المسؤولين في هذه المقاطعات سؤالا بسيطا: وهو كم من حاسوب تتوفرون عليه؟ وماهي حاجاتكم من الحواسيب؟ إذن بدل الالتجاء إلى 16 دقيقة من أي مقهى، تكلف الشركة شركة أخرى للقيام بهذا الجرد، وهذا مؤشر أساسي يجعلنا أمام المنظر العام للتدبير لدى هذه الشركة. ذاتها “»الدارالبيضاء للخدمات”« تكلفت بتدبير مرفق النظافة في الفترة الفاصلة مابين فسخ العقدة مع الشركتين السابقتين، وتوقيع عقدة جديدة مع شركات جديدة، وهي المدة التي فاقت السنة إلى حدود الآن، ولعل أعين البيضاويين شاهدة على مستوى النظافة في الشوارع والدروب والأحياء! مصاريف مديري الشركات مدراء هذه الشركات يتمتعون بمكاتب تؤدي مصاريفها الجماعة الحضرية للدار البيضاء، ويتوزعون في مقرات توجد بشوارع كبرى، منها شارع عبد المومن وشارع الزرقطوني ومارينا كازا، علما أن الجماعة الحضرية للدار البيضاء لها ممتلكات خاصة ويمكن استغلالها. مدراء الشركات يتمتعون بسيارات فارهة من النوع الرفيع، بالإضافة إلى حصص مهمة من الوقود وهواتف من آخر طراز. ولا يقل أجر أي منهم عن 42 ألف درهم. بدون التعويضات عن الملبس والأكل وغيرها من الامتيازات الأخرى، أي أنها أجرة تفوق أجرة عامل إقليم، ولهم حق التوظيف بشكل مباشر بأجور مرتفعة، كما يتمتعون بمنح سنوية في كل سنة من رقم المعاملة للشركة بالإضافة إلى منح أخرى. لكن الخطير في الأمر أن هذه الشركات يتم إلحاق بها بعض الأطر الجماعية في إطار إجراء الوضع رهن الإشارة. إلا أن هذا الإطار من الناحية المالية لا يستفيد إلا من تعويض بسيط مزاجي، غير محدد بأي قانون، وأنه في وضعية معلقة، إذ هل هو تابع للجماعة أم للشركة، فوثائق العمل تقول إنه موظف جماعي لكن في الواقع يعمل لدى شركة مما يجعله محروما من الحقوق التي يتمتع بها جل موظفي الشركة المذكورة، ثم إن شركة جاءت لسد ثغرات الحكامة لا يجب أن تقبل بمثل وضعية كهذه، ومعلوم أن إلحاق الأطر الجماعية يأتي لإغناء الشركة بهم، لأنهم يتوفرون على التجربة والكفاءة والخبرة وغيرها… بمعنى أن معظم العمل ينزل على مكاتبهم، وليس على موظف بالشركة، مازال لم يستأنس بعد حتى بقانون التنظيم الجماعي. العقود المبرمة مع المدراء فيها أريحية كبيرة للمدير، ويكفي أن نذكر أن مديرة شركة “الدارالبيضاء للتراث” تمتعت بحقوق في فسخ عقدها بلغ 70 مليون سنتيم عند المغادرة كما تمتع الموظفون التابعون لها بمبالغ مهمة. لماذا هي شركات لا تشبه الشركات؟ في النهاية، لابد أن نشير إلى أن هذه الآلية هي مهمة في التدبير الحداثي والحكماتي، وهي الآلية التي عرفت نجاحا في العديد من عواصم العالم وحتى في مدن صغرى، وفي المغرب، هناك تجربة ناجحة في الرباط. لكن في الدارالبيضاء كثر عليها اللغط لأنها عانت منذ النشأة أو الإحداث. وظل مسارها ملتبسا بحكم أن مدير مجلسها الإداري هو الوالي، وبالتالي فإنه ليست هناك مخرجات لمناقشة أدائها بحكم أن الوالي يمثل السلطة الوصية، وهي السلطة التي تواكب المشاريع الكبرى بعد كبوة المنتخب. الأستاذ الحسين نصر لله، ممثل المعارضة داخل المجلس وأحد المختصين في موضوع شركات التنمية المحلية يوضح بخصوص أداء هذه الشركات، كونها أحدثت لتعبئة الموارد المالية والبشرية، وهذا هو الهدف من إنشائها في بعض الدول، أي أن تكون قادرة على تحقيق مداخيل مالية لفائدتها ولفائدة الجماعة الترابية، وأن توفر الكفاءات المفتقدة في المجالس، وهذان الأمران لا يمكن أن يتحققا إلا بالدخول في شراكة مع القطاع الخاص، الشركات المتوفرة الآن في الدارالبيضاء، جلها تفتقد لهذه الشراكة. وبخصوص الكفاءات فشركات التنمية في الدارالبيضاء تعتمد أساسا على الكفاءات الجماعية أو تلجأ لمكاتب الدراسات، بمعنى أنها لا تتوفر إلا على المدير وموظفين قلائل، والمال الذي تعمل به كله، قادم من الجماعة الترابية، بدليل أن معظم الشركات اليوم تعاني عجزا ماليا وتنتظر شأنها شأن أي جمعية، منحة المجلس المنتخب. الشركات أيضا – يضيف محدثنا – أحدثت لتجيب عن مسألة ضعف الحكامة، التي عانت منها العاصمة الاقتصادية وهو الأمر الذي أشار إليه جلالة الملك، عندما أفرد جانبا من خطابه أمام البرلمان لسنة 2013 بمدينة الدارالبيضاء حيث اعتبر أن أداءها يعاني من ضعف الحكامة. ومن أهم أسس الحكامة المتعارف عليها دوليا هو احترام القانون، وتفعيل الرقابة والتقييم، فمن الناحية القانونية رأينا كيف أحدثت الشركات، خصوصا في ما يهم العقود الرابطة بينها وبين الجماعة وهي عقود تعد باطلة، لسبب بسيط، وهو غياب قرار وزير الداخلية المحدد لشروط وشكل الاتفاقيات مع هذه الشركات. أما بخصوص التقييم، فاليوم ليس لدينا تقرير علمي منطقي واحد يلخص أداء هذه الشركات، خاصة في الشق المتعلق بنجاعتها، في ما يهم أساسا التكلفة، أي هل المرور عبر هذه الآلية كان مكلفا للخزينة البلدية أم لم يكن كذلك؟ أما بالنسبة للرقابة، فقد قسمها المشرع إلى رقابة داخلية وأخرى خارجية، ففي ما يتعلق بالرقابة الداخلية تغيب التقارير المنبثقة عن المجالس الإدارية لهذه الشركات التي لم تعرض البتة على أنظار المجلس الجماعي، وكذلك الشأن بالنسبة لتقرير عضو مجلس إدارتها ألا وهو رئيس المجلس، الذي لم يرفع أي تقرير في هذا الباب لأعضاء مجلسه، كما أن المجلس الجماعي استحال عليه حتى الاطلاع على تقارير المحاسب. وفي ما يتعلق بالرقابة الخارجية لم يسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن راقب هذه الشركات. فشركات التنمية المحلية، يقول نصر لله، يمكن أن تجيب عن معضلة ضعف الحكامة شريطة أن تتوفر هذه الشروط غير المتوفرة فيها اليوم.