سلط مرصد الشمال لحقوق الإنسان في بحث ميداني له الضوء على العوامل التي أدت إلى تجنيد الشباب بمنطقة الشمال المغربي من طرف المنظمات الإرهابية بسوريا والعراق والقتال هناك. واختار المرصد 30 مقاتلا من ضمنهم امرأتان، الذين لم يسبق لهما أن انخرطوا في الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني، في حين أن 10% من هذه الفئة سبق لها أن شاركت في حركة 20 فبراير والعديد من الوقفات الاحتجاجية للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السياسيين التي كانت تنظم كل أسبوع بتطوان ومرتيل والمضيقوالفنيدق. وانصب مجال البحث والدراسة على جهة طنجةتطوان، إقليمتطوان وعمالة المضيقالفنيدق، على اعتبار أن هاتين المنطقتين، تقول الدراسة الميدانية، تعتبر المصدر الأكبر للمقاتلين لسوريا والعراق، حيث يفوق عددهم وفق المعطيات التي يتوفر عليها مرصد الشمال لحقوق الإنسان ما بين 400 و 500 شخص، وهو ما شكل حوالي ثلث المقاتلين الذين تقدر عددهم السلطات المغربية بحوالي 1500 شخص. وأوضحت الدراسة أن شبكات وخلايا الاستقطاب تستهدف فئة الشباب ذات الخصوصيات النفسية والسوسيولوجية المميزة، إذ 67% منهم لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة وجميع العينة المبحوثة لم تتجاوز 30 سنة. ووفق المعطيات التي حصل عليها المرصد من أفراد عائلات هؤلاء الشباب وأقرانهم قبل الهجرة، تمثلت حياتهم اليومية في العزلة والانطواء، الخجل، التردد وعدم التوافق والتكيف الاجتماعي، وذلك راجع للمستوى التعليمي المتدني والانتماء لطبقات اجتماعية ذات مواصفات هشة مع مزاولتهم لأنشطة وأعمال مؤقتة وهامشية. وعزت الدراسة الأسباب الرئيسية التي دفعت هؤلاء الشباب للانضمام للمقاتلين بسوريا والعراق، إلى أسباب وعوامل دنيوية رئيسية مقابل الأسباب الدينية المتمثلة في الرغبة في الجهاد ونصرة الشعب السوري كأسباب ثانوية غالباً.وكشفت الدراسة أن العديد من الحالات ضمن العينة المبحوثة هاجرت رفقة أسرها (زوجة وأبناء) للبحث عن ظروف عيش ملائمة تضمن لها حقوقها وكرامتها وتنقذها من براثين الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، مع ما ينتظرها في »الدولة الإسلامية« من مباهج العيش على نموذج »السلف الصالح«. وحسب المقابلات التي تم إجراؤها مع العديد من أقارب العينة، فإن هجرة أبنائهم شكلت في البداية صدمة، إلا أنهم سرعان ما عبروا عن بعض الرضى، نظراً لتحسن ظروف حياتهم من خلال الصور التي يبثونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وبخصوص طرق الاستقطاب، أوضحت الدراسة الميدانية أن 40% من الملتحقين بسوريا تم استقطابهم بشكل تقليدي ويمثلون الجيل الأول الذي هاجر مباشرة بعد اندلاع »الثورة السورية« وإطلاق نداء النفير العام لأرض الشام. كما تميزت هذه المرحلة بغض الطرف من السلطات المغربية وهي المرحلة التي تلت استضافة المغرب لمؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش سنة 2012، حيث اعتبر ذلك بمثابة تأييد للسلطات الرسمية »للثورة السورية«، الأمر الذي شجعهم على ذلك، في حين فسر ذلك بمثابة وسيلة للتخلص من العناصر المتطرفة.أما 60% من العينة فيمثلون الجيل الثاني (2014/2013) الذين تم استقطابهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي بعد حملة السلطة الأمنية المغربية التي عرفت توقيف الراغبين في الالتحاق بسوريا والعراق مع إحالتهم على المحاكم المختصة وتفكيك خلايا إرهابية. وأكدت الدراسة أن 90% من العينة المبحوثة وصلت إلى سوريا عبر الطائرة مباشرة من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء عبر تركيا بسبب غياب التأشيرة بينها والمغرب، حيث تعاملت السلطات المغربية في بداية الأمر بليونة معهم وتزامن ذلك مع استضافة مؤتمر أصدقاء سوريا، ثم ما لبثت أن أصبحت متشددة بعد بروز حركة »داعش«. وأكدت الدراسة أن أغلب الملتحقين من العينة هم من شباب نفس الأحياء الذين تجمعهم صداقات أو توطدت لاحقا عبر شبكات التواصل الاجتماعي الفايسبوك، حيث أغرت الصور المنشورة للمقاتلين بسوريا في مراكز التسوق والمطاعم وركوب السيارات الفاخرة ومزاولة الرياضة والصيد التي تعبر عن حياة الرفاهية والترف في »جنة الأرض«، كما تعلق الأمر برحلة استجمام، مما أغرى العديد من الشباب، وهو ما يعتبر نوعا عصريا من الاستقطاب والتجنيد الإلكتروني. ويوصي مرصد الشمال لحقوق الإنسان بتبني استراتيجية وطنية تتضمن مجموعة من الآليات العملية لمحاربة آفة التحاق الشباب المغربي بجبهات القتال ومناطق الصراع، سواء حالياً أو مستقبلاً.