نشرت صحيفة “إندبندنت” مقالا للكاتب روبرت فيسك، يقول فيه إن وسائل الإعلام الأمريكية فقدت أحد أصواتها الأصيلة في المسائل العسكرية. ويقول فيسك: “أنا أكره (خبراء) التلفزيون و(المحللين) سيئي السمعة -الذين يعرفون كل شيء- ويدعمون كل شيء، يتعلق بالجيش، الجنرالات المتقاعدين الذين يأملون أن يترشحوا للرئاسة، وخبراء (المراكز الفكرية) الأمريكية الذين يبذلون جهدا في التغطية على معتقداتهم اليمينية، المؤيدة لإسرائيل عند ظهورهم على شبكات التلفزيون الأمريكية، وأجمع هؤلاء كلهم فيما أسميه (معهد دراسات الشؤون الخرقاء)”. ويشير الكاتب في مقاله إلى أن “هذه المعاهد ينتمي إليها مئات الأشخاص الذين يعملون مثل الروبوتات، ويستطيعون إنتاج الهراء حول (اللاعبين الأساسيين) و(أصحاب المصلحة) و(الحلفاء المعتدلين) و(الإرهاب العالمي)، ويظهرون تارة على (سي أن أن) وتارة على (فوكس نيوز) وأخرى على (روسيا اليوم)، وبالطبع على (بي بي سي)”. ويستدرك فيسك بأن “ويليام آركين كان دائما مختلفا، فعمل في الاستخبارات العسكرية للمارينز، وأصبح معلقا عسكريا بعد ذلك، وكان له كتاب حول (المواقع السوداء) لوكالة الاستخبارات المركزية، بالإضافة إلى مواقع ترسانات الأسلحة النووية وغيرها، فعندما يستقيل مثل هذا الرجل، فإن ذلك يسترعي انتباهي”. ويقول الكاتب: “هذا شخص حاولت إدارة ريغان سجنه لكشفه عن مواقع الأسلحة النووية الأمريكية والسوفييتية، وشخص كان عليه -كما قال هو نفسه- (أقاتل رؤساء التحرير الذين لم يصدقوا أنه ستكون هناك حرب في العراق)، لقد استقال من وظيفته بصفته معلقا على (أن بي سي نيوز)”. ويلفت فيسك إلى أن “هذا ما قال أركين لزملائه عندما غادر (أن بي سي) الأسبوع الماضي: (ليس هناك شخص في واشنطن يستطيع القول إنهم انتصروا، أو أوقفوا أي صراع، ومع أنه قد يكون هناك الأمراء المعطرون على شاكلة (ديفيد) بيترايوس وويزلي كلارك، أو من يسمون بالرهبان المحاربين، مثل جيمس ماتيس وأتش أر ماكماستر، فلدينا أكثر من جيل من قيادات الأمن القومي، الذين لم يفعلوا شيئا له أهمية، ومع ذلك نتقبلهم، ونفعل ذلك ونهمل ما نعرف بالتجربة حول ما فعلوه. وليس هناك أي بلد في الشرق الأوسط هو اليوم أكثر أمنا مما كان عليه قبل 18 سنة)”. ويقول الكاتب: “ما يجذبني لآراء آركين، هو أنه لا يعتمد على ويكيليكس فيما يتوصل إليه، بل يفضل أن يبحث بعمق في ملفات المعلومات الخاصة في الجيش، المتوفرة في دوريات الجيش والقوات الجوية الجادة ووثائق الحكومة، وجدت ذلك عندما بعث لي قارئ من اليابان صفحات من كتاب آركين (Code Names)”. ويضيف فيسك: “كنت أبحث عن كيفية تمكن إسرائيل من قصف لبنان وغزة دون نفاد القنابل (الذكية)، والقنابل العنقودية وصواريخ جو أرض، فحتى حلف الناتو عانى من نقص في الذخائر خلال حرب صربيا عام 1992، لكن ليس إسرائيل عندما كانت تفجر أعداءها -بمن فيهم الكثير والكثير من المدنيين- في الشرق الأوسط”. ويتابع الكاتب قائلا: “وجدت الجواب على تساؤلي في أعمال آركين، حيث كتب عام 2005 أن (أمريكا تخزن سرا معدات عسكرية وذخائر في إسرائيل لتسخدمها القوات الأمريكية والإسرائيلية، بحسب برنامج مخزون احتياطي حربي للحلفاء الإسرائيليين (WRS-I)، ويتضمن هذا البرنامج ذخائر تملكها أمريكا لكنها لاستخدام إسرائيل، ويشرف عليه الجيش الأمريكي والمارينز”. وينوه فيسك إلى أن “مواقع تخزين تلك الأسلحة، بحسب آركين، هي مطار بن غوريون الدولي وهرتسيليا ومطار نيفاتيم العسكري وقاعدة عوفدا الجوية، وكان هذاالنظام الذي اعتمد عليه آركين في جمع المعلومات الأكيدة، وأثبت أن ذلك ليس مستحيلا ما دام الشخص لديه الصبر ليجلس ويقرأ”. ويقول الكاتب: “كتبت تقريرا ل(إندبندنت) من إسرائيل عندما كان الإسرائيليون قلقون من أن أمريكا قد تضغط على شارون ليلتزم باتفاقية (السلام) الإسرائيلية الفلسطينية، فقلت إنه لا شيء يجب أن يقلق الإسرائيليين، فقبل ذلك بشهر فقط أنتجت أمريكا أول طائرات هيلوكبتر S-70A-55 من طراز بلاكهوك حاملة الجنود، واشترت إسرائيل 24 منها بسعر 211 مليون دولار (ستدفع أمريكا معظمها) مع أن لدى إسرائيل 24 من النسخة السابقة للطائرة”. ويضيف فيسك: “تمت مهاجمتي مباشرة لنشر أسرار عسكرية إسرائيلية من خلال مكالمة من أحد مؤيدي إسرائيل من لندن، وقال لي قارئ مجهول بأنني سربت أسرارا عسكرية إسرائيلية ليقرأها أعداء إسرائيل، لكن ذلك كان كلاما فارغا، فكل ما فعلته هو أنني قرأت الصحف المحلية الإسرائيلية، ولم يكلفني الحصول على هذه المعلومات سوى شواكل قليلة أنفقتها على الصحف”. ويستدرك الكاتب بأن “آركين يبحث عن الحقائق بشكل أكبر، ويأخدها من كل صفحة يقرأها، وقد خسرته (أن بي سي) حقا، ويقول هو إن تخصصه يبدو أقل قيمة الآن، وبأنه (لم يعد متناغما مع الشبكة)، فهو يرى أن الصحفيين يحولون الأمن العالمي إلى قصة سياسية: رامسفيلد ضد الجنرالات، أو وولفويتز ضد شنسيكي، ووكالة الاستخبارات المركزية ضد تشيني، والمعذبون السيئون ضد المعذبين الأقل سوءا، وفي الوقت كله ستكون (أن بي سي) تنظر للخلف؛ خوفا من الشركات الجديدة التي تزحف على تيار الإعلام الرئيسي”.. ويقول فيسك: “بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات، دخلت التحقيقات الصحفية في دوامة التغريدات.. (ففقدت البوصلة) .. حتى أصبحت (أن بي سي) نفسها تشبه مؤسسة الأمن القومي، مشغولة ومربحة”. ويرى الكاتب أنه “بسبب نجاح ترامب، أصبحت الشبكات ضده، وكسبت مؤسسة الأمن القومي (قوة خطيرة)، ولذلك أعلن آركين أنه سعيد بأن يفكر في العودة إلى كتابة كتب جديدة (دون تسلط المحررين المستبدين ومعايير الشركات)”. وتنقل الصحيفة عن آركين، قوله: “وأنا بالطبع أتمنى أن أعود إلى حبي الأول وكتابة التقارير المملة حول البرامج السرية، وسأشكر الحكومة الأمريكية لإمدادها المستمر (بالبرامج السرية الجديدة)”. ويؤكد فيسك أن “آركين ليس متحاملا، لكن أشك في أن يكون بطلا لليسار، ففي الوقت الذي يقر فيه بأن ترامب (دجال جاهل وعاجز)، لكن آركين يتساءل عما إذا كانت شبكات التلفزة ليست مع المزيد من الصراع والحرب (هل) يجب علينا ألا نغادر سوريا؟ و(هل) يجب علينا ألا نذهب بجرأة نحو نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية؟ هل نتمنى حقا عودة الحرب الباردة؟ ولا تجعلوني أبدأ بالحديث عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، فنحن اليوم نرفع من شأن هذه المؤسسة (التي كانت) مدمرة تاريخيا”. وتورد الصحيفة نقلا عن آركين قوله إن الصحفيين “أصبحوا آباء مرهقين من أطفالهم (المدمنين) على الإعلام الاجتماعي الرضيع (والصبياني)، وبسبب الدورة (24 ساعة) أصبحنا نحن في (أن بي سي) نعاني من حالة صعبة من عدم تمكننا من التقاط أنفاسنا، بالإضافة إلى أنني لا أعتقد أننا على خط مستقيم نحو السعادة الرقمية. أشعر أن الإعياء من الهواتف الذكية والإعلام الاجتماعي بدأ يجتاح البلاد، ولا أرى أن أي شيء نراه الآن يمكن أن يحل التحديات المخيفة لحمل المعلومات الزائد، أو دور وطبيعة العمل الصحفي”. ويقول الكاتب: “عندما يذهب ترامب قد نعاني جميعا من صداع إعلامي، لكن أظن أن آركين يخطئ عندما يفكر في أن أسلوبه في البحث عن الحقائق الصلبة، سيصبح رائجا مرة أخرى في عالم أصبح فيه الانتظام في الصف -مع السلطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي والجنرالات وتحريم الحديث عن العلاقة بين إسرائيل وأمريكا- سيتم تبديده في وجه صحافة قوية”. ويضيف فيسك: “في الواقع يبدو أن آركين التزم بتحريم الحديث عن العلاقة مع إسرائيل، وبالرغم من أهمية الموضوع مع وجود ترامب وحبه لنتنياهو فلم يذكره في رسالته”. ويختم الكاتب مقاله بالقول: “أنا سعيد بأن هذا الخبير سيكتب بحثا جديدا حول الأمن القومي، و(لماذا لا يبدو أننا ننهي حالة الحرب التي أصبحت دائمة)، الحرب الدائمة ومن يعتقد أنها ضرورية هو ما يهمني، فالحرب تبيع الأسلحة وتبيع الصحف، وتزيد عدد المشاهدين، الحرب تضع (الخبراء) الكاذبين على شاشات التلفاز، والأشخاص البسطاء مثل آركين هم من عليهم إيقاف هذا الخراب، بالعودة إلى (أن بي سي) ربما؟”.