يعتب قادة حركة حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها ، على أنها تذعن لبعض المطالب والسياسات ، وتسكت على بعض الإجراءات مقابل حفاظها على مواصلة تدفق أموال الدول المانحة لتغطية : 1- رواتب الموظفين و2- تغطية احتياجات السلطة ، وقادة حماس محقون في عتبهم ، بل محقون في توجيه النقد لسياسات السلطة الوطنية ، لأنها تسكت عن التجاوزات الإسرائيلية ، وحجة السلطة الفلسطينية في ذلك اعتمادها على فقه الحديث الذي يقول « درء المفاسد خير من جلب المنافع « ، ولأن أحد أدوات بقاء الفلسطينيين على أرض وطنهم هي أموال المانحين ، وهو خير من خروجهم من وطنهم تحت ضغط الحاجة ، لهذا تصمت السلطة الوطنية على سياسات وإجراءات وتجاوزات إسرائيلية ، ثمناً لتدفق أموال الدول المانحة كخطوة أولى ، وثمناً لبقاء شعبهم على أرض وطنهم كخطوة ثانية ، فالصراع في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي قائم على مفردتين : الأرض والبشر ، يريدون الأرض بلا بشر ، ومن هنا حكمة القائد الراحل ياسر عرفات أنه استطاع نقل الصراع من المنفى إلى الوطن ليكون صراع البشر بين الشعبين على أرض فلسطين وليس خارجها ، وهنا أهمية صمود الشعب العربي الفلسطيني على أرضه الوطنية ، والعمل على استعادتها وما عليها من حقوق وممتلكات وحياة . ولكن السؤال هل حماس ، أصابها العقل والإتزان ، وتحولت مواقفها من موقف « الحسم العسكري « وتنفيذها للانقلاب الدموي عام 2007 ، لأن السلطة والرئيس وفتح ارتكبوا ما ارتكبوه من أخطاء بحق الثوابت ، وأن حماس تغذت على فتح وعلى السلطة قبل أن يتعشوا عليها ، وتحولت حماس عام 2014 إلى تنظيم وحدوي يقبل الشراكة مع فتح وباقي الفصائل ، لأن الوحدة في وجه العدو أفضل من التمزق والشرذمة ، وأن الوقائع وتتالي الأحداث أثبتت صواب مواقف الرئيس والسلطة وحركة فتح ، فأعاد قادة حماس حساباتهم وقرروا إنهاء مظاهر الانقلاب والتراجع عن الانقسام والتفرد ، ولذلك استسلموا لمظاهر الوحدة الوطنية ، وعملوا من أجلها .. أم أن حماس تراجعت وأذعنت بسبب عدم قدرتها على دفع رواتب عناصرها وقياداتها الذين عينتهم موظفين في سلطة غزة الأحادية بعد الانقلاب ، وأنها منذ ما يقارب السنة ، منذ سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر ، ووقف نقل الشنط المليئة بالدولارات ، ووقف تدفق مداخيل الأنفاق المغلقة ، أي منذ تولي الرئيس السيسي سلطة اتخاذ القرار في القاهرة ، وحماس غير قادرة على تلبية احتياجات موظفيها . في 23/4/2014 ، وافقت حماس عن التنازل عن السلطة المنفردة في قطاع غزة ، واستقال إسماعيل هنية ، ووافقوا في 2/6/2014 على حكومة لا سيطرة لهم عليها ، لأن حماس إن لم تفعل ذلك ، ولم ترضخ لشروط التراجع عن الإنقلاب وإنهاء مظاهر الإنقسام وإلغاء التفرد في إدارة قطاع غزة ، وقبول شروط الوحدة واستحقاقاتها ، إن لم تفعل ذلك لشاهدنا ثورة في قطاع غزة ضد سلطة حماس على خلفية عجزها عن صرف الرواتب لقواعدها الحزبية الذين انخرطوا في مؤسسات سلطة حماس الإنقلابية من مدنيين وعسكريين ، وفشلها في استمرارية خطوات الإنقلاب واستكمالها ، ولذلك كانت الأولوية لدى حركة حماس هو صرف رواتب موظفيها الممولة من قطر . المال عصب الحياة ، والسلطة الوطنية أسيرة لثلاثة عوامل هي 1- الإحتلال ، 2- الإنقلاب ، 3- المال المدفوع من الدول المانحة وعدم القدرة على توفير الإستقلال المالي لجعل سياساتها مستقلة عن الدول المانحة ، وأموالها المشروطة ، ولذلك يمكن القول أن غياب المال المستقل وشُح تدفقاته ، سيمنع مسيرة الشعب العربي الفلسطيني من استكمال خطواتها التراكمية وصولاً نحو هدفي النضال : الإستقلال وفق القرار 181 ، والعودة وفق القرار 194 ، وبصرف النظر عن دوافع حركة حماس للتراجع عن الإنقلاب ، فاستعادة الوحدة في إطار منظمة التحرير وصياغة برنامج سياسي مشترك ، والإتفاق على الأدوات الكفاحية ، يجعل الكل الفلسطيني موحداً ضد الإحتلال ، ومن أجل توفير الإحتياجات المالية ، بحرية أكثر ، وقد يقلل من حجم الإبتزاز الإسرائيلي الأميركي ، وتتسع حجم المناورة الفلسطينية ويقوي التماسك الداخلي ، ويجعل الشعب الفلسطيني وفصائله وشخصياته وقياداته أكثر قدرة على الصمود وعدم الأذعان ، والإلتزام بما هو متفق عليه من قبل الجميع ، من قبل الكل الفلسطيني ، ولذلك يجب وضع برنامج استقلال مالي تدريجي ، حتى يكون القرار الفلسطيني مستقلاً وحقاً ، عن تأثير الدول المانحة ، فهل تستطيع الوحدة الفلسطينية تأدية هذا الواجب ، والوصول إلى هذا المطلب الملح .