بعد خفوت قوة احتجاجات السترات الصُّفر أثناء احتفالات نهاية السنة، توقع عدد كبير من المتتبعين للشأن الفرنسي أن تختفي هذه الحركة، خاصة أن الحكومة الفرنسية تجاوبت مع عدد كبير من مطالبها، وحققت هذه الحركة من المكاسب الاجتماعية في أقل شهر، ما لم تحققه أي حركة احتجاجية نقابية منظمة في ظل الجمهورية الخامسة. لكن هذا التراجع في الحركة الاحتجاجية، يبدو أنه مؤقت، فقد عادت حركة السترات الصُّفر إلى التظاهر في السبت الثامن على التوالي، يوم 5 من يناير الماضي، وتخلل هذه الاحتجاجات العديد من أحداث العنف سواء بالعاصمة باريس أو بعدد من المدن الفرنسية الأخرى. طبعا هناك العديد من الأسئلة، تطرح حول مستقبل هذه الحركة وتوجهها واستمراريتها في الزمن، كما أن عددا من الأسئلة يطرح حول توجهها، هل تتحول إلى حركة سياسية؟ هل تشارك في الانتخابات ؟ أم أنها سوف تستمر بالشكل الذي تسير عليه اليوم، وهو عدم الانتماء السياسي والاعتماد على الشبكات الاجتماعية في التنظيم والتجمع؟ استمرار هاته الحركة الاحتجاجية، يشكل تحديا بالنسبة لرئيس إيمانييل ماكرون وحكومته. فرغم التجاوب الاجتماعي معها، فإن الحركة مستمرة، وسجلت ارتفاعا في السبت الثامن من الاحتجاج ، وعرفت هي الأخرى أعمال عنف متعددة بين الشرطة والمتظاهرين، وتم إحراق سيارات ودراجات بالعاصمة، كما تم تكسير باب وزارة الناطق الرسمي باسم الحكومة بنجمان جريفو من طرف العديد من المتظاهرين باستعمالهم لإحدى آليات الأوراش، مما أجبر كاتب الدولة الذي كان موجودا بمكتبه بمغادرة الوزارة عبر الباب الخلفي. وهو ما جعل الرئيس ايمانييل ماكرون عبر تغريدة يدين تصاعد أعمال العنف ضد الجمهورية ورموزها. وأضاف أن العدالة سوف تقوم بعملها. وقد خرج للتظاهر 50 ألف متظاهر عبر التراب الفرنسي، حسب أرقام الشرطة الفرنسية من بينهم 3600 بباريس، وهو رقم يبقى بعيدا عن 282 الف متظاهر الذين سجلوا في 17 نوفمبر الماضي. لكن رقم السبت الماضي، هو مهم مقارنة بالأسابيع الأخيرة التي لم يعد عدد المتظاهرين بها يتجاوز 30ألفا فقط. هذه الأرقام، بينت أنه رغم التراجع، فإن الحركة استرجعت أنفاسها من جديد، وأنه يمكن أن تتطور في أفق الانتخابات الأوربية رغم دعوة الحكومة إلى فتح نقاش وطني، وتسجيل المطالب بمختلف البلديات الفرنسية. وهو نقاش من المنتظر أن ينطلق منتصف هذا الشهر، وتم تعيين شنطال جوانو وزيرة سابقة في حكومة ساركوزي كرئيسة لجنة النقاش العمومي، الذي سوف تشهده فرنسا في إطار التجاوب مع مطالب الحركة. أعمال العنف التي شهدها فرنسا يوم السبت الماضي، أدانتها كل الأحزاب باستثناء رابطة اليمين المتطرف لمارين لوبين وفرنسا الأبية لجون ليك ميلونشون المحسوبة على اليسار المتطرف. لكن رغم ذلك، فإن بعض الأصوات، ترى أن الحكومة أمام العنف الذي تعرفه المظاهرات، لم يعد له أي جواب آخر عن ذلك سوى العنف والمقاربة الأمنية، بل إن بعض مكونات المعارضة يتهمون الحكومة بصب الزيت على النار، وذلك في إشارة إلى خطاب الرئيس بمناسبة أعياد نهاية السنة، الذي تحدث فيه عن «الجمهور الحاقد « وذلك في إشارة إلى السترات الصُّفر، كما أن هناك من يعاتب الحكومة على أحكامها المعممة على هذه الحركة وتعاملها مع الجميع بنفس المنطق، خاصة أن الحكومة قررت في 15 من يناير المقبل، وهو تاريخ بداية «النقاش الوطني الكبير» التجاوب مع مطالب هذه الحركة بالإضافة إلى الإجراءات الاجتماعية، التي اتخذتها من أجل الرفع من القدرة الشرائية من خلال الرفع من الأجر الأدني وتجميد الضرائب على المحروقات. يبقى هذا النقاش، الذي سيبدأ الأسبوع المقبل، هو فرصة الحكومة في إخراج البلاد من الاحتقان والأزمة الاجتماعية وكذلك للخروج من العنف بين الشرطة والمتظاهرين، من أجل الحوار حول ما يمكن القيام به لإيجاد حلول لمختلف المشاكل التي تعرفها فرنسا. فهل ستنجح الحكومة الفرنسية في هذا المسعى أم أن العنف واستمرار التظاهرهو الذي سيطغى على هذا المسار، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية بفرنسا والتراجع الكبير للبورصة ، عوامل لن تساعد الحكومة على خلق أجواء إيجابية والخروج من أجواء الاحتجاجات والتظاهر والعنف التي حطمت كل الأرقام التي لم تشهدها فرنسا في السابق؟ وعودة احتجاجات السترات الصُّفر إلى التظاهر بقوة بعد احتفالات نهاية السنة، ليس مؤشرا إيجابيا لها ، خاصة أن العنف مازال مستمرا، وهو ما يعني أن الحركة مستمرة وليست مؤقتة، كما توقع العديد من المتتبعين.