الله أكبر الله أكبر الله أكبر أخي وعزيزي عبد الرحيم بترديدك هذه الحقيقة الساطعة، وهذه الشهادة المؤمنة المخلصة، كنت تستهل دائما تأبين إخواننا الأعزاء الذين سبقوك إلى جوار ربهم، تأكيدا لهويتنا الإسلامية وتقبلا لقدره تعالى، فكما كنت تتجلد أمام كل مصاب وتحبس دمعك أمام اختفاء خيرة إخواننا، جاعلا من ألمك وحزنك مصدر قوة وتصميم جديدين، فإنك تنتظر منا اليوم أن نواجه هذه الفاجعة الكبرى بصبر فوق طاقتنا وأن نستلهم من هذه المحنة الكبرى إرادة مضاعفة لإنجاز ما سطرته لنا من أهداف سامية ومطالب مشروعة. لكن يا أخي عبد الرحيم، رغم تواضعك وشهامتك، لابد أن تعلم أن رحيلك عنا ليس فقط خسارة لا تعوض بالنسبة لحزبنا، ولكن المعارضة الوطنية بكل فصائلها، ومخاطبيها في مؤسسات الدولة وجماهير المواطنين الشرفاء، كلهم يشاطروننا هذا الإحساس الأليم، فدون أن أسرد القائمة، غير المحدودة لنضالاتك ومنجزاتك وتضحياتك، فقد كنت بحق، ركنا رئيسيا في مجتمعنا، ومنبعا للرأي والتوجيه في حياتنا السياسية ومنارا لإشعاع بلادنا قوميا ودوليا. فكما أن تاريخ المغرب المعاصر سبق له أن سجل فترتين متميزتين في ميدان التسيير الاقتصادي والاجتماعي، مغرب ماقبل 1960 ومغرب مابعد 1960 ،فلاشك أن الأجيال القادمة ستلتمس الفرق بين ما قبل 8 يناير 1992 وما بعده، إذا كانت بلادنا طيلة الثلاثين سنة المنصرمة رغم ما عرفته من مشاكل مزمنة وأزمات حادة، لم تعصف بها كوراث قاتلة، فالفضل يرجع إلى حد كبير إلى رصانة عبد الرحيم بوعبيد وتبصره واتزانه ورصيده المعنوي لدى إخوانه ولدى المواطنين كافة، من سلوكاته التي كنا نهابها ونقدرها في اجتماعاتنا معك، إنك كنت لا تحب الإطالة ولاترديد المسلمات، لذلك لن أحاول التذكير بمراحل التزامك في معركة التحرير والوحدة ولا بمساهمتك في بناء مؤسسات دولتنا المستقلة ولا دورك في اعتماد سياسة اقتصادية واجتماعية لصالح الجماهير، سأكتفي بالتشديد فقط على أن عطاءك كان يتميز في جميع هذه الميادين بالواقعية والفعالية والعقلانية والمردودية الإيجابية بعيدا عن الخطابة والمجاملة واللامسؤولية. أما إنجازك الكبير والفريد من نوعه في العالم العربي والعالم الثالث ،فهو أنك رغم كل الصعاب الموضوعية ،والمحن الكثيرة، وانعدام الوسائل المناسبة، تمكنت، بالتعاون مع إخوانك الأوفياء من تكوين حزب تقدمي مؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مستندا إلى مركزية نقابية عتيدة، معبرة بحق عن الحاجيات المشروعة للطبقة العاملة، حزب أغلبية من الشباب الطموح إلى التغيير إن سر نجاحك في ترسيخ حزب الصامدين في هذه البلاد ،هو أخلاقك العصامية، تجردك المثالي، إيمانك العميق بالقيم الديمقراطية والإنسانية، قدرتك على المقاومة والصمود، رصيدك ومصداقيتك في الوطن وخارج الوطن وإذا كنت اليوم ستفارقنا دون أن تجني ثمار جهادك الأكبر، وتشاهد مع أبنائك البررة تحقيق الديمقراطية الحق على أرض وطن وهبته كل شيء، فإنك فارقتنا وأنت واثق من أن ساعة قيام الديمقراطية آتية لاريب فيها، لأنك حضرت لها شروط التحقيق طيلة الثلاثين سنة المنصرمة، وذلك بتنمية الوعي الديمقراطي داخل الحزب ولدى عامة المواطنين، كما أنك حرصت دائما على أن يستثمر المناضلون والمواطنون ما سمحت به 17 سنة من الهامش الديمقراطي على علاته لتعميق وعيهم الديمقراطي ولتدريبهم على ممارسة الوظيفة الديمقراطية ولو داخل مؤسسات مغشوشة، فلم تخف في أي وقت من الأوقات أن طريق الديمقراطية طويل وعسير ،وأنه يتطلب تنمية روح المواطنة واليوم قد وصلت موجة الديمقراطية العارمة إلى شواطئ أقطار المغرب العربي، يجد الشعب المغربي نفسه قادرا على استيعابها وجاهزا لممارساتها ممارسة صحيحة ونموذجية قد يكون لها أبلغ الاثر على جيراننا وأشقائنا تلك هي النتيجة الكبرى والتاريخية التي أفرزتها مدرسة عبد الرحيم بوعبيد، مدرسة الصمود الشجاع للدفاع عن القيم، مدرسة تكوين المواطن الصالح المتفاني في خدمة الصالح العام من خلال مؤسسات دستورية حقيقية وسليمة قسما يا أخي عبد الرحيم، إننا لجهادك لمواصلون، وبما ضحيت من أجله لمتشبثون، ولتراثك النضالي لحافظون رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته مع الشهداء والصديقين، وإنا لله وإنا إليه راجعون الكلمة التأبينية التي ألقاها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عند مواراة جثمان الفقيد العزيز التراب