إن مكانة الحرية في الإسلام من الانشغالات الرئيسة للفكر الإسلامي الحديث والمعاصر منذ مطلع القرن 19م على الأقل. وقد تزامن هذا الاهتمام مع تزايد درجة احتكاك العرب والمسلمين بالحداثة الغربية بأشكالها ومظاهرها المختلفة، وانتقال عدد من أبناء بلدان جنوب وشرق المتوسط إلى الغرب في إطار البعثات العلمية والرحلات السفارية وغيرهما. ومما يثير انتباه الباحث والمتتبع لأشكال تمثل العرب والمسلمين لمفهوم الحرية وأبعادها، هو تعدد وتطور دلالاتها بحسب تطور الحاجة الموضوعية إليها، سواء من النواحي الاجتماعية أو السياسية أو الدينية..، ففي البداية لم يكن مطلب الحرية يتعدى بعض الهوامش والتوقيعات على هامش الاستبداد السياسي، وإشارات محتشمة للحرية الاجتماعية المرتبطة بوضع المرأة..، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى دلالات تُعني بجوانب من الحرية الدينية، والمساواة، وحرية الرأي والتعبير.. إلخ. إن هذا التطور والتدرج في تشييد دلالات الحرية بالمجال العربي والإسلامي، لم يكن بعيدا عن الدين وفي منأى عنه، فكل هذه التطورات، وأشكال التقدم التي تحققت في موضوع الحرية كانت تستند في العمق إلى فهم تجيدي للإسلام، وقائمة على تسوية معينة مع الإسلام ومن داخله. ومن ثم، فهذه المداخلة في جوهرها تَتَتَبع أشكال تطور العقلانية الإسلامية، في مقاربتها لموضوع الحرية، وما هي التأويلات التي اهتدت إليها، والمخارج التي قدمتها للتغلب على مآزق الفهم التقليدي للإسلام؟، وما هي الدروس المستفادة من تجربة العقل العربي والإسلامي مع الحرية على مدى قرنين من الزمان تقريبا، والتي يمكن الدفع بها اليوم لمواجهة الانغلاق والجمود؟. للجواب عن هذه الأسئلة، وبلوغ أهداف هذه الدراسة، سنقوم بمراجعة عدد من أعمال أعلام الفكر الإصلاحي العربي، وفي مقدمتهم رفاعة الطهطاوي؛ وجمال الدين الأفغاني؛ ومحمد عبده؛ وعبد الرحمن الكواكبي؛ ومحمد بن الحسن الحجوي؛ وعلال الفاسي؛ وبعض الأحكام والوثائق الفقهية.. إلخ. وفي انتظار ذلك تقبلوا منا أصدقاءنا الكرام فائق التقدير والاحترام. الأحد 12 أكتوبر 2014 طنجة