ذكر عبد الهادي خيرات بمسار الفقيد الكبير عبد الرحيم بوعبيد. من خلال ما راكمه من ذكريات، في حياة الفقيد، بحكم العلاقة التي جمعتهما معا,وماراكمه أيضا من معطيات وأسرار في السجن, سواء من طرف المناضل محمد اليازغي. أو من طرف بوعبيد أو الحبابي وغيرهم. إذ كان الفقيد- يقول عبد الهادي خيرات- له دراية عميقة بزمنه ومحيطه وبماضي وحاضر مستقبل المغرب. وعرج في مداخلته التي احتضنتها دار الثقافة مولاي العربي العلوي, بدعوة من الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بالمحمدية, مساء يوم الجمعة 13 يناير 2012. إحياء للذكرى العشرين لوفاة فقيد المغرب الكبير عبد الرحيم بوعبيد, على عطاءات هذا المناضل. سواء إبان الاستعمار أو بعده لصالح المواطن والوطن. خاصة وهو يفاوض المستعمر الفرنسي. . وذكر خيرات, عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي , العديد من الحكايات والأسرار التي كان بطلها هذا الزعيم الوطني,منها كيف هاتف الفقيد بوعبيد الخازن العام الفرنسي مستفسرا عن الر صيد المالي للمغرب. فأكد له أن المبلغ يصل إلى 14 مليار فرنك. وفي نهاية الشهر، عاود بوعبيد الاتصال ليتفاجأ بالخازن العام، يدعي أن المغرب مدين لفرنسا ب 2 مليار فرنك. وهناك كان لبوعبيد موقف شجاع ووطني في مواجهة هذا التلاعب. كما ذكر باعتقاله بمعية الحنصالي في زنزانة واحدة، حيث حكم عليه بالإعدام. إلى غير ذلك من الحكايات التي رواها خيرات في هذا اللقاء. منه دفاعه المستميت على القضية الوطنية، وانفصال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على حزب الاستقلال، إذ يضيف القيادي الاتحادي أن الفقيد كان صارما في كل ما يتعلق بالقضية الوطنية. وأشار في كلمته إلى هذا النضال المتواصل لبوعبيد ورفاقه. التي كانت تمرته ما يعيشه المغرب اليوم. لكن مع ذلك لاحظ خيرات أنه رغم التصويت على الدستور الجديد، وما سبقه من تعبئة في المجتمع, إذ أطر شخصيا أكثر من 50 لقاء بخصوص هذا الموضوع, إلا أنه لاحظ العديد من الخروقات التي مست الدستور الجديد. انطلاقا من انتخاب كريم غلاب لرئاسة مجلس النواب، وهو يحمل حقيبة وزير في حكومة عباس الفاسي، الأمر الذي تصدينا له، ،لأنه فيه خرق لأسمى وثيقة في البلاد. لكن للأسف هناك من يفتي من الطرف الآخر في أشياء يجهلها. وذكر خيرات بأن الوزراء الاتحاديين لم يجلسوا بجانب أعضاء الفريق الاشتراكي. بل في الأماكن المخصصة للوزراء بحكم حالة التنافي، وذلك حفاظا على عدم خرق الدستور, ورغم هذا التنبيه إلا أنه لم يؤخذ بعين الاعتبار، مما حذا بجهات عليا تتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها, كذلك الأمر بالنسبة لتسليم السلط. الذي رأى فيه خرقا آخر للدستور الجديد. وعرض البرنامج الحكومي على مجلس الوزراء كما صرحت الأغلبية بذلك. وهو يجانب أيضا الدستور. الذي ينص على عرضه على غرفتي البرلمان، ويتم التصويت عليه من طرف مجلس النواب، وهو الأمر الذي لم يتم في عهدي عبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو. فالدستور الجديد جاء لكي لا يختبئ أي مسؤول وراء جلالة الملك، كما كان يردد عباس الفاسي. متسائلا عن الشفافية والوضوح المتحدث عنهما. وطرح خيرات أيضا هذا التراجع الواضح المتعلق بإشراك المرأة المغربية التي هي نصف المجتمع. فعوض تعزيز حقوق المرأة، نجد أن هناك امرأة يتيمة في الحكومة الحالية، كما أثار النقطة المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، في حين نجد وزراء لا لون سياسي لهم في هذه الحكومة ضدا على الدستور. مشيرا إلى أن المعارضة الاتحادية كما سبق وأن أكدنا على ذلك ستكون معارضة نصوحة بناءة من أجل خدمة قضايا البلاد ومن أجل محاربة الفساد واقتصاد الريع، مذكرا في هذا الباب المشروع المتعلق بقضية »»لكريمات«« التي جاء بها عبد الرحمان اليوسفي. وختم عرضه بالتأكيد على أننا نريد تغييرا هادئا وعميقا وبوضوح أيضا. من جانبه أكد أحمد وهوب, الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بالمحمدية ازناتة، أن إحياء الذكرى العشرين لوفاة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، يأتي وفاء لهذا الرجل الذي كان علما على مراحل هامة في تاريخ حزبنا وفي تاريخ وطننا، وقد ارتأينا يقول وهوب أن ندعو لتأطير هذا اللقاء من طرف الأخ عبد الهادي خيرات، وهو واحد من مريدي مدرسة عبد الرحيم بوعبيد، والمريد هنا بالمعنى الروحي والنضالي والسياسي ودرجة القرب التي لا تخفى على كل الذين جايلوا هذه المرحلة. وقد اخترنا أيضا موضوعا لتأطير هذا اللقاء،» راهنية الفكر السياسي لدى عبد الرحيم بوعبيد». ومعنى ذلك أن غايتنا ربط الماضي بالحاضر، في ضوء فكر عبد الرحيم والنظر إلى ممارساته السياسية في ضوء علاقتها بالمغرب الذي عايشه ونعايشه مع اعتبار الفارق. وبعبارة أخرى: ماذا لو كان عبد الرحيم حاضراً بيننا اليوم، هل كان سيقبل بنتائج الديناميكية التي عاشها المغرب في سنة 2011، ومازال يعيشها الى اليوم، لقد سجلنا كمناضلات ومناضلين بالاتحاد الاشتراكي، وسجل معنا المتتبعون والمهتمون أن حزبنا انخرط بقوة في هذه الديناميكية وعمل كل ما في وسعه من أجل إنجاحها، في ظل محيط محلي وإقليمي ودولي يعرف مخاضاً عسيراً وتطورات عميقة سارت به في مسارات شتى، ومآلات مختلفة، أفضت، ومازالت، إلى نتائج وإفرازات، وفي مقدمتها الإفرازات السياسية. ومع اعتبار السياق وتطور المعطيات، وتحولات القيم المجتمعية، يمكننا أن نطرح السؤال: هل كان الاتحاد الاشتراكي وهو يفعل ذلك وفياً لفكر عبد الرحيم ولمقارباته السياسية الجريئة في محطات شبيهة بما نعيشه, ساهم في الفعل فيها وترك بصماته عليها؟ ومن أجل تلمس عناصر أولى من الإجابة عن هذا السؤال، لابد من الوقوف في هذا السياق، يضيف وهوب، على بعض خصال شخصية عبد الرحيم وميزاته القيادية، ومبادئه واختياراته، مستحضرين، بالأساس، ما ورد في مقتطفات من مذكراته نشرتها جريدة »الاتحاد الاشتراكي« في نهاية الأسبوع الماضي. كان الرجل ذا ذكاء وحدس متقدين في تفكيره بخصوصيات المرحلة التي عاشها من تاريخ المغرب، انخرط باكراً في معركة حصول المغرب على استقلاله، وظل واعياً بخطورة المرحلة التي كان يتوجب فيها تحرير الإنسان المغربي من التخلف والأمية والقهر، والارتقاء به الى مستوى تحقيق الحقوق الأساسية للمواطنة الكاملة، والنهوض بالمغرب كوطن مستقل عن قيود الحماية والتبعية لمصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، فانخرط في مسلسل المفاوضات من أجل استقلال المغرب، وساهم بكفاءة عالية في المفاوضات لعودة المغفور له محمد الخامس من منفاه. وفي مرحلة الجهاد الأكبر، كما سماها المغفور له محمد الخامس، أي مرحلة بناء مغرب الاستقلال، فقد اضطلع بمهام محورية تعكس التوجه نحو بناء مؤسسات اقتصادية ومالية سيادية حررت الاقتصاد المغربي من التبعية وجعلته يعتمد تدريجيا على قدراته الذاتية. وبنفس الحدس والنظر الثاقب، حافظ الى جانب رفاقه وإخوانه في قيادة الحزب، على الحزب وحمايته من مخططات القوى التي كانت ترمي إلى استهدافه والقضاء عليه، ومن خلاله، تحجيم التوجه التقدمي بالمغرب بقمع نشطائه في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، فعلى الرغم من المحنة التي عاشها الحزب ومناضلاته ومناضليه، من خلال استراتيجية القمع الممنهجة التي مارسها النظام خلال عقد الستينات وبداية السبعينات، فاجأ الحزب خصومه وحتى أصدقاءه عندما رد على استراتيجية القمع باستراتيجية النضال الديمقراطي، كأداة لاستنهاض الوعي العام لدى المواطنات والمواطنين، أداة كفيلة بالدفع نحو بناء مغرب المؤسسات بالتمثيلية الحقيقية، وعلى الرغم من تزوير الانتخابات وتمادي الادارة المخزنية في تدخلاتها المكشوفة في المسلسل الانتخابي, ظل عبد الرحيم متمسكاً بخيار النضال الديمقراطي، مشيراإلى أنه لابد أن تستوقفنا في مذكراته مواقف /علامات في حياة هذا القائد وفعله نسجلها كعناوين فقط، ولاشك أن أخانا عبد الهادي خيرات سيلقي مزيداً من الضوء على البعض منها: يتحدث الفقيد عبد الرحيم بوعبيد بنوع من الأسى، كيف أن حصيلة حكومة 1959-1956 كانت إيجابية في قطاعات عدة, صناعية وتجارية, وفي مجال القروض والعملة والإنتاج الفلاحي... وكان لعبد الرحيم في منجزاتها نصيب وفير، ومع ذلك، تعرضت للإعفاء دون سبب موضوعي واقتُرحت عوضها حكومة أخرى برئاسة ولي العهد آنذاك المرحوم الحسن الثاني، وإن كان ترأسها في النهاية المغفور له محمد الخامس. لكن موقف الفقيد عبد الرحيم بوعبيد كان صريحاً وواضحاً ومباشراً، وهو عدم قبول هذه الصيغة والامتناع عن المشاركة فيها. يمارس الفقيد عبد الرحيم بوعبيد نوعاً من النقد الذاتي فيما يخص التحضير للانتخات البلدية يوم 29 ماي 1960، حيث تم تهييء كل شيء من طرف وزير الداخلية آنذاك وبمساعدة فلول التقنيين الفرنسيين أثناء الحكومة التي يشارك عبد الرحيم في تسييرها، »بغير علمها، وفي غفلة منها عمليا«. لكن الموضوع الأهم الذي يستأثر بالاهتمام أكثر من غيره، والذي عشنا مثيلا له في منتصف سنة 2011، هو تطور التفكير لدى الفقيد عبد الرحيم فيما يخص ثنائية: المجلس التأسيسي/ الغرفة الدستورية، فقد كان المجلس التأسيس مطلب قوى متعددة في البداية في مقدمتها حزب الاستقلال، ولكنه في النهاية، بقي مطلب الاتحاد وحده. ولذلك، فإننا نجد أن عبد الرحيم يعبر عن موقف أصيل ومتطور يراعي وضعية المغرب، وتمكن السلطة الملكية فيه، وبعدما يسجل تذبذب مواقف حزب الاستقلال واصطفافه إلى مقترح الغرفة الدستورية عوض المجلس التأسيسي، وبعد أن يتأمل في إمكانيات نجاحه حتى لو انتخب بطريقة ديمقراطية، ويسجل تشبث جزء من قيادة الحزب به، فإنه يسجل موقفه الشخصي بالجرأة والصرامة المعهودتين فيه«، شخصياً، ولاسيما ابتداء من 1960، «بدا لي أنه من العقم والشلل مواصلة التقوقع في هذا الموف وسجن الذات فيه» ويظهر حينها أنه كان يدافع عن دستور برنامج عوضاً عن دستور قانوني بالمعنى الذي يحدده لكل منهما، بل إنه تأسف لتعليق مشروع الغرفة الدستورية، وكان يرى فيه إمكانية تحقيق بعض الإيجابيات، مذكراً محاوره الشهيد المهدي بنبركة ببعض الإيجابيات، ولو أنها محدودة، التي حققها المجلس الاستشاري الذي كان يرأسه الشهيد. وقال وهوب: إن هذه الأفكار والممارسات السياسية التي نادى وعمل بها الفقيد، تظهره لدى من لا يعرفه، وكأنه رجل إصلاحي مهادن، لكن حقيقته غير ذلك تماماً، فأن يقدم الرجل موقفه، بكيفية مباشرة فيما يخص إعفاء حكومة عبد الله ابراهيم، وتشكيل حكومة أخرى يترأسها ولي العهد آنذاك أو الملك، وأن يرفض الاستوزار فيها، وأن يجيب هو ورفاقه، وإخوانه، فيما بعد عن استراتيجية القمع الممنهج في سنوات الرصاص باستراتيجية النضال الديمقراطي، وأن يجابه الاتحاد، بقيادته، التزوير وفبركة الخرائط في المعارك الانتخابية بجعل محطاتها وسائل لفضح الممارسات المخزنية، وأن يرفض هو وإخوانه الاستفتاء في الصحراء فيقبعوا في سجن ميسور، وأن ينبري للدفاع عن المعتقلين بكل ما أوتي من شجاعة وجرأة عز نظيرهما، أن يفعل عبد الرحيم كل ذلك، ولا تعوزنا عشرات الأمثلة الأخرى في هذا الباب، فإن ذلك يبرز أن خصال هذا الزعيم غنية ومتميزة: ممارسة وطنية لا تساوم، ولا تنحني أمام كل من يحاول المس بمصالح المغرب، وبمصالح الحزب أيضاً، ممارسة جريئة أمام الخصوم، وأمام إخوته في الحزب أيضاً، وهي ممارسة مستقلة في مقابل أخرى حربائية ترفع الشعار المعروف لدى المغاربة, »اللهم انصر من أصبح«، وتلبس لكل مقام لبوسه، وتنتقل من الموقف إلى الموقف النقيض، وكما قال الفقيد عبد الرحيم في مذكراته، فإن »الدمى لا تتحرك لوحدها«. وقدم الكاتب الاقليمي باسم جميع المناضلات والمناضلين، الشكر الجزيل لكل الذين ساندوا الاتحاد في معركة 25 نونبر 2011، من الشباب والنساء والرجال، ومن المثقفين والفنانين، ومنوها بالمجهودات التي بذلها كل من موقعه، في حملة الاتحاد الاشتراكي الحضارية التي جعلت من هذه المناسبة جسراً للتواصل البناء والصادق مع المواطنين والمواطنات، في مواجهة قوى الفساد الانتخابي التي يظهر من النتائج المتوفرة أن شمسها قد شرعت في الأفول، وأن حيلها قد أصبحت لا تنطلي على كثير من الناس، ودون أن ننسى في الأخير مناضلاتنا ومناضلينا الذين انخرطوا في هذا الاستحقاق بصدق وغيرة وأمانة وما بدلوا تبديلا..